-
وقرأت في كتاب أن المنصور لم يزل يخدع أبا مسلم ويتحيل عليه حتى وقع في براثنه بعهود وأيمان وكان أبو مسلم ينظر في الملاحم ويجد أنه مميت دولة ومحيي دولة ثم يقتل ببلد الروم وكان المنصور يومئذ برومية المدائن وهي معدودة من مدائن كسرى بينها وبين بغداد سبعة فراسخ قيل بناها الإسكندر لما قام بالمدائن فلم يخطر ببال أبي مسلم أن بها مصرعه وذهب وهمه إلى الروم وقيل إن المنصور كان يقول فعلت وفعلت فقال أبو مسلم ما يقال لي هذا بعد بيعتي واجتهادي قال يا ابن الخبيثة انما فعلت ذلك بجدنا وحظنا ولو كان مكانك امة سوداء لعملت عملك وتفعل كذا وتخطب عمتي وتدعي أنك عباسي لقد ارتقيت مرتقى صعبا فأخذ يفرك يده ويقبلها ويخضع وأبو جعفر يتنمر وعن مسرور الخادم قال لما رد أبو مسلم أمره أبو جعفر أن يركب في خواص أصحابه فركب في أربعة آلاف غلام جرد مرد عليهم اقبية الديباج والسيوف بمناطق الذهب فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه وكان قد بقي من عمومته وصالح سليمان وداود فلما أن أصحر سايره صالح بجنبه فنظر إلى كتائب الغلمان ورأى شيئا لم يعهد مثله فأنشأ صالح يقول
سيأتيك ما افنى القرون التي مضت * وما حل في اكناف عاد وجرهم
ومن كان اقوى منك عزا ومفخرا * واقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يحر جوابا قال أبو حسان الزيادي ويعقوب الفسوي وغيرهما قتل في شعبان سنة سبع وثلاثين ومئة قلت وعمره سبة وثلاثين عاما ولما قتل خرج بخراسان سنباد للطلب بثأر أبي مسلم وكان سنباد مجوسيا فغلب على نيسابور والري وظفر بخزائن أبي مسلم واستفحل أمره فجهز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي في عشرة آلاف فارس وكان المصاف بين الري وهمدان فانهزم سنباد وقتل من عسكره نحو من ستين ألفا وعامتهم كانوا من أهل الجبال فسبيت ذراريهم ثم قتل سنباد بارض طبرستان أنباتنا فاطمة بنت علي أنبأنا فرقد بن عبد الله الكناني سنة ثمان وست مئة أنبأنا أبو طاهر السلفي أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد ابن سليم المعلم أنبأنا أبو علي الحسين بن عبد الله بن محمد بن المرزبان بن منحويه أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء حدثني أبو نصر غلام ابن الانباري سمعت ابن الانباري سمعت محمد بن يحيى النحوي سمعت مسرورا الخادم يقول لما استرد المنصور أبا مسلم من حلوان أمره أن ينصرف في خواص غلمانه فانصرف في أربعة آلاف غلام جرد مرد عليهم اقبية الديباج والسيوف ومناطق الذهب فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه وكان قد بقي من عمومته يومئذ صالح وسليمان وداود فلما أن أصحروا سايره صالح بجنبه فنظر إلى كتائب الغلمان فرأى شيئا لم يعهد مثله فأنشأ يقول
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت * وما حل في اكناف عاد وجرهم
ومن كان اقوى منك عزا ومفخرا * واقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يجر جوابا ولم ينطق حتى دخل على المنصور فأجلسه بين يديه وجعل يعاتبه ويقول تذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا وكتبت الي بكذا وكذا ثم أنشأ يقول
زعمت أن الدين لا يقتضى * فاقتض بالدين أبا مجرم
واشرب بكأس كنت تسقي بها * أمرّ في الحلق من العلقم
ثم أمر أهل خراسان فقطعوه اربا اربا وبه إلى منجويه حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الانماطي حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل حدثنا حسين بن فهم حدثنا محمد ابن سلام حدثنا محمد بن عمارة سمعت أبا مسلم صاحب الدولة يقرأ " فلا تسرف في القتل " سورة الاسراء 33 بالتاء قال ابن منجويه حكى لي الثقة عن أبي أحمد أنبأنا الإمام أن عبد الله بن منده كتب عنه هذا وحسين بن فهم هو ابن بنت أبي مسلم وبه حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطبري املاء من اصله حدثنا أبو الحسين محمد بن موسى الحافظ حدثنا أحمد بن يحيى بن زكير حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن نجيح حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن منيب الخراساني حدثنا أبي عن أبي مسلم صاحب الدولة عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png من اراد هوان قريش اهانه الله عز وجل وبه أخبرناه أحمد بن موسى الحافظ حدثنا إبراهيم بن محمد حدثني محمد بن جعفر الرقي بحران حدثني جعفر بن موسى بدمشق حدثني عبد الرحمن بن خالد بهذا لم يقل ابن منيب عن أبيه وهو اشبه آخر سيرة أبي مسلم والله سبحانه أعلم
-
يزيد بن الطثرية
يزيد بن الطثرية الشاعر المحسن أبو المكشوح يزيد بن سلمة بن سمرة وله شعر فائق كثير في الحماسة وقيل إن أبا الفرج صاحب الأغاني جمع شعره ودونه قتل اليمامة في سنة ستة وعشرين ومئة والطثر ضرب من اللبن
-
مروان بن محمد
مروان بن محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الخليفة الاموي يعرف بمروان الحمار وبمروان الجعدي نسبه إلى مؤدبه جعد بن درهم ويقال أصبر في الحرب من حمار وكان مروان بطلا شجاعا داهية رزينا جبارا يصل السير بالسرى ولا يجف له لبد دوخ الخوارج بالجزيرة ويقال بل العرب تسمي كل مئة عام حمارا فلما قارب ملك آل أمية مئة سنة لقبوا مروان بالحمار وذلك مأخوذ من موت حمار العزير عليه السلام وهو مئة عام ثم بعثهم الله تعالى مولد مروان بالجزيرة في سنة اثنتين وسبعين إذ أبوه متوليها وامه أم ولد وقد افتتح في سنة خمسين ومئة قونية وولي إمرة الجزيرة وأذربيجان لهشام في سنة أربع عشرة ومئة وقد غزا مرة حتى جاوز الروم شهر فاغار وسبى في الصقالبة وكان ابيض ضخم الهامة شديد الشهلة كث اللحية ابيضها ربعة مهيبا وشديد الوطأة اديبا بليغا له رسائل تؤثر ومع كمال أدواته لم يرزق سعادة بل اضطربت الامور وولت دولتهم بويع بالإمامة في نصف صفر سنة سبع وعشرين ومئة ولما سمع بمقتل الوليد في العام الماضي دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون فبايعوه فلما بلغه موت يزيد الناقص أنفق الاموال واقبل في ثلاثين ألف فارس فلما وصل إلى حلب بايعوه ثم قدم حمص فدعاهم إلى بيعة وليي العهد الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد وكانا في حبس الخليفة إبراهيم فأقبل معه جيش حمص ثم التقى الجمعان بمرج عذراء وانتصر مروان فبرز إبراهيم وعسكر بميدان الحصا فتفلل جمعه فتوثب اعوانه فقتلوا وليي العهد ويوسف بن عمر في السجن وثار شباب دمشق بعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فقتلوه لكونه أمر بقتل الثلاثة ثم اخرجوا من الحبس أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية السفياني ووضعوه على المنبر في قيوده ليبايعوه وبين يديه رأس عبد العزيز فخطب وحض على الجماعة واذعن بالبيعة لمروان فسمع إبراهيم الخليقة فهرب وآمن مروان الناس فأول من سلم عليه بالخلافة أبو محمد السفياني وأمر بنبش يزيد الناقص وصلبه وأما أبراهيم فخلع نفسه وكتب بالبيعة إلى مروان الحمار فآمنه فسكن بالرقة خاملا قال المدائني كان مروان عظيم المروءة محبا للهو غير أنه شغل بالحرب وكان يحب الحركة والسفر
قال الوزير أبو عبيد الله قال لي المنصور ما كان اشياخك الشاميون يقولون قلت ادركتهم يقولون إن الخليفة إذا استخلف غفر له ما مضى من ذنوبه فقال إي والله وما تأخر اتدري ما الخليفة به تقام الصلاة والحج والجهاد ويجاهد العدو قال فعدد من مناقب الخليفة ما لم اسمع أحدا ذكر مثله وقال والله لو عرفت من حق الخلافة في دهر بني أمية ما اعرف اليوم لاتيت الرجل منهم فبايعته فقال ابنه أفكان الوليد منهم فقال قبح الله الوليد ومن اقعده خليفة قال افكان مروان منهم فقال لله دره ما كان احزمه واسوسه واعفه عن الفيء قال فلم قتلتموه قال للأمر الذي سبق في علم الله تعالى قال خليفة سار مروان لحرب المسودة في مئة وخمسين ألفا حتى نزل بقرب الموصل فالتقى هو وعبد الله بن علي عم المنصور في جمادي الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومئة فانكسر جمع مروان وفر فاستولى عبد الله على الجزيرة ثم طلب الشام ففر مروان إلى فلسطين فلما سمع بأخذ دمشق سار إلى مصر وطلب الصعيد ثم ادركوه وبيتوه ببوصير فقاتل حتى قتل وعاش اثنتين وستين سنة قتل في ذي الحجة سنة اثنتين وانتهت خلافة بني أمية وبويع السفاح قبل مقتل مروان الحمار بتسعة اشهر ومن جبروت مروان أن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري الأمير كان قد
قاتله ثم ظفر به فأدخل عليه يوما فاستدناه ولف على اصبعه منديلا ورص عينه حتى سالت ثم فعل كذلك بعينه الاخرى وما نطق يزيد بل صبر نسأل الله العافية وقيل إن أم مروان الحمار كردية يقال لها لبابة جارية إبراهيم بن الاشتر أخذها محمد من عسكر إبراهيم فولدت له مروان ومنصور وعبد الله ولما قتل مروان هرب ابناه عبد الله وعبيد الله إلى الحبشة فقتلت الحبشة عبيد الله وهرب عبد الله ثم بعد مدة ظفر به المنصور فاعتقله
-
لسفاح الخليفة أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن حبر الامة عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي العباسي أول الخلفاء من بني العباس كان شابا مليحا مهيبا أبيض طويلا وقورا هرب السفاح وأهله من جيش مروان الحمار وأتوا الكوفة لما استفحل لهم الأمر بخراسان ثم بويع في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومئة ثم جهز عمه عبد الله بن علي في الجيش فالتقى هو ومروان الحمار على كشاف فكانت وقعة عظيمة ثم تفلل جمع مروان وانطوت سعادته ولكن لم تطل أيام السفاح ومات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومئة وعاش ثمانيا وعشرين سنة في قول وقال الهيثم بن عدي وابن الكلبي عاش ثلاثا وثلاثين سنة وأقام بعده المنصور أخوه وقيل بل مولده سنة خمس ومئة وقيل خرج آل العباس هاربين إلى الكوفة فنزلوا على أبي سلمة الخلال فأواهم في سرب في داره وكان أبو مسلم قد استولى على خراسان وعين لهم يوما يخرجون فيه فخرجوا في جمع كثيف من الخيالة والحمارة والرجالة فنزل الخلال إلى السرداب وصاح يا عبد الله مد يدك فتبارى اليه الاخوان فقال أيكما الذي معه العلامة قال المنصور فعلمت أني اخرت لاني لم يكن معي علامة فتلا اخي العلامة وهي " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة " الاية القصص 5 فبايعه أبو سلمة وخرجوا جميعا إلى جامع الكوفة فبويع وخطب في الناس وهو يقول فأملى الله لبني أمية حينا فلما آسفوه انتقم منهم بايدينا ورد علينا حقنا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير وكان موعوكا فجلس على المنبر فنهض عمه داود من بين يديه فقال أنا والله ما خرجنا لنحفر نهرا ولا لنبني قصرا ولا لنكثر مالا وانما خرجنا أنفة من ابتزازهم حقنا ولقد كانت اموركم تتصل بنا لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونسير فيكم بسنة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم فقام السيد الحميري وقال قصيدة ثم نزل السفاح ودخل القصر واجلس اخاه يأخذ بيعة العامة ومن كلامه من شدد نفر ومن لان تألف ويقال له هذان البيتان يا آل مروان إن الله مهلككم * ومبدل امنكم خوفا وتشريدا
لا عمر الله من أنسالكم أحدا * وبثكم في بلاد الله تبديدا
ثم تحول إلى الانبار وبها توفى وكان إذا علم بين اثنين تعاديا لم يقبل شهادة ذا على ذا يقول العداوة تزيل العدالة ثم إن أبا مسلم جهز من قتل أبا سلمة الخلال الوزير بعد العتمة غيلة بعد أن قام من السمر عند السفاح فقالت العامة قتلته الخوارج فقال سليمان بن مهاجر البجلي
إن المساءة قد تسر وربما * كان السرور بما كرهت جديرا
ان الوزير وزير آل محمد * اودى فمن يشتاك كان وزيرا
قتل بعد البيعة بأربعة اشهر وقيل وجه عبد الله بن عم السفاح مشيخة شاميين إلى السفاح ليعجبه منهم فحلفوا له أنهم ما علموا لرسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قرابة يرثونه سوى بني أمية حتى وليتم وعن السفاح قال إذا عظمت القدرة قلت الشهوة قبل تبرع إلا ومعه حق مضاع الصبر حسن إلا على ما اوتغ الدين واوهن السلطان قال الصولي احضر السفاح جوهرا من جواهر بني أمية فقسمه بينه وبين عبد الله بن حسن بن حسن وكان يضرب بجود السفاح المثل وكان إذا تعادى اثنان من خاصته لم يسمع من أحدهما في الآخر ويقول الضغائن تولد العداوة وكان يحضر الغناء من وراء ستارة كما كان يفعل ازدشير ويجزل العطاء ولما جيء برأس مروان الحمار سجد لله وقال أخذنا بثأر الحسين وآله وقتلنا مئتين من بني أمية بهم وقيل إن السفاح أعطى عبد الله بن حسن بن حسن ألفي ألف درهم