جنبًا فلا يصبح»، وقد بين أنه سمعه من صحابيين فاضلين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، مع أنه قلما كان يذكر الحديث بل كان الغالب من حاله أن يفتي بذلك فتوى ولا يذكر النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png. ولا يعلم أحدًا من الصحابة قال في حديث: (قال النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png…) ثم بين أو ذكر مرة أخرى أو تبين بوجه من الوجوه أنه عنده عن تابعي عن صحابي عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png. بل يعز جدًا أخذ الصحابي عن تابعي عن صحابي عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، إنما توجد أمثلة يسيرة جدًا لصغار الصحابة يسندونها على وجهها، راجع (ص 156-157) وكان الصحابي إذا قال: (قال النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png…) كان محتملًا عند السامعين للوجهين كما مر، فأما أن يكون إنما سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فلم يكن عندهم محتملًا، وإذ لم يكن محتملًا فارتكاب الصحابي إياه كذب، وقد برأهم الله تعالى عن الكذب، وأبعد من ذلك أن يكون إنما سمعه من تابعي عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، وأبعد وأبعد أن يكون التابعي مثل كعب. التاسعة: زعم -مع الأسف- أن هذا أقرب تصوير للطعن، وهو كما ترى أبعد تصوير، بل هو محض الباطل، ولو احتجت إلى الطعن في سند الخبر لأريتك كيف يكون الطعن المعقول بشواهده من كلام الأئمة كابن المديني والبخاري وأبي حاتم وغيرهم، فإن لهم عللًا ليس كل منها قادحة حيث وقعت، ولكنها تقدح إذا وقعت في خبر تحقق أنه منكر، وهذا من أسرار الفن.
العاشرة: أن هذا الطعن يترتب عليه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهي المكيدة التي مرت الإشارة إليها (ص201) وإيضاحها قبل ذلك، وكل من التأويل ولو مستكرها والوقف أسلم من هذا الطعن،
217
ولو غير السيد رشيد رضا قاله لذكرت قصة المرأة التي اشتكى طفلها ولم تعلم ما شكواه غير أنها نظرت إلى يافوخه يضطرب كما هو شأن الأطفال، فأخذت سكينًا وبطت يافوخه كما يصنع بالدمل… إلى آخر ما جرى.
الحادية عشر: قوله في أبي هريرة (من القطعي… لتأخر إسلامه) قد تقدم رده (ص156)
الثانية عشر: لا يخفى حال ما ذكره أخيرًا وسماه تأويلًا.
وذكر (ص340) الحكايات عن كعب ووهب وقال: (لم يكن يحيى بن معين وأبو حاتم وابنه وأمثالهم يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح، لعدم اطلاعهم على تلك الكتب).
أقول: في هذا أمور:
الأول: أن الأئمة كانوا يعرفون النبي
ص وسنته، فبذلك كانوا يعرفون حال كعب ووهب في ما نسباه إلى النبي
ص، فإذا وثقوها فمعنى ذلك أنهم عرفوا صدقهما في هذا الباب، وهذا هو الذي يهم المسلمين. فأما ما حكياه عن صحف أهل الكتاب فليس بحجة سواء أصدقا فيها أم كذبا.
الثاني: تقدم في فصل الإسرائيليات (ص67-95) ما يعلم منه أن غالب ما ينسب إلى كعب لا يثبت عنه، ومر (ص91) أن في كتاب فضائل الشام سبع عشرة حكاية عن كعب لا تثبت عنه ولا واحدة منها. وعسى أن يكون حال وهب كذلك، فمن أراد التحقيق فليتتبع ما يثبت عنهما صريحًا بالأسانيد الصحيحة ثم ليعرضه على كتب أهل الكتاب الموجودة كلها، ويتدبر الأمر الثالث وهو ما تقدم (ص69-72) من تتبع اليهود ما كان موجودًا في العالم عند ظهور الإسلام وبعده إلى مدة من نسخ كتبهم في العالم كله وإتلافها لمخالفتها ما يرضونه من نسخ حديثة أبقوها، مع ما عرف عنهم من استمرار التحريف عمدًا، وانقراض كثير من كتبهم البتة، ثم ليحكم.
قال: (وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة…).
أقول: قد تقدم النظر في هذا (ص35، 178).
وقال (ص341) في حكايات كعب ووهب: (وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي
ص في التوراة).
أقول: قد مر الخبر (ص70-71) وأنه ثابت عن
عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة، ويروى عن عبد الله بن سلام وعن كعب،
218
فأما الشبهة التي أشار إليها فلا يكاد يوجد حق لا يمكن أن يحاول مبطل بناء شبهة عليه، فمن التزم أن يتخلى عن كل ما يمكن بناء شبهة عليه أوشك أن يتخلى عن الحق كله.
وقال: (وإني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله، فرب راوٍ يوثق للاغترار بظاهر حاله وهو سيئ الباطن).
أقول: قد تقدم (ص14) ما نقله أبو رية عن صاحب المنار قال: (النبي
ص مبين القرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره) وأوضحت ذلك هناك، فإن أراد هنا بقوله: (يخالف ظاهر القرآن) ما لو صح لكان إبطالًا أو نقضًا فذاك، فأما البيان بالتفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها فإن يثبت بخبر الواحد بشرطه، وأدلة خبر الواحد ومنها: جريان العمل به في عهد النبي
ص وأصحابه، وعمل أهل العلم تشمل هذا ومنها ما هو نص فيه. راجع (ص22، 45، 49). ومما يزيده وضوحًا أن دلالة العموم ونحوه كثيرًا ما تتخلف. وقد قيل: ما من عام إلا وقد خص. وذهب بعضهم إلى أنه خص شيء من العام سقطت دلالته على الباقي. وتخصيص العمومات ثابت في قضايا لا تحصى، فاحتمال القضية له أبين وأوضح وأولى من احتمال لا يمكنك أن تثبته في واقعة واحدة وهو كذب راو وثقه الأئمة المتثبتون وصححوا حديثه محتجين به، ولم يطعن فيه أحد منهم طعنًا بينًا. أما كعب ووهب فليسا من هذا لوجهين: الأول: أنهما ليسا بهذه الدرجة، راجع (ص69-70) الثاني: أنه لم يثبت ما نسبه إليهما من سوء الظن.
ثم قال أبو رية (ص342): (جل أحاديث الآحاد لم تكن مستفيضة في القرن الأول).
ونقل عبارة للسيد رشيد رضا في مقدمته ل
مغني ابن قدامة، وقد تقدم النظر فيها (ص15)، وعبارة السيد رشيد (جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الحديث على أهل الرأي والقياسيين من علماء الرواية) ثم قال صاحب المنار: (فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وأصحابه، وليست مما أمر النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أن يبلغ الشاهد فيه الغائب…).
أقول: قد تقدم دفع هذا (ص28-35)، وراجع (ص20-21 وص52).
219
ثم حكى كلمات عمن ليس قوله حجة، ولا ذكر حجة، فأعرضت عنها، ومنها ما عزاه إلى كتاب ليس عنده، فليراجع.
ثم ذكر (ص347-348) آيات من القرآن، وقد تقدم ما يتعلق بذلك (ص13).
ثم ذكر (ص348) قول
ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث إيصاء النبي
ص بالقرآن (اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأوهم، ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا تبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به).
كذا صنع أبو رية، وآخر عبارة ابن حجر في الفتح (5: 268) هكذا: (…عملوا بكل ما أمرهم النبي
ص به لقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } الآية…).
وقال (ص349): (وعن أبي الدرداء مرفوعًا: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية…»).