~ ~ ~ ~
و من أجل عيني رغد كان علي أنا و أمي كذلك الذهاب مع وليد حيثما ذهب !
شعرت بالحماقة ... و لكنني لم استطع إلا مجاراة هذه الصغيرة المدللة ...
في البداية ذهبنا إلى مكتب المحامي أبي سيف الذي سار بسيارته إلى جوارنا ... ثم إلى مكتبين آخرين ... كان وليد يبقينا في السيارة و يرافق المحامي ، ثم يعود إلينا و يذكر المكان التالي و ينطلق نحوه !
في وقت انتظارنا كنا أنا و أمي نتبادل الأحاديث، بينما رغد لائذة بالصمت المغدق ! لم أتعمّد مخاطبتها فأنا لم أنس بعد كيف رمت بالهاتف صوب وجهي و لا كيف طردتني من غرفتها ذاك الصباح ... إلا إنني أشعر الآن بشفقة عليها لا أدرك ما مصدرها !
عاد و ليد و قال :
" سنذهب إلى مكتب إدارة المصنع الآن ! قد يطول مكوثنا هناك ... أأعيدكن إلى البيت ؟ "
و استدار إلى الوراء موجها نظراته و كذا سؤاله إلى رغد !
رغد قالت :
" سنبقى معك "
لا أدري أي متعة تجدها هذه الفتاة في البقاء حبيسة السيارة في انتظار عودة وليد ! وددت أن أعترض إلا أن مبادرة وليد بتشغيل السيارة و من ثم اللحاق بسيارة المحامي جعلتني ألتزم الصمت ...
حين وصلنا إلى المكان المنشود أصابتني الدهشة !
كان مبنى كبيرا مؤلف من عدّة طوابق ... حديث الطراز و يبدو فاخرا !
قال وليد و هو يركن السيارة في أحد المواقف و يبتسم :
" هنا إدارة مصنعك ِ يا أروى ! هذا المبنى كلّه ملكك ! "
دهشت، و ابتسمت في آن واحد ... و راودتني رغبة في إلقاء نظرة شاملة
قلت – و أنا أمد يدي إلى مقبض باب السيارة و افتحه - :
" سألقي نظرة "
و خارج السيارة وقفت أنا و تبعني وليد و جعلت أتأمل المبنى الضخم الذي يفترض أن يكون ملكي !
قلت :
" كل هذا ... لي !؟ "
ابتسم وليد و قال :
" هذا لا شيء ! حين ترين المصنع ستفاجئين ! ... هنيئا لك ! "
شعرت ببهجة كبيرة اجتاحت قلبي ... قلت :
" أتمنى أن أراه من الداخل ! "
فكر وليد قليلا و تردد فقلت :
" ألستُ أنا المالكة ؟ ألا يمكنني إلقاء نظرة سريعة على ممتلكاتي ؟ أرجوك وليد ! "
ابتسم وليد و قال :
" لا أعرف إن كان هناك سيدات في الداخل... ! لم يسبق لي الدخول و لكن ... لا بأس إن كانت هذه رغبتك ! "
فرحت كثيرا و أمسكت بيد خطيبي في امتنان ...
ما الذي سيجعلني أشعر بسعادة أكثر من هذه ؟؟ لدي خطيب رائع يقف إلى جواري ... و أمامي مبنى ضخم هو ملكي و جزء من ثروتي ... لا شك أنني هذه اللحظة أسعد الناس
الحمد لله
وليد أشار على أمي و رغد أن تنزلا ... ثم لحقنا نحن الأربعة بالمحامي و وجدنا في استقبالنا أناس آخرون، رافقونا داخل المبنى إلى المكان المنشود !
و المكان المنشود كان المكتب الرئيسي للمبنى ... مكتب المدير !
ما إن دخلنا حتى وجدنا أناس آخرون في استقبالنا ... أظنهم دهشوا لدى رؤيتنا نحن الثلاث – أنا و أمي و رغد – نسير خلف الموكب ! لكن ذلك لم يمنعهم من الترحيب بنا عامة ...
دُعينا للجلوس في مكان جانبي ... بعيدا عن الآخرين ...
فيما كنّا نعبر الغرفة شاقات طريقنا نحو المقاعد، كانت عيناي لا تتوقفان عن التجول و النظر إلى كل ما حولي ... في دهشة و إعجاب !
كم كان مكتبا فخما و راقيا ! كل أثاثه يشير إلى مدى البذخ الذي كان عمّي رحمه الله يعيش فيه !
استقرّت عيناي أخيرا على الحائط خلف المكتب مباشرة ...
هناك عُلقت صورتان كبيرتان جدا لرجل كهل و شاب صغير... في إطارين أسودين !
إنهما عمّي و ابنه الراحلان، رحمهما الله !
توقّفت برهة أتأمّل الصورتين ... لهذين الشخصين اللذين ما عرفتهما يوما في حياتي ... و ها هي ثروتهما الضخمة تصبح فجأة بين يدي !
" سبحان الله ... أتصدّق يا وليد ؟ "
قلت ذلك و التفت إلى وليد متوقعة منه أن يكرر التسبيح ... و يمنحني ابتسامة عذبة و مطمئنة من شفتيه ... لكن ... لم يبد على وليد أنه سمع شيئا مما قلت ...
وليد كان يحدّق تجاه الصورتين بحدّة و تعبيرات وجهه غاضبة و مكفهرّة
عجبا ! لماذا ينظر وليد إلى هاتين الصورتين بهذا الشكل ؟؟
" وليد ...؟؟ "
رمقني وليد بنظرة غريبة و مخيفة ... و عاد يدقق النظر تجاه الصورتين
أليس هذا غريبا ؟؟
انتظروا... هذا لا شيء أمام ما حصل بعد ذلك !
" عمّار !! "
تصوروا ممن خرجت هذه الكلمة أشبه بالصيحة المباغتة ؟؟
من رغد !
التفت إلى رغد لأتأكد من أن أذني لم تكن تتخيل ... فرأيت رغد تحدّق هي الأخرى تجاه الصورتين و قد علا وجهها الذعر !
و الآن ماذا ؟؟
رغد تلتفت إلى وليد بسرعة ... ثم إلى الصورة ... و تشير بإصبعها نحو صورة عمّار ابن عمّي ... و تعود للهتاف :
" عمّار !! "
ثم تلتفت إلى وليد و تقول بذعر :
" إنه هو ! أليس كذلك ؟ هو ... هو "
وليد يحدّق برغد الآن ... و مزيج من الغضب و التوتر و القلق و تعبيرات أخرى أجهل تفسيرها بادية على وجهه جاعلة منه جمرة ملتهبة !
رغد ألقت علي نظرة سريعة ، ثم على الصورتين ، ثم على وليد الذي كان لا يزال يحدّق بها ... و هتفت :
" وليد ! "
وليد اقترب من رغد و قال :
" أجل ... إنهما عم أروى و ابنه "
بدا الذهول الفظيع على وجه رغد ... و كأنها اكتشفت أمرا خطيرا لم تكن تعرفه ! أما الذهول الذي على وجهي أنا هو لأنني لم أكتشف بعد ماذا يدور من حولي ؟!
رغد أمسكت بذراع وليد و هتفت :
" أخرجني من هنا ! "
تحوّلت نظرات وليد إلى القلق و الخوف الفاضحين و فتح فمه و لكن ما خرج منه كان النفَس خال ٍ من أي كلام !
" أخرجني من هنا بسرعة ... أخرجني فورا "
قالت ذلك رغد و ضعت يدها الأخرى على صدغيها كمن يعاني من صداع شديد... !
" رغد "
ناداها وليد بصوت حنون قلق فلما رفعت بصرها إليه ... مالت بنظراتها نحو الحائط فأغمضت عينيها بسرعة و أخفتهما خلف يدها و صاحت :
" أرجوك.. "
من فوره وليد حثّها على السير متراجعين نحو الباب ... و كانت لا تزال متشبثة بذراعه ... و خاطبنا قائلا :
" هيا بنا "
أنا و أمي و لأننا لم نفهم أي شيء ... تبادلنا النظرات المستغربة المذهولة... و لحقنا بوليد و رغد على عجل ... وسط أنظار الاستغراب من الأشخاص الآخرين !
إن في الأمر سر ما !
ما عساه يكون ؟؟؟
~~~~~~~