العقد الفريد/الجزء الثاني/25
وقيل لأعرابي: من أحَقُّ الناس بالرحمة قال: الكريمُ يُسَلّط عليه اللئيم والعاقلُ يُسلط عليه الجاهل. وقيل له: أيّ الداعِين أحقّ بالإجابة قال: المَظلوم الذي لا ناصرَ له إلا الله قيل له: فأيّ الناس أَغْنَى عن الناس قال: مَن أفرد الله بحاجته. ونَظر عُثمان إلى أعرابي في شَمْلة غائر العَيْنين مُشْرف الحاجبين ناتيء الجَبْهة فقال له: يا أعرابي. أين ربُّك قال: بالمرصاد. الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يقول: إذا أَشْكل عليك أمْران فانظر أيّهما أقربً مِن هواك فخالِفْه فإنَّ أَكثر ما يكونُ الخطأ عليك مع مُتابعة الهوى. قال: وِسمعتُ أعرابياً يقول: منِ نَتَجِ الخير أنْتَج له فِرَاخاً تَطِير بأجْنِحَة السُّرُور ومَن غرَس الشر أنْبت له نَبَاتاً مُرّاً مَذاقه قُضْبَانه الغَيْظ وثَمرته النَّدَم. وقال أعرابيّ: الهَوَى عاجلُه لذيذ وأجلُه وَخيم. وقيل لأعرابيّ: إنك لَحَسن الشَّارة قال: ذلك عُنوان نِعمة الله عندي. قال الأصمعي: ورأيتُ أعرابياً أمامه شاءٌ فقلت له لمن هذا الشاء قال: هي لله عندي. وقيل لأعْرابيّ: كيف أنت في دِينك قال: أخرقه بالمَعاصي وأرقَعه بالاستغفار. وقال أعرابيّ: مَن كَساه الحياءُ ثوبَه خَفِيَ على الناس عَيْبُه. وقال: بِئْس الزادُ التعدِّي على العِباد. وقال: التلطف بالحِيلة أنْفَع من الوَسيلة. وقال: مَنْ ثَقُل على صديقه خَفَّ على عَدوّه ومَن أسرع إلى الناس بما يَكْرهون قالوا فيه بما لا يَعْلَمون. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول لابنه وهو يُعاتبه: لا تَتَوهمنَّ على مَن يَستدلّى على غائب الأمور يشاهدها الغَفْلَة عن أمُور يُعاينها فَتكونَ بنفسك بدأت وحظًك أخطأتَ. ونَظر أعرابي إلى رجُلٍ حَسَن الوَجْه بَضّه فقال: إنّي أرَى وجهاً ما عَلقَه بَرْد وضُوء السحر ولا هو بالذي قال فيه الشاعر: مِنْ كلِّ مًجتهدٍ يَرَى أَوْصالَه صَوْمُ النَّهَارِ وسَجْدة الأسْحَارِ الأصمعي قال: سمعتً أعرابياً يُنْشد: وإذا أظْهَرْت أمراً حَسَناً فَليَكُنْ أَحْسَنَ منه ما تسِرّ فَمُسرُ الخَيْر مَوْسُوم به ومُسِرُّ الشَّرّ مَرسُوم بِشرّ وقَوْل الَأعرابيّ هذا علىِ ما جاء في حديث رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ما أسر امرؤ سريرةً إلا ألبسه اللهّ رداءَها إنْ خيراً فخير وإن شراً فشر قال: وأنشدني أعرابيِّ: فإنّكَ لا تَدْرِي بأيِّة بلدةٍ تَمُوتُ ولا ما يُحْدِثُ الله في غَد يقولون لا تَبْعَد ومَنْ يَكُ مُسْدَلاًَ على وَجْهه سِتْرٌ من الأرض يَبْعُد وقال أعرابي: أعجز الناس مَنْ قَصَرَ في طلب الإخوان وأعجز منه مَنْ ضَيع مَنْ ظفرِ به منهم. وقال أعرابي لإبنه: لا يَسُرّك أن تَغلب بالشرّ فإن الغالب بالشرّ هو المغلوب. وقال أعرابي لأخ له: لقد نَهيتُكَ أن تُرِيق ماءَ وجهك عند من لا ماء في وَجْهه فإنّ حَظَّكَ من عَطِيَّته السؤال. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: إنّ حُبَّ الخيْر خير وإن عجزتْ عنه المَقْدِرة وبُغْضَ الشرِّ خير وإن فعلتَ أكثرَه. وشهد أعرابي عند سَوَّار القاضي بشهادة فقال له: يا أعرِابي: إِنّ ميْداننا لا يَجْري من العِتاق فيه إلا الجياد قال: لئن كشفتَ عني لتجدَني عَثوراً فسأل عنه سَوار فأخْبر بفضل وصَلاح فَقال له: يا أعرابي إنك ممنْ يَجري في ميْداننا قال: ذلك بستْر الله. وقال أعرابي: والله لولا أن المُرُوءَة ثَقِيل مَحْمَلها شديدة مؤونتها ما تَرك اللئام للكِرام شيئاً. احتُضر أعرابي فقال له بَنوه: عِظْنا يا أبانا فقال: عاشِرُوا الناس مُعاشرة إن غِبْتم حنُّوا إليك وِإن مُتُّم بَكَوْا عليكم. ودخل أعرابي على بعض الملوك في شَمْلة شَعَر فلما رآه أعرض عنه فقال له: إن الشَّملة لا تُكلِّمك هانما يُكلِّمك مَنْ هو فيها. ومرَّ أعرابي بقوم يَدْفِنون جاريةً فقال: نِعم الصِّهْرُ ما صاهرتم وأنشد: وقال أعرابي: رُبَّ رَجل سِرّه مَنْشور على لسانه وآخرً قد التَحَف عليه قَلبَه التحافَ الْجَنَاح على الخَوَافي. ومرَّ أعرابيان برجل صَلَبه بعضُ الخُلفاء فقال أحدُهما: أنْبَتته الطاعةُ وحَصَدتَه المَعْصِية. وقال الآخرً: من طلَّق الدُّنيا فالآخرًةُ صاحبته ومَن فارق الحقّ فالْجذْع راحلتُه. العُتْبيُّ عَن زَيد بن عُمارة قال: سمعت أعرابياً يقول لأخيه وهو يَبْتني منزلًا: يا أخي أنتَ في دار شَتَاتٍ فتأهَّبْ لِشَتاتِكْ واجعل الدُّنيا كَيَومْ صمته عن شَهَوَاتك واطْلُب الفَوزَ بِعَيْش الزُّ هْد من طُول حَياتك ثم أطرق حيناً ورَفع رأسَه وهو يقول: قائِدُ الغَفْلة الأمَلْ والهَوَى قائدُ الزَللْ قَتَلَ الجَهْل أهْلَه ونَجَا كل مَنْ عَقَل فاغْتنِم دَولة السَّلا مة واسْتَانِف العمَل أيُّها المُبْتَني القُصوِرَ وقد شابَ وَاكْتَهَلْ أخبر الشيب عَنْك أن ك في آخرً الأجَل فَعَلامَ الوُقُوفُ في عَرْصة العَجْز والكَسَل مَنزلٌ لم يزَلْ يَضِي قُ وَينْبو بِمَنْ نَزَل فتأهَّب لِرِحْلةٍ ليس يَسْعَى بها جمل رِحْلةٍ لم تَزل على الدّهْر مَكْرُوهةَ القَفَل وقيل لأعرابي: كيف كِتْمانك للسر قال: ما جَوْفي له إلا قَبْر. وقال أعرابيِّ: إذا أردتَ أنْ تَعْرف وَفاءَ الرَّجل ودَوَام عَهْدِه فانظُر إلى حَنِينه إلى أوْطانِه وشَوْقه إلى إخوانه وبُكائه على ما مضى من زَمانه. وقال أعرابيّ: إذا كان الرأي عند مَن لا يُقْبَل منه والسِّلاح عند من لا يَسْتعمله والمالُ عند مَن لا يُنفِقه ضاعت الأمور. وسُئل أعرابي عن القَدَر فقال: الناظرُ في قَدَر الله كالناظر في عَيْن الشّمس يَعْرِف ضَوْءها ولا يَقِف على حدُودها. وسُئل آخرً عن القَدر فقال: عِلْم اختصمت فيه العُقول وتَقاوَل فيه المُخْتلفون وحق علينا أن نَرُدما التَبس علينا من حُكْمِه إلى ما سَبَق من عِلمه. وقال أعرابيّ: تَكْوير اللَيل والنَّهار لا تَبْقى عليه الأعمار ولا لأحَد فيه الخِيار. أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَرج الَحَجّاج ذات يوم فأصحر وحَضَر غَداؤه فقال: اطلُبوا من يَتَغدَّى مَعَنا فَطلبوا فلم يَجدُوا إلا أعرابياً في شَمْلة فأتَوْه به فقال له: هَلُمّ قال له: قد دعاني من هو أكرمُ مَنك فأجَبتُه قال: ومَن هو قال: الله تبارك وتعالى دعاني