أَعقابهم فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: هذا أمر له أشهد أوّلَه ولا عِلْم لي بآخره وقد قاد أميرُ المؤمنين ما بَلغكم وشهدتْ الشهود بما سَمِعتم. فالحمد لله الذي رَفع منّا ما وَضع الناس وحَفِظ منّا ضَيّعوا. فأمّا عُبيد فإنما هو والد مبرور أو كافل مشكور. خطبة الجامع المحاربي وكان شيخاً صالحاً خَطِيباً لسناً وهو الذي قال للحجاج حين بنى مدينة واسط: بَنَيتَها في غير بلدك وأَوْرَثتها غيرَ وَلدك شَكا الحجّاج سُوء طاعة أهل العِراق وَنقَمَ مَذْهَبهم وَتَسَخطَ طريقتهم فقال جامع: أما إنهمِ لو أحبُّوك لأطاعوك على أنهم ما شَنَؤوك لِنَسبك ولا لبلدك ولا لذات نَفْسك فدَعِ عنك ما يُبْعدهم منك إلى ما يُقرّبهم إليك والتمسى العافية ممن دُونك تُعْطَها ممن فوقك وليكُن إيقاعك بعد وَعيك ووَعيدُك بعد وَعْدك. قال الحجَّاج: إنّي والله ما أَرى أن أَردَ بني اللَّكيعة إلى طاعتي إلّا بالسيف. قال له: أيها الأمير إنّ السَّيف إذ لاقَى السيف ذَهَب الخيار. قال الحجاج: الخَيارُ يومئذ لله. قال: أجل ولكن لا تَدْرِي لمَن يَجْعله الله. وغضب الحجاج فقال: يا هناهُ إنك من مُحارب. فقال جامع: وللحَرْب سمَينا وكُنّا مُحارِباً إذا ما القنا أَمْسى من الطّعن أَحْمَرَا والبيت للخُضْرِي قال الحَجَّاج: واللهّ لقد هَمْمتُ أن أقطع لسانَك فأضرب به وجهك. قال جامعِ: إن صَدقناك أَغْضبناك وإن غَششْناك أغضبنا الله فغضَبُ الأمير أَهْونُ علينا من غضب اللهّ. قال: أجل. وشُغل الحجاج ببعض الأمر فانسلَّ جامع فمرّ بين صُفوف خَيْل الشام حتى جاوزَهم إلى خَيْل أهل العراق - وكان الحجَّاج لا يَخْلطهم - فأبصرَ كَبْكبة فيها جماعةٌ من بكر العِراق وقَيس العراق وتميم العراق وأزد العراق فلمّا رأَوْه اشرَأَبُّوا إليه وبلغهم خُروجُه فقالوا له: ما عندك دافع الله لنا عن نفسك. فقال: ويحكم! عُمّوه بالخلع كما يُعمكم بالعداوة ودَعُوا التَعادي ما عاداكم فإذا ظَفرْتم تَرَاجعتم وتعاديتم. أيها التميمي هو أَعْدَى لك من الأزدي وأيها القيسي هو أعدى لك من التَّغلبي وليس يظفر بمَن نَاوَأَه منكم إلّا بِمَن بَقِيَ معه. وهرب جامع من فَوْره ذلك إلى الشام فاستجار بزُفْر بن الحارث. خطبة للحجاج بن يوسف خَطب الحجًاج فقال: اللهم أَرِني الغَيّ غيّاً فأجتنبَه وأَرِني الهُدَى هُدىً فأتبعَه ولا تَكْلني إلى نَفسي فأضلّ ضلالاً بعيداً. والله ما أُحِبّ أن ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه ولمَا بَقِيَ منها أَشبهُ بما مَضى من الماء بالماء. خطبة للحجاج قال الهيثم بن عديّ: خرج الحجّاج بن يوسف يوماً من القصر بالكوفة فسمع تكبيراً في السُوق فراعه ذلك فَصَعِد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يأهل العراق يأهل الشَقاق والنفاق ومساوي الأخلاق وبني اللًكيعة وعَبيد العصا وأولاد الإماء والفَقْع بالقرقرة إني سمعتُ تكبيراً لا يُراد به اللهّ وإنما يُراد به الشيطان وإنما مَثلي ومَثلكم ما قال ابن براق الهَمْداني: وكنتُ إذا قوم غَزَوْني غزوْتهمٍ فهل أنا في ذا يا لهَمْدان ظالمُ متَى تَجْمَع القَلْبَ الذَكيّ وصارماً وأَنفاً حَمياً تَجْتَنِبْك المظالم أما والله لا تُقرع عصاً بعصاي إلا جعلتُها كأمس الدابر. خطبة للحجاج بعد دير الجماجم خطب أهلَ العراق فقال: يأهل العراق إنّ الشّيطان قد اسْتَبطنكم فخالَط اللحمَ الدَّم والعَصب والمِسامع والأطراف والأعضاد والشَغاف ثم أفضىَ إلى المِخاخ والصَّمائخ ثم ارتفعِ فَعَشّش ثم باض وفَرّخ فحشاكم شِقاقا ونفاقاً وأشعركم خلافاً اتخذتموه دَليلا تَتّبعونه وقائداً تُطيعونه ومُؤامراً تَسْتَشيرونه. وكيف تنفعكم تجربة أو تَعِظكم وَقعة أو يحْجًزكم إسلام أو يَردّكم إيمان! ألستم أصحابي بالأهواز حيث رُمتم المكر وسَعَيتم بالغَدْر واستجمعتمِ للكُفر وظَننتم أنَ الله يَخْذل دينه وخلافته وأنا أرميكم بطَرْفي وأنتم تَتَسلّلون لِو إذا وتنهزمون سراعاً ثم يومَ الزاوية وما يوم الزاوية! بها كان فَشَلكم وتنازُعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونُكوص وليّه عنكم إذ وَلّيتم كالإبل الشَوارد إلى أَوْطانها النوازع إلى أعطانها لا يسأل المَرء منكم عن أخيه ولا يُلوي الشيخ على بنيه حتى عَضّكم السلاح وقَصَمتكم الرّماح ثم يوم دَيْر الجماجم وما دَيْر الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم بضرب يُزيل الهام عن مَقِيله ويذهل الخَلِيل عن خليله. يأهل العراق والكَفَرات بعد الفَجَرات والغَدَرات بعد الخَتَرَات والنزوات بعد النزوات إن بعثتكم إلى ثُغوركم غَلَلتم وخُنتم وإن أمِنتم أَرْجفتم وإن خِفتم نافَقتم لا تَذْكرُون حسنة ولا تَشكرون نِعْمة. يأهل العراق هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو استفزّكم عاص أو استنصركم ظالم أو استعضدكم خالع إلّا وَثقْتموه واويتُموه وعزّرتموه ونصرتموه ورَضيتموه يأهل العراق هل شَغَب شاغِب أو نعب ناعب أو ذَمَق ناعق أو زفر زافر إلاكنتم أتباعَه وأنصاره يأهل العراق ألم تَنهكم المواعظ ألم تزجركم الوقائع ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يأهل الشام إنما أنا لكم كالظَليم الذابّ عن فِرَاخه يَنْفي عنها المَدَر ويُباعد عنها الحَجر ويُكِنّها عن المطر ويَحميها من الضباب ويَحرُسها من الذئاب. يأهل الشام أنتم الجُنة والرداء وأنتم الغدة والحِذاء. خطبة للحجاج قال مالك بن دينار: غ*** لجُمعة فجلست قريباً من المِنبر فصعد الحجاج ثم قال: امرؤ حَاسب نَفْسه امرؤ راقب ربه امرؤ زَوَّر