وقال رجلٌ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما تَقول في القَدَر قال: وَيْحك! أخبرني عن رحمة الله أكانَتْ قبلَ طاعة العباد قال نعم قال علي: أسْلَم صاحبًكم وقد كان كافراً فقال الرجلً له: أليس بالمَشيئة الأولى التي أنشأني بها " وقَوَّم خَلقي " أقوم وأقعد وأقْبِضً وأبْسُط قال له " علي " إنك بعدُ في المشيئة أمَا إني أسألك عن ثلاث فإن قلتَ في واحدة منهن لا كفرت وإن قلت نعم فأنت أنت فمدَ القومُ أعناقهم ليسمعوا ما يقول فقال له عليّ: أخبرني عنك أخلقك اللهّ كما شِئت أو كما شاء قال: بل كما شاء قال: فَخَلقَك الله لما شِئْت أو لما شاء قال: بل لما شاء قال: فيومَ القيامة تأتيه بما شئت أو بما شاء قال: بل بما شاء قال: قُمْ فلا مَشيئة لك.
قال هشام بن محمد بن السائب الكَلْبي: كان هِشام بن عبد الملك قد أنكر على غَيلان التكلم في القَدَر وتقدَّم إليه في ذلك أشدَّ التقدّم وقال له في بعض ما توعده به من الكلام: ما أحسبك تَنْتهي حتى تَنْزِل بك دعوةُ عمرَ بن عبد العزيز إِذا احتجَ عليك في المَشيئة بقول الله عزّ وجل: " وَمَا تشاءُونَ إلا أنْ يَشَاء الله " فزعمتَ أنك لم تُلْقِ الا بالاً فقال عمر: اللهم ان كان كاذباً فاقطع يده وِرجله ولسانه واضرب عُنُقه فانْتَهِ أولى لك ودعَ عنك ما ضَرُه إليك أقربُ من نفْعه فقال له غَيْلان لِحَيْنه وشَقْوته: ابعث إليَّ يا أمير المؤمنين من يُكلّمني ويحتجّ عليّ فإن أخذتْه حُجَّتي أمسكتَ عنّي فلا سبيلَ لك إليَّ وإن أخذتنى حجتُه فسألتك بالذي أكرمَك بالخِلافة إلاّ نفَذت فيّ ما دعا به عمرُ عليّ.
فغاظ قوله هشاماً فعبث إلى الأوْزاعيّ فحكى له ما قال لغَيلان وما ردَّ غيلان: فالتفت إليه الأوزاعيّ فقال له: اسألك عن خمس أو عن ثلاث فقال غيلان: بل عن ثلاث قال الأوزاعيّ: هل علمتَ أنّ الله أعان على ما حَرَّم قال غيلان: ما علِمت " وعَظُمت عنده ".
قال: فهل علمتَ أن اللهّ قَضى على ما نهى قال غيلان: هذه أعظمُ! ما لي بهذا من عِلْم قال: فهل علمتَ أنّ الله حال دون ما أمر قال غيلان -: حال دون ما أمر ما علمتُ قال الأوزاعي: هذا مرتاب من أهل الزَّيع.
فأمر هشامُ بقَطع يده ورِجْله ثم ألقي في الكُناسة.
فاحْتَوشه الناسُ يَعجبون من عظيم ما أنزل اللهّ به من نِقمته.
ثم أقبل رجلٌ كان كثيراً ما يُنْكر عليه التكلّم في القَدَر فتخلّل الناس حتى وَصل إليه فقال يا غيلانُ اذكُر دُعاء عمر رحمه اللهّ فقال غيلان: أفلح إذاً هشام إن كان الذي نَزَل بي بدعاء عمر أو بقضاء سابق فإنه لا حَرج على هشام فيما أمر به فبلغت كلمته هشاما فأمر بقَطْع لسانه وضَرب عُنقه لتمام دَعْوة عمر.
ثم التفت هشام إلى الأوزاعيّ وقال له: قد قلتَ يا أبا عمرو فَفَسِّر فقال: نعم قَضى على ما نَهى عنه نَهى آدم عن أكل الشجرة وقضى عليه بأكلها وحال دُون ما أَمر أمر إبليس بالسُجود لآدم وحال بينه وبين ذلك وأعان على ما حرَّم المَيْتة وأعان المُضطر على أكلها.
الرَّياشي عن سعيد بن عامر بن جُوَيرية عن سَعيد بن أبي عَرُوبة قال: لما سألتُ قتادةَ عن القَدَر فقال: رأى العرب تريد فيه أم رأيَ العَجم فقلت: بل رَأْيَ العرب: قال: فإنه لم يكن أحدٌ من العرب إلا وهو يُثبت " القدر " وأنشد: وقال أعرابيّ: الناظًر في قَدَر الله كالناظر في عَين الشمس يعرف ضَوْءها ولا يَختم على حدودها.
وقال كعب بن زُهَير: لو كنتُ أعجبُ من شيء لأعجَبني سَعْيُ الفَتَى وهو مخْبُوءٌ له القَدَرُ يَسْعى الفتَى لأمور ليس يُدْرِكها فالنَّفْس واحدةٌ وآلهمّ منْتشِر والمَرْءُ ما عاش مَمْدُودٌ له أمل لا تَنْتَهي العينُ حتى يَنْتهي الأثر وقال آخر: والجَدّ أنهض بالفتَى من عَقْله فانهضْ بجَدٍّ في الحَوادث أو ذَرِ ما أقربَ الأشْياء حين يَسُوقها قَدَرٌ وأبعدَها إذا لم تُقْدَرِ عبد الرحمن القَصِير قال: حدّثنا يونس بن بلال عن يَزيد بن أبي حَبيب أنّ رجلاً قال للنبيّ
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: يا رسول الله أيقدّر الله عليِّ الشرّ ثم يُعذَبني عليه قال: نعم وأنت أظْلم.
وحدّث أبو عبد الرحمن المُقْرىء يَرْفعه إلى أبي هُريرة عن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه عن رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: لا تجَالسوا أهلَ القَدَر ولا تُفاتحوهم.
ومن حديث عبد الله بن مَسعود قال: ما كان كُفْر بعد نُبوَّة قط إلا كان مِفْتاحه التَّكْذيب بالقَدَر.
ثُمَامة بن أَشْرَس قال: دَخل أبو العَتاهية على المأمون لما قَدِم العراق فأَمر له بمال وجَعل يُحادثه فقال له يومًا: ما في الناس أجهل من القَدرِيَّة فقال له المأمون: أنت بصناعتك أَبصر فلا تَتَخَطَّها إلى غيرها قال له: يا أميرَ المؤمنين اجمع بيني وبين من شئتَ منهم.
فأَرْسَلَ إليِّ فدخلتُ عليه فقال لي: هذا يَزعم أنّك وأصحابَك لا حُجَّة عندكم.
قلت: فلْيَسأَل عمّا بدا له.
فحرَّك أبو العتاهية يدَه وقال: مَن حَرَّك هذه قلتُ مَن ناك أُمّه فقال: يا أميرَ المؤمنين شتَمني قلت له: نَقضت أصلَك يا ماصّ بَظْر أمّه فَضَحك المأمونُ فقلت له: يا جاهل تحرك يدَك ثم تقول: مَن حَرَّكها " فإن كان اللهّ حَرَّكها " فلم أَشْتُمك وإِن كنتَ أنت المُحَرّك لها فهو قَوْلي قال له المأمون: عندك زيادةٌ في المسألة.
قال الكندي في الفَنّ التاسع من التّوحيد: اعلم أن العالَم كله مَسوس بالقضاء والقَدَر - أعنى بالقضاء - ما قُسم لكل مَعْلول مما هو أَصلح وأَحْكم وأَتقن في بِنْية الكُل لأنه - جل ثناؤه - خَلَق وأبدع مُضطرًّا ومُختارًا بتمام القُدْرة فلما كان المختار غيرَ تامّ الحكمة لأن تمام آلحِكمة لِمبدع الكل كان لوِ أطلق واختيارَه لاختار كثيراً مما فيه فَسادُ الكل فقَدّر - جلّ ثناؤه - بِنْيةً للكلّ تقديراَ محْكَمًا.
فصيّر بعضه سوانحَ لبعض يَختار بإرادته ومَشيئته غيرَ مقْهور مما هو أَصْلح وأحكم في بِنْية اكل فتقدير هذه السَّوانح هو القَدَر فبالقضاء والقَدَر ساسَ - جل ثناؤه - جميع ما أَبدع بهذه السِّياسة المُحكمة المُنظمة التي لا يَدْخلها زَلَل ولا نَقْص فاتْضَح أنّ كل مَعْلوِل فيما قسم له ربه من الأحْوال لا خارج عنها وأنّ بعضَ ذلك باضطرار وبعضه باختيار وأنّ المُختار عن سَوانح قَدَره " اختار " وبإرادته لا بالكَرْه " منه " فَعل.
سُئل أعرابيّ عن القَدَر فقال: ذاك عِلْم اختَصَمت فيه الظُّنون وكثر فيه المُختلفون والواجب علينا أن نَرد ما أتشكل من حُكْمه إلى ما سبق في عِلْمه.
واصطحب مَجوسي وقَدَري في سَفَر فقال القدريّ للمجوسيّ: مالَك لا تُسلم قال: إن أَذِن الله في ذلك كان قال: إن الله قد أذن إلا أنَّ الشيطان لا يدَعك قال: فأنا مع أَقْواهما.
وقال رجلٌ لهشام بن الحَكَم: أنت تَزعُم أن اللهّ في فضْله وكَرمه وعَدْله كَلَّفنا ما لا نُطِيقه ثم يًعذِّبنا عليه قال هشام: قد والله فَعل ولكن لا نَسْتطيع أن نتكلَّم.
اجتمع عمرو بن عُبيد مع الحارث بن مِسْكين بمنىَ فقال له: إنّ مِثلى ومثلك لا يَجْتمعان في مثل هذا المَوْضع فيَفترقان من غير فائدةَ فإن شِئتَ فقُلْ وإن شئتَ فأنا أقول قال له: قل قال: هل تَعلم أحداً أقبلَ للعُذر من الله عز وجل قال: لا قال: فهل تَعْلم عذراً أبينَ من عذر مَنْ قال لا أقدر فيما تَعلم أنت أنه لا يَقدر عليه قال: لا قال: فلمَ لا يَقْبَلُ - مَن لا أَقبلِ للعُذر منه - عُذْرَ مَن لا أبينَ من عُذْره فانقطع الحارث بن مِسْكين فلم يرُدّ شيئاَ.