لا هم إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فوالدًا كنا وكنت ولدا ** ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فأنصر رسول الله نصرًا أعتدا ** وأدع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ** أبيض مثل البدر ينمي صعدا
إن سيم خسفًا وجهه تربدا ** في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشًا أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصدا ** وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا ** هم بيتونا بالوتير هجدا
فقتلونا ركعًا وسجدا يقول: قد قتلونا وقد أسلمنا. فقال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حين سمع ذلك: قد نصرت يا عمرو بن سالم! ثم عرض لرسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم؛ ثم انصرفوا راجعين إلى مكة. وقد كان رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد، ويزيد في المدة.
ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه، فلقوا أبا سفيان بعسفان، قد بعثته قريش إلى رسول الله ليشدد العقد ويزيد في المدة؛ وقد رهبوا الذي صنعوا؛ فلما لقي أبو سفيان بديلًا، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله، قال: سرت في خزاعة في الساحل وفي بطن هذا الوادي. قال: أو ما أتيت محمدًا؟ قال: لا. قال: راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى؛ فعمد إلى مبرك ناقته، فأخذ من بعرها ففته؛ فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدًا.
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png المدينة؛ فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png طوته عنه، فقال: يا بنية؛ والله ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني! قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله، قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فكلمه فلم يردد عليه شيئًا، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله، فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب، فكلمه فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله! فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم. ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وعنده فاطمة ابنة رسول الله، وعندها الحسن بن علي؛ غلام يدب بين يديها، فقال: يا علي؛ إنك أمس القوم بي رحمًا، وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة؛ فلا أرجعن كما جئت خائبًا، أشفع لنا إلى رسول الله! قال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فألتفت إلى فاطمة، فقال: يا ابنة محمد هل لك أن تأمرى بنيك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر! قالت: والله ما بلغ بنيى ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير على رسول الله أحد. قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد أشتدت علي فأنصحني. فقال له: والله ما أعلم شيئًا يغنى عنك شيئًا، ولكنك سيد بني كنانة؛ فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنيًا عني شيئًا! قال: لا والله ما أظن؛ ولكن لا أجد لك غير ذلك؛ فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس؛ إني قد أجرت بين الناس؛ ثم ركب بعيرة فأنطلق.
فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدًا فكلمته، فو الله ما رد على شيئًا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فلم أجد عنده خيرًا، ثم جئت ابن الخطاب؛ فوجدته أعدى القوم، ثم جئت علي بن أبي طالب، فوجدته ألين القوم؛ وقد أشار علي بشيء صنعته؛ فو الله ما أدري هل يغنيني شيئًا أم لا! قالوا: وبماذا أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس ففعلت؛ قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويلك! والله إن زاد على أن لعب بك، فما يغنى عنا ما قلت. قال: لا والله، ما وجدت غير ذلك، قال: وأمر رسول الله
ص الناس بالجهاز؛ وأمر أهله أن يجهزوه؛ فدخل أبو بكر على ابنته عائشة وهي تحرك بعض جهاز رسول الله
ص، فقال: أي بنية، أأمركم رسول الله بأن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: والله ما أدري.
ثم إن رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أعلم الناس أنه سائر إلى مكة؛ وأمرهم بالجد والتهيؤ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
فتجهز الناس، فقال حسان بن ثابت الأنصاري يحرض الناس، ويذكر مصاب رجال خزاعة:
أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة ** رجال بني كعب تحز رقابها
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ** وقتلي كثير لم تجن ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي ** سهيل بن عمرو حرها وعقابها!
وصفوان عودًا حز من شفراسته ** فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا بن أم مجالد ** إذا أحتلبت صرفًا وأعصل نابها
فلا تجزعوا منها فإن سيوفنا ** لها وقعة بالموت يفتح بابها
وقول حسان: بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم يعني قريشًا. وأبن أم مجالد، يعني عكرمة بن أبي جهل
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا: لما أجمع رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله من الأمر في السير إليهم؛ ثم أعطاه أمرأة - يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة؛ وزعم غيره أنها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب - وجعل لها جعلًا على أن تبلغه قريشًا. فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به. وأتى رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png الخبر من السماء بما صنع حاطب؛ فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: أدركا أمرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم؛ فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة ابن أبي أحمد؛ فأستنزلاها، فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئًا، فقال لها علي بن أبي طالب: إني أحلف ما كذب رسول الله ولا كذبنا؛ ولتخرجن إلى هذا الكتاب أو لنكشفنك؛ فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض عني فأعرض عنها، فحلت قرون رأسها، فأستخرجت الكتاب منه، فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول الله
ص، فدعا رسول الله حاطبًا؛ فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأً ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله
ص: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد أطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر؛ فقال: أعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم! فأنزل الله عز وجل في حاطب: " يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " إلى قوله: " وإليك أنبنا " إلى آخر القصة.