قال أبو جعفر محمد بن علي: فمضت السنة أن العارية مضمونة مؤداة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله ابن أبي بكر، قال: ثم خرج رسول الله
ص؛ ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا أثنى عشر ألفًا، وأستعمل رسول الله
ص عتاب بن أسيد ابن العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميرًا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: لما أستقبلنا وادي حنين، أنحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه أنحدارًا - قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا - فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد؛ وأنهزم الناس أجمعوا، فأنشمروا لا يلوي أحد على أحد؛ وأنحاز رسول الله
ص ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس! هلم إلى! أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله! قال: فلا شيء، أحتملت الإبل بعضها بعضًا، فأنطلق الناس؛ إلا أنه قد بقي مع رسول الله
ص نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر، عمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأيمن بن عبيد - وهو أيمن بن أم أيمن - وأسامة بن زيد بن حارثة. قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، أمام الناس وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه؛ فأتبعوه. ولما أنهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله
ص من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؛ والأزلام معه في منانته؛ وصرخ كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية بن خلف وكان أخاه لأمه، وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي جعل له رسول الله
ص - فقال: ألا بطل السحر اليوم! فقال له صفوان: أسكت فض الله فاك! فو الله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن! وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخوبني عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأري - وكان أبوه قتل يوم أحد - اليوم أقتل محمدًا. قال: فأردت رسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن كثير بن العباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: إني لمع رسول الله
ص آخذ بحكمة بغلته البيضاء، قد شجرتها بها، قال: وكنت أمرأً جسيمًا شديد الصوت، قال: ورسول الله
ص يقول حين رأى من الناس ما رأى: أين أيها الناس! فلما رأى الناس لا يلوون على شيء قال: يا عباس، أصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! فناديت: يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السمرة! قال: فأجابوا: أن لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل منهم يريد ليثني بعيره؛ فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يقتحم عن بعيره فيخلى سبيله في الناس، ثم يؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله
ص؛ حتى إذا أجتمع إليه منهم مائة رجل أستقبلوا الناس، فأقتتلوا، فكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار! ثم جعلت أخيرًا: يا للخزرج! وكانوا صبرًا عند الحرب؛ فأشرف رسول الله
ص في ركابه، فنظر مجتلد القوم وهم يجتلدون، فقال: الآن حمى الوطيس! حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كان أبو سفيان بن الحارث يقود بالنبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بغلته يوم حنين، فلما غشى النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png المشركون، نزل فجعل يرتجز، ويقول:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب
فما رئي من الناس أشد منه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم ابن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله، قال: بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع؛ إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار؛ يريدانه، فيأتيه على من خلفه، فيضرب عرقوبي الجمل، فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، فأنجعف عن رحله. قال: وأجتلد الناس، فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأساري مكتفين؛ وقد ألتفت رسول الله
ص إلى أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب - وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله
ص، وكان حسن الإسلام حين أسلم، وهو آخذ بثفر بغلته - فقال: من هذا؟ قال: ابن أمك يا رسول الله! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله
ص ألتفت، فرأى أم سليم بنت ملحان - وكانت مع زوجها أبي طلحة - حازمة وسطها ببرد لها؛ وإنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة، ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته مع الخطام، فقال رسول الله
ص: أم سليم! قالت: نعم؛ بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أقتل هؤلاء الذين يفرون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل، فقال رسول الله
ص: أو يكفي الله يا أم سليم! ومعها خنجر في يدها، فقال لها أبو طلحة: ما هذا معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته معي؛ إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به. قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم يا رسول الله!.