المثال الحادي والسبعون: قال الإمام أحمد في رواية مهنى: لا بأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه وهو أحب إلي من المقاطعة يعني أن يقاطعه على كيل معين أو دراهم أو عروض
وكذلك نص في رواية الأثرم وغيره في رجل دفع دابته إلى آخر ليعمل عليها وما رزق الله بينهما نصفين: أن ذلك جائز
وقال أحمد أيضا: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر: أن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png
أعطى خيبر على الشطر ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة أرجو أن لا يكون به بأس
وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: إذا كان على النصف والربع فهو جائز
ونقل عنه أحمد بن سعيد فيمن دفع عبده إلى رجل ليكتسب عليه ويكون له ثلث الكسب أو ربعه أنه جائز
ونقل عنه حرب فيمن دفع ثوبا إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها وله نصف ربحها بحق عمله فهو جائز ونص في رجل دفع غزله إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه: أنه جائز
وقال في المغني: وعلى قياس قول أحمد: يجوز أن يعطى الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها
وحكى عن ابن عقيل المنع منه واحتج بأن رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png نهى عن قفيز الطحان قال الشيخ وهذا الحديث لا نعرفه ولا ثبت عندنا صحته: وقياس قول أحمد: جوازه لما ذكرنا عنه من المسائل
وكذلك لو دفع شبكته إلى صياد ليصيد بها والسمك بينهما نصفين قال في المغني: فقياس قول أحمد صحة ذلك والسمك بينهما شركة وقال ابن عقيل: السمك للصائد ولصاحب الشبكة أجرة مثلها
ولو كان له على رجل مال فقال لرجل: اقبضه منه ولك ربعه أو قال: كل ثلثه أو ما قبضته منه فلك منه الربع أو الثلث فهو جائز
وكذلك لو غصبت منه عين فقال لرجل: خلصها لي ولك نصفها جاز أيضا
ولو غرق متاعه في البحر فقال لرجل: ما خلصته منه فلك نصفه أو ربعه جاز ولو أبق عبده فقال لرجل أو قال: من رده علي فله فيه نصفه أو ربعه أو شردت دابته فقال ذلك صح ذلك كله
قلت: وكذلك يجوز أن يقول له: انقض لي هذا الزيتون بالسدس أو الربع أو اعصره بالثلث أو الربع أو اكسر هذا الحطب بالربع أو اخبز هذا العجين بالربع وما أشبه ذالك فكل هذا جائز على نصوصه وأصوله وهو أحب من المقاطعة في بعض الصور
ولم يجوز الشافعي وأبو حنيفة شيئا من ذلك
وأما مالك فقال أصحابه عنه: إذا قال: احصد زرعي ولك نصفه فذلك جائز وإن قال: احصد اليوم فما حصدت فلك نصفه لم يجز عند ابن القاسم وفي العينية أنه يجوز
فإن قال: القط زيتوني فما لقطت فلك نصفه فهو جائز عند ابن القاسم وروى سحنون أنه لا يجوز ولو قال: انقض زيتوني فما نقضت فلك نصفه لم يجز عند ابن القاسم وأجازه عبد الملك بن حبيب
فإن قال: اقبض لي المائة دينار التي على فلان ولك عشرها جاز عند ابن القاسم وابن وهب وعند أشهب لا يجوز
فلو قال: اقبض دينى الذي على فلان ولك من كل عشرة واحد ولم يبين قدر الدين لم يجز عند ابن وهب وأجازه ابن القاسم وأصبغ
والذين منعوا الجواز في ذلك جعلوه إجارة والأجر فيها مجهول والصحيح: أن هذا ليس من باب الإجارات بل من باب المشاركات وقد نص أحمد على ذلك
فاحتج على جواز دفع الثوب بالثلث والربع بحديث خيبر وقد دلت السنة على جواز ذلك كما في المسند والسنن عن رويفع بن ثابت قال: إن كان أحدنا في زمن رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ليأخذ نضو أخيه على أن له النعصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح وأصل هذا كله: أن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png دفع أرض خيبر إلى اليهود يعملونها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وأجمع المسلمون على جواز المضاربة وأنها دفع ماله لمن يعمل عليه بجزء من ربحه فكل عين تنمى فائدتها من العمل عليها جاز لصاحبها دفعها لمن يعمل عليها بجزء من ربحها
فهذا محض القياس وموجب الأدلة وليس مع المانعين حجة سوى ظنهم أن هذا من باب الإجارات بعوض مجهول وبهذا أبطلوا المساقاة والمزارعة واستثنى قوم بعض صورها وقالوا: المضاربة على خلاف القياس لظنهم أنها إجارة بعوض عنده لم يعلم قدره
وأحمد رحمه الله عنده هذا الباب كله أطيب وأحل من المؤجراة لأنه في الإجارة يحصل على سلامة العوض قطعا والمستأجر متردد بين سلامة العوض وهلاكه فهو على خطر وقاعدة العدل في المعاوضات: أن يستوى المتعاقدان في الرجاء والخوف وهذا حاصل في المزارعة والمساقاة والمضاربة وسائر هذه الصور الملحقة بذلك فإن المنفعة إن سلمت سلمت لهما وإن تلفت تلفت عليهما وهذا من أحسن العدل
واحتج المتأخرون من المانعين بحديث أبي سعيد الذي رواه الدارقطنى نهي عن قفيز الطحان وهذا الحديث لا يصح وسمعت شيخ الإسلام يقول: هو موضوع
وحمله بعض أصحابنا على أن المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم كيلها بقفيز منها لأن ما عداه مجهول فهو كبيعها إلا قفيزا منها فأما إذا كانت معلومة القفزان فقال: اطحن هذه العشرة بقفيز منها صح حبا ودقيقا أما إذا كان حبا فقد استأجره على طحن تسعة أقفزة بقفيز حنطة وأما إذا كان دقيقا فقد شاركه في ذلك على أن العشر للعامل وتسعة الأعشار للآخر فيصيرشريكه بالجزء المسمى
فإن قيل فالشركة عندكم لا تصح بالعروض
قيل: بل أصح الروايتين صحتها وإن قلنا بالرواية الأخرى فإلحاق هذه بالمساقاة والمزارعة أولى بها من إلحاقها بالمضاربة على العروض لأن المضاربة بالعروض تتضمن التجارة والتصرف في رقبة المال بإبداله بغيره بخلاف هذا فإن قيل: دفع حبه إلى من يطحنه بجزء منه مطحونا أو غزله إلى من ينسجه بجزء منه منسوجا: يتضمن محذورين أحدهما: أن يكون طحن قدرالأجرة ونسجه مستحقا على العامل بحكم الإجارة ومستحقا له بحكم كونه أجرة وذلك متناقض فإن كونه مستحقا عليه يقتضي مطالبة المستأجر به وكونه مستحقا له يقتضي مطالبة المؤجر به الثاني: أن يكون بعض المعقود عليه هو العوض نفسه وذلك ممتنع
قيل: إنما نشأ هذا من ظن كونه إجارة وقد بينا أنه مشاركة لا إجارة ولو سلم أنه من باب المؤاجرة فلا تناقض في ذلك فإن جهة الاستحقاق مختلفة فإنه مستحق له بغير الجهة التي يستحق بها عليه فأي محذور في ذلك
وأما كون بعض المعقود عليه يكون عوضا فهو إنما عقد على عمله فالمعقود عليه العمل والنفع بجزء من العين وهذا أمر متصور شرعا وحسا
فظهر أن صحة هذا الباب هى مقتضى النص والقياس وبالله التوفيق
وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة لتصحيح ذلك إلا إذا خيف غدر أحدهما وإبطاله للعقد والرجوع إلى أجرة المثل
فالحيلة في التخلص من ذلك: أن يدفع إليه ربع الغزل والحب أو نصفه ويقول: انسج لي باقيه بهذا القدر فيصيران شريكين في الغزل والحب فإذا تشاركا فيه بعد ذلك صح وكان بينهما على قدر ما شرطاه والعجب أن المانعين جوزوا ذلك على هذا الوجه وجعلوه مشاركة لا مؤاجرة فهلا أجازوه من أصله كذلك وهل الاعتبار في العقود إلا بمقاصدها وحقائقها ومعانيها دون صورها وألفاظها وبالله التوفيق
المثال الثاني والسبعون: إذا كان لرجل على رجل دين فتوارى عن غريمه وله هو دين على آخر فأراد الغريم أن يقبض دينه من الدين الذي له على ذلك لم يكن له ذلك إلا بحوالة أو وكالة وقد توارى عنه غريمه فيتعذر عليه الحوالة والوكالة
فالحيلة له في اقتضاء دينه من ذلك: أن يوكله فيقول: وكلتك في اقتضاء ديني الذي على فلان وبالخصومة فيه ووكلتك أن تجعل ماله عليك قصاصا مما لي عليه وأجزت أمرك في ذلك فيقبل الوكيل ويشهد عليه شهودا ثم يشهد الوكيل أولئك الشهود أو غيرهم: أن فلانا وكلني بقبض ماله على فلان وأن أجعله قصاصا بما لفلان علي وأجاز أمري في ذلك وقد قبلت من فلان ما جعل إلى من ذلك واشهدوا أني قد جعلت الألف درهم التي لفلان على قصاصا بالألف التي لفلان موكلي عليه فتصير الألف قصاصا ويتحول ما كان للرجل المتواري على هذا الوكيل للرجل الذي وكله
المثال الثالث والسبعون: إذا كان لرجل على رجل مال فغاب الذي عليه المال وأراد الرجل أن يثبت ماله عليه حتى يحكم الحاكم عليه وهو غائب جاز للحاكم أن يحكم عليه في حال غيبته مع بقائه على حجته في أصح المذهبين وهو قول أحمد في الصحيح عنه ومالك والشافعي وعند أبي حنيفة لا يجوز الحكم على الغائب
فإذا لم يكن في الناحية إلا حاكم يرى هذا القول ويخشى صاحب الحق من ضياع حقه