فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: خرج رسول الله
ص إلى بني النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله
ص عقده لهما؛ - كما حدثني يزيد بن رومان - وكان بين بني النضير وبين بني عامر حلف وعقد؛ فلما أتاهم رسول الله
ص يستعينهم في دية ذنيك القتيلين؛ قالوا: نعم أبا القاسم، نعنيك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله
ص إلى جنب جدار من بيوتهم، قاعد - فقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت، فيلقى عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم؛ فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه الصخرة - كما قال - ورسول الله
ص في نفر من أصحابه؛ فيهم أبو بكر وعمر وعلي؛ فأتى رسول الله
ص الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا حتى آتيكم، وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث رسول الله
ص أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلًا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلًا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله
ص حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود قد أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله
ص بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم.
ثم سار بالناس إليهم؛ حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله
ص بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها! قال أبو جعفر: وأما الواقدي، فإنه ذكر ان بني النضير لما تآمروا بما تآمروا به من إدلاء الصخرة على رسول الله
ص، نهاهم عن ذلك سلام من مشكم وخوفهم الحرب وقال: هو يعلم ما تريدون، فعصوه، فصعد عمرو بن جحاش ليدحرج الصخرة، وجاء النبي
ص الخبر من السماء، فقام كأنه يريد حاجة، وانتظره أصحابه، فأبطأ عليهم، وجعلت يهود تقول: ما حبس أبا القاسم، وانصرف أصحابه؟ فقال كنانة بن صوريًا: جاءه الخبر بما هممتم به، قال: ولما رجع أصحاب رسول الله
ص انتهوا إليه وهو جالس في المسجد، فقالوا: يا رسول الله، انتظرناك ومضيت، فقال: همت يهود بقتلي، وأخبرنيه الله عز وجل، ادعوا لي محمد بن مسلمة، قال: فأتى محمد بن مسلمة، فقال: اذهب إلى يهود فقل لهم: اخرجوا من بلادي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر.
قال: فجاءهم محمد بن مسلمة، فقال لهم: إن رسول الله
ص يأمركم أن تظعنوا من بلاده، فقالوا: يا محمد، ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس! فقال محمد: تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود؛ فقالوا: نتحمل. قال: فأرسل إليهم عبد الله بن أبي يقول: لا تخرجوا، فإن معي من العرب وممن انضوى إلى من قومي ألفين، فأقيموا فيهم يدخلون معكم، وقريظة تدخل معكم. فبلغ كعب بن أسد صاحب عهد بني قريظ فقال: لا ينقض العهد رجل من بني قريظة وأنا حيٌ، فقال سلام بن مشكم لحيي بن أخطب: يا حيي اقبل هذا الذي قال محمد، فإنما شرفنا على قومنا بأموالنا قبل أن تقبل ما هو شر منه. قال: وما هو شرٌ منه؟ قال: أخذ الأموال وسبى الذرية وقتل المقاتلة، فأبى حيي، فأرسل جدي ابن أخطب إلى رسول الله
صص: إنا لا نريم دارنا فاصنع ما بدا لك! قال: فكبر رسول الله
ص، وكبر المسلمون معه، وقال: حاربت يهود، وانطلق جدى إلى ابن أبي يستمده. قال: فوجدته جالسًا في نفر من أصحابه، ومنادى النبي
ص ينادي بالسلاح، فدخل ابنه عبد الله بن عبد الله ابن أبي، وأنا عنده، فأخذ السلاح، ثم خرج يعدو، قال: فأيست من معونته. قال: فأخبرت بذلك كله حييًا، فقال: هذه مكيدة من محمد، فزحف إليهم رسول الله
ص، فحاصرهم رسول الله
ص خمسة عشر يومًا؛ حتى صالحوه على أن يحقن دماءهم، وله الأموال والحلقة.
فحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثنتي أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: حاصرهم رسول الله
ص - يعني بني النضير - خمسة عشر يومًا حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، ويسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاءً.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: قاتلهم النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، على أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة - والحلقة: السلاح.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نسلمكم؛ وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا فلم يفعلوا؛ وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا: رسول الله
ص أن يجليهم، ويكف عن دمائهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم؛ إلا الحلقة. ففعل. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، فكان أشرافهم ممن سار منهم إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيى بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم، وأن فيهم يومئذ لأم عمرو، صاحبة عروة بن الورد العبسي؛ التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار بزهاء وفخر، وما رئى مثله من حي من الناس في زمانهم؛ وخلوا الأموال لرسول الله
ص، فكانت لرسول الله
ص خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله
ص على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأباد جانة سماك بن خرشة، ذكرا فقرًا فأعطاهما رسول الله
ص. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرازها.
قال أبو جعفر: واستخلف رسول الله
ص إذ خرج لحرب بني النضير - فيما قيل - ابن أم مكتوم، وكانت رايته يومئذ مع علي بن أبي طالب عليه السلام.
وفي هذه السنة مات عبد الله بن عثمان بن عفان، في جمادى الأولى منها، وهو ابن ست سنين، وصلى عليه رسول الله
ص، ونزل في حفرته عثمان بن عفان.
وفيها ولد الحسين بن علي عليه السلام، لليالٍ خلون من شعبان.
غزوة ذات الرقاع
واختلف في التي كانت بعد غزوة النبي
ص بني النضير من غزواته، فقال ابن إسحاق في ذلك، ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله
ص بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع، وبعض شهر جمادى. ثم غزا نجدًا - يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان - حتى نزل نخلًا، وهي غزوة ذات الرقاع؛ فلقى بها جمعًا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب؛ وقد خاف الناس بعضهم بعضًا، حتى صلى رسول الله
ص بالمسلمين صلاة الخوف، ثم انصرف بالمسلمين.
وأما الواقدي؛ فإنه زعم أن غزوة رسول الله
ص ذات الرقاع، كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة. قال: وإنما سميت ذات الرقاع؛ لأن الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة؛ فسميت الغزوة بذلك الجبل. قال: واستخلف رسول الله
ص في هذه الغزوة على المدينة عثمان بن عفان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد - يعني ابن عبد الرحمن - عن عروة بن الزبير، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله
ص إلى نجد، حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل، لقى جمعًا من غطفان؛ فلم يكن بيننا قتال؛ إلا أن الناس قد خاوفهم، ونزلت صلاة الخوف، فصدع أصحابه صدعين، فقامت طائفة مواجهة العدو، وقامت طائفة خلف رسول الله
ص، فكبر رسول الله
ص، فكبروا جميعًا، ثم ركع بمن خلفه، وسجد بهم، فلما قاموا مشوا القهقري إلى مصاف اصحابهم، ورجع الآخرون، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم قاموا فصلى بهم رسول الله
ص ركعة وجلسوا، ورجع الذين كانوا مواجهين العدو، فصلوا الركعة الثانية، فجلسوا جميعًا، فجمعهم رسول الله
ص بالسلام، فسلم عليهم.
قال أبو جعفر: وقد اختلفت الرواية في صفة صلاة رسول الله
ص هذه الصلاة ببطن نخل اختلافًا متفاوتًا، كرهت ذكره في هذا الموضع خشية إطالة الكتاب، وسأذكره إن شاء الله في كتابنا المسمى " بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام " في كتاب صلاة الخوف منه.