كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: وتكلم المثنى بن حارثة، فقال: يا أيها الناس، لا يعظمن عليكم هذا الوجه؛ فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم؛ وأجترأ من قبلنا عليهم؛ ولها إن شاء الله ما بعدها. وقام عمر رحمه الله في الناس؛ فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النعجة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك؛ أين الطراء المهاجرون عن موعود الله! سيروا في الأرض التي وعدوكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قال: (ليظهره على الدين كله)، والهل مظهر دينه، ومعز ناصره، ومول أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون! فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد - أو سليط بن قيس - فلما اجتمع ذلك البعث، قيل لعمر: أمر عليهم رجلًا من السابقين من المهاجرين واظلنصار. قال: لا والله لا أفعل؛ إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو؛ فإذا جبتم وكرهتم اللقاء؛ فأولى بالرياسة منكم من سبق إلى الدفع، وأجاب إلى الدعاء! والله لآ أؤمر عليهم إلا أولهم انتدابًا. ثم دعا أبا عبيد، وسليطًا وسعدًا؛ فقال: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من القدمة. فأمر أبا عبيد على الجيش، وقال لأبي عبيد: اسمع من أصحاب النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، وأشركهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعًا حتى تتبين؛ فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف.
وقال رجل من الأنصار: قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيد: إنه لم يمنعني أن أؤمر سليطًا إلا سرعته إلى الحرب، وفي التسرع إلى الرحب ضياع إلا عن بيان، والله لولا سرعته لأمرته؛ ولكن الحرب لا يصلحها إلا المكيث.
كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن المجالد، عن الشعبي، قال: قدم المثنى بن حارثة على أبي بكر سنة ثلاث عشرة؛ فبعث معه بعثًا قد كان ندبهم ثلاثًا؛ فلم ينتدب له أحد حتى انتداب له أبو عبيد ثم سعد بن عبيد، وقال أبو عبيد حين انتدب: أنا لها، وقال سعد: أنا لها؛ لفعله فعلها. وقال سليط: فقيل لعمر: أمر عليهم رجلًا له صحبة، فقال عمر إنما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من أبي؛ فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذي ينفرون خفافًا وثقالًا أولى بها منهم؛ والله لا أبعث عليهم إلا أولهم انتدابًا فأمر أبا عبيد، وأوصاه بجنده.
كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيبب بن أبراهيم، عن سيف بن عمر، عن سهل، عن القاسم مبشر، عن سالم، قال: كان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلي بن أمية إلى اليمن وامره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png في مرضه بذلك، ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم عن دينهم، ثم أجلهم؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم، وامسح أرض كل من تجلى منهم، ثم خيرهم البلدان، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان؛ فليخرجوا؛ من أقام على دينه منهم؛ ثم نعطيهم أرضًا كأرضهم، إقرارًا لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك، بدلًا بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف.
خبر النمارق
كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل ومبشر بإسنادهما، ومجالد عن الشعبي قالوا: فخرج أبو عبيد ومعه سعد بن عبيد، وسليط بن قيس؛ أخو بني النجار، والمثنى بن حارثة أخو بني شيبان، ثم أحد بني هند.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، وعمرو عن الشعبي، وأبي روق، قالوا: كانت بوران بنت كسرى - كلما اختلف الناس بالمدائن - عدلًا بين الناس حتى يصطلحوا، فلما قتل الفرخزاذبن البندوان وقدم رستم فقتل آزرميدخت، كانت عدلًا إلى أن استخرجوا يزدجرد، فقدم أبو عبيد والعدل بوران، وصاحب الحرب رستم؛ وقد كانت بوران أهدت للنبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقبل هديتها، وكانت ضدًا على شيرى سنة، ثم إنها تابعته، واجتمعا على أن رأس وجعلها عدلًا.
كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد باستنادهم، لما قالوا: قتل سياوخش فرخزاذ بن البندوان، وملكت آزرميدخت، اختلف أهل فارس، وتشاغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها إلى أن رجع من المدينة. فبعث بوران إلى رستم بالخبر، واستحثته بالسير؛ وكان على فرج خراسان، فأقبل في الناس حتى نزل المدائن؛ لا يلقى جيشًا لآزرميدخت إلا هزمه، فاقتتلوا بالمدائن، فهزم سياوخش وحصر وحصرت آزرميدخت؛ ثم افتتحها فقتل سياوخش، وفقأ عين آزرميدخت، ونصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس، وشكت إليه تضعضعهم وإدبار أمرهم؛ على أن تملكه عشر حجج؛ ثم يكون الملك في آل كسرى، إن وجدوا من غلمانهم أحدًا؛ وإلا ففي نسائهم. فقال رستم: أما أنا فسامع مطيع، غير طالب عوضًا ولا ثوابًا، وإن شرفتموني وصنعتم إلى شيئًا فأنتم أولياء ما صنعتم؛ إنما أنا سمهكم وطوع أيديكم. فقالت بوران: اغد على، فغدا عليها ودعت مرازبة فارس، وكتبت له بأنك على حرب فارس؛ ليس عليك إلا الله عز وجل، عن رضا منا وتسليم لحكمك، وحكمك جائز فيهم ما كان حكمك في منع أرضهم وجمعهم عن فرقتهم. وتوجته وأمرت أهل فارس أن يسمعوا له ويطيعوا. فدانت له فارس بعد قدوم أبي عبيد؛ وكان أول شئ أحدثه عمر بعد موت أبي بكر من الليل؛ أن نادى: الصلاة جامعة! ثم ندبهم فتفرقوا على غير إجابة من أحد، ثم ندبهم في اليوم الرابع، فأجاب أبو عبيد في اليوم الرابع أول الناس، وتتابع الناس، وانتخب عمر من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل، أمر عليهم أبا عبيد، فقيل له: استعمل عليهم من أصحاب النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فقال: لاها الله ذا يا أصحاب النبي، لا أندبكم فتنكلون، وينتدب غيركم فأمروكم عليهم! إنكم إنما فضلتم بتسرعكم إلى مثلها؛ فإن نلكتم فضلوكم؛ بل أؤمر عليكم أولكم انتدابًا. وعجل المثنى، وقال: النجاء حتى يقدم عليك أصحابك! فكان أول شئ أحدثه عمر في خلافته مع بيعته بعثه أبا عبيد، ثم بعث أهل نجران، ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعًا من كل أوب؛ فرمى بهم الشأم والعراق؛ وكتب إلى أهل اليرموك؛ بأن عليكم أبا عبيدة بن الجراح؛ وكتب إليه: إنك على الناس؛ فإن أظفرك الله فاصرف أهل العراق إلى العراق؛ ومن أحب من أمدادكم إذا هم قدموا عليكم. فكان أول فتح أتاه اليرموك على عشرين ليلة من متوفى أبي بكر؛ وكان في الإمداد إلى اليرموك في زمن عمر قيس بن هبيرة، ورجع مع أهل العراق ولم يكن منهم، وإنما غزا حين أذن عمر لأهل الردة في الغزو. وقد كانت فارس تشاغلت بموت شهر براز عن المسلمين؛ فملكت شاه زنان؛ حتى اصطلحوا على سابور بن شهر براز بن أردشير بن شهريار، فثارت به آزرميدخت، فقتله والفرخزاذ، وملكت - ورستم بن الفرخزاذ بخراسان على فرجها - فأتاه الخبر عن بوران. وقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر، فأقام المثنى بالحيرة خمس عشرة ليلة؛ وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثورا بالمسلمين، ودس في كل رستاق رجلً ليثور بأهله، فبعث جابان إلى البهقباذ الأسفل؛ وبعث نرسى إلى كسكر، ووعدهم يومًا؛ وبعث جندًا لمصادمة المثنى؛ وبلغ المثنى ذلك؛ فضم إليه مسالحه وحذر، وعجل جابان، فثار ونزل النمارق.
وتوالوا على الخروج؛ فخرج نرسي، فنزل زندورد، وثار أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله؛ وخرج المثنى في جماعة حتى ينزل خفان؛ لئلا يؤتى من خلفه بشئ يكرهه، وأقام حتى قدم عليه أبو عبيدة؛ فكان أبو عبيد على الناس، فأقام بخفان أيامًا ليستجم أصحابه؛ وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير، وخرج أبو عبيد بعد ما جم الناس وظهورهم، وتعبى، فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة، وعلى ميسرته عمرو بن الهيثم بن الصلت بن حبيب السلمى. وعلى مجنبتى جابان جشنس ماه ومردانشاه. فنزلوا على جابان بالنمارق، فاقتتلوا قتالًا شديدًا. فهزم الله أهل فارس، وأسرجابان، أسره مطر بن فضة التيمي، وأسر مردانشاه، أسرة أكتل بن شماخ العكلي فأما أكتل فأنه ضرب عنق مردنشاه وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه، حتى تفلت منه بشئ فخلى عنه؛ فأخذه المسلمون، فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك، وأشاروا عليه بقتله، فقال: إني أخاف الله أن أقتله؛ وقد آمنه رجل مسلم والمسلمون، فقالوا له: إنه الملك، قال: وإن كان لا أغدر، فتركه.
كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن الصلت بن بهرام، عن أبي عمران الجعفى، قال: ولت حربها فارس رستم عشر سنين، وملكوه، وكان منجمًا عالمًا بالنجوم، فقال له قائل: ما دعاك إلى هذا الأمر وأنت ترى ما ترى! قال: الطمع وحب الشرف. فكاتب أهل السواد، ودس إليهم الرؤساء، فثارروا بالمسلمين؛ وقد كان عهد إلى القوم أن الأمير عليكم أول من ثار، فثار جابان في فرات بادقلي، وثار الناس بعده، وأرز المسلمون إلى المثنى بالحيرة، فصمد لخفان، ونزل خفان حتى قدم عليه أبو عبيد وهو الأمير على المثنى وغيره، ونزل جابان النمارق، فسار إليه أبو عبيد من خفان، فالتقوا بالنمارق؛ فهزم الله أهل فارس وأصابوا منهم ما شاءوا وبصر مطر بن فضة - وكان ينسب إلى أمه - وأبى برجل عليه حلى؛ فشدا عليه فأخاه أسيرًا، فوجداه شيخًا كبيرًا فزهد فيه أبى ورغب مطر في فدائه، فاصطلحا على أن سلبه لأبى، وأن إساره لمطر، فلما خلص مطر به، قال: إنكم معاشر العرب أهل وفاء، فهل لك أن تؤمنني وأعطيتك غلامين أمردين خفيفين في عملك وكذا وكذا! قال: نعم، قال: فأدخلني على ملككم؛ حتى يكون ذلك بمشهد منه، ففعل فأدخله على أبي عبيد، فتم له على ذلك؛ فأجاز أبو عبيد، فقام أبي وأناس من ربيعة؛ فأما أبي فقال: أسرته أما وهو على غير أمان؛ وإما الآخرون فعرفوه، وقالوا: هذا الملك جابان؛ وهو الذي لقينا بهذا الجمع، فقال: ما تروني فاعلًا معاشر ربيعة؟ أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا! معاذ الله من ذلك! وقسم أبو عبيد الغنائم، وكان فيها عطر كثير ونفل، وبعث بالأخماس مع القاسم.