العقد الفريد/الجزء الثاني/30
قال: أبا محمد هل تَنْعت الخِراءة قال: نعم تُبعد المَشي في الأرض الصَّحْصح حتى تتَوارى من القَوم ولا تَسْتقبل القِبْلة ولا تَستدبرها ولا تَسْتنج بِالقُمامة والرِّمّة - يريد الرّوْث والعَظْم - ولا تَبُلْ في الماء الرّاكد. بينما مُعاوية بن أبي سُفيان جالسٌ في أصحابه إذ قيل له: الحسنُ بالباب فقال معاوية: إنْ دخل أَفْسد علينا ما نحن فيه فقال له مروان بن الحَكَم: ائذن لي فإني أسأله ما ليس عنده فيه جَواب قال مُعاوية: لا تَفعل فإنهم قَوْم قد. ألْهِموا الكلامَ وأذن له. فلما دَخل وجَلس قال له مَرْوان: أَسرْع الشيبُ إلى شاربك يا حسن ويُقال إن ذلك من الخُرْق فقال الحسن: ليس كما بلغك ولكنَّا - معشر بني هاشمٍ - أفواهُنا عَذْبةٌ شِفَاهُها فنساؤنا يُقْبِلن علينا بأنفاسهنّ وقًبَلِهِن وأنتم معشرَ بني أمية فيكم بَخَر شديد فنساؤكم يَصرفن أفواههنّ وأنفاسهن عنكم إلى أصْداغكم فإنما يَشِيب منكم موضعُ العِذَار من أجل ذلك. قال مَروان: إن فيكم يا بني هاشم خَصْلَةَ سَوء قال: وما هي قال: الغُلْمة قال: أجل نُزعت الغُلْمة مِن نسائنا ووُضعت في رجالنا ونُزِعت الغُلْمة من رجالكم ووُضعت في نِسَائكم فما قام لأموية إلاّ هاشميّ. فَغضِب مُعاوية وقال: قد كنتُ أَخبرتكم فأبيتم حتى سَمِعتم ما أَظلم عليكم بَيْتَكم وأفسد عليكم مَجْلِسكم. فَخَرج الحسنُ وهو يقول: ومارستُ هذا الدَهرَ خمسين حِجَّةً وحَمْساً أزَجِّي قائلا بعد قائل فلا أنا في الدُّنيا بلغتُ جَسِيمها ولا في الذي أهْوَى كدحتُ بطائل وقد شَرَعت دوني المَنايا أكُفَّها وأيقنتُ أنّي رَهْنَ مَوْتٍ مُعاجل قال الحسن بن عليّ لحبيب بن مَسْلمة الفِهْري: ربّ مَسير لك في غَير طاعة الله قال: أمّا مَسيري إلى أبيك فلا قال: بلى ولكنّك أطعتَ مُعاوية عن دُنيا قليلة فلئن كان قام بك في دُنياك لقد قَعد بك في آخرًتك ولو كنتَ إذ فعلتَ شرّاً قُلتَ خيراً كنتَ كما قال الله عزّ وجل: خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخرً سَيِّئاً ولكنّك كما قال الله: " بَلْ رانَ على قلُوبهم ما كانوا يَكْسِبُون ". قَدِم عبدُ الله بن جعفر على عبد الملك بن مَروان فقال له يحيى بنُ الحَكَم: ما فعلت خَبِيثة فقال: سُبحان الله! ُ يسمِّيها رسولُ الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png طَيْبة وتُسمِّيها خُبيثة! لقد اختلفتما في الدُّنيا وستَخْتلفان في الآخرًة قال يحيى: لأن أموت بالشام أحبُّ إليّ مِن أن أموت بها قال: اخترت جِوار النَصارَى على جِوِار رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال يحيى: ما تَقول في عليّ وعُثمان قال: أقول ما قاله مَن هو خيْرٌ منّي فيمن هو شَرٌّ منهما: إنّ تُعذَبهم فإنّهم عِبادُك وإنْ تَغْفِرْ لهم فإِنّك أنْتَ العزيزُ الحَكِيم. مجاوبة بين معاوية وأصحابه قال مُعاوية يوماً وعنده الضَّحاك بن قَيس وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص: ما أعجبُ الأشياء قال الضحّاك بن قَيس: إكْداء العاقل وإجْداء الجاهل. وقالت سعيدُ بن العاص: أعجبُ الأشياء ما لم يُرَ مثلهُ. وقالت عمرو بن العاص: أعجب الأشياء غَلبة مَن لا حقَّ له ذا الحقِّ على حقِّه. فقال معاوية: أعجب مِن هذا أن تعْطِي مَن لاحقَّ له ما ليس له بحق من غير غَلبة. حضر قوم من قُريش مجلسَ مُعاويةَ فيهم عمرو بن العاص وعبدُ الله بن صفْوان ابن أمية وعبدُ الرحمن بن الحارث بن هشام. فقال عمرو: أحمد الله يا مَعْشرَ قُريش إذ جعل أمرَكم إلى من يُغْضي على القَذَى ويتصامُ عن العَوْراء ويجرّ ذيلَه على الخَدائع. قال عبدُ الله: لو لم يكن كذلك لَمَشينا إليه الضَرَاء ودَببنا إليه الخَمر وَرَجونا أن يقوم بأمرنا من لا يُطْعمك مالَ مصر. قال معاوية: يا معشرِ قريش حتى متى لا تُنْصفون من أنفسكم قال عبدُ الرحمن بن الحارث: إن عمراَ أفسدك علينا وأَفسدنا عليك ولو أغضبتك هذه. قال: إن عمراً لي ناصح قال عبدُ الرحمن: فأطْعمنا مثلَ ما أطعمته وخُذْنا بمثل نَصِيحته إنا رأيناك يا مُعاوية تَضْرب عوامَّ قُريش بأياديك في خَواصها كأنّك ترى أن بكرامها قُوّتك دون لئامها وإنك واللهّ لتُفْرغ في إناء فَعْم من إناء ضخم وكأَنك بالحرب قد حَلَّ عِقالَها عليك مَن لا ينْظُرك قال مُعاوية: يا بن أخي ما أحوج أهلَك إليك فلا تَفْجعهم بنفسك ثم أنشد: أغَرّ رجالاً من قُريش تَتايَعوا على سَفه منّي الحَيا والتَّكرُّمُ وقال مُعاوية لابن الزًّبير: تُنازعني هذا الأمرَ كأَنك أحقُّ به منّي! قال: لمَ لا أكون أحقَّ به منك يا مُعاوية وقد اتبع أبي رسول اللهّ http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png على الإيمان واتبع الَناسً أباك على الكُفر قال له مُعاوية: غَلِطت يا بن الزُّبير بعث الله ابنَ عمّي نبيّا فدعا أباك فأجابه فما أنت إلا تابع لي ضالًّا كنتُ أو مَهديًّا. العُتبيّ قال: دعا مُعاويةُ مَروان بن الحكم فقال له: أشِر عليّ في الحُسين قال: تخرجه معك إلى الشام فَتَقطعه عن أهل العراق وتَقْطعهم