رجع الحديث إلى حديث يزيد بن رومان الذي في أول غزوة تبوك. قال: فأقام رسول الله
ص بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة، فكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروي الراكب والراكبين والثلاثة، بواد يقال له وادي المشقق، فقال رسول الله
ص: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئًا حتى نأتيه. قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين فأستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وقف عليه فلم ير فيه شيئًا؛ فقال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل له: يا رسول الله، فلان وفلان، فقال: أو لم ننههم أن يستقوا منه شيئًا حتى نأتيه! ثم لعنهم رسول الله، ودعا عليهم. ثم نزل
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا رسول الله
ص بما شاء الله أن يدعو، فأنخرق من الماء - كما يقول من سمعه: إن له حسًا كحس الصواعق؛ فشرب الناس وأستقوا حاجتهم منه، فقال رسول الله
ص: من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي؛ وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه. ثم أقبل رسول الله
ص حتى نزل بذي أوان؛ بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار؛ وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا يا رسول الله؛ إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية؛ وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، وحال شغل - أو كما قال رسول الله - ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه؛ فلما نزل بذي أو أن أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png مالك بن الدخشم، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي - أو أخاه عاصم بن عدي أخا بني العجلان - فقال: أنطلقا إلى المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه؛ فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم ابن عوف؛ وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفًا من النخل، فأشعل فيه نارًا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: " والذين أتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين "، إلى آخر القصة.
وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد، من بني عبيد بن زيد؛ أحد بني عمرو بن عوف - ومن داره أخرج مسجد الشقاق - وثعلبة بن حاطب من بني عبيد - وهو إلى بني أمية بن زيد، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد، وعباد ابن حنيف؛ أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية، ونبتل بن الحارث، من بني ضبيعة، وبحزج - وهو إلى بني ضبيعة - وبجاد بن عثمان - وهو من بني ضبيعة - ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.
قال: وقدم رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png المدينة - وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرهط من المسلمين من غير شك ولا نفاق: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية - فقال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: لا يكلمن أحد أحدًا من هؤلاء الثلاثة، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ن فصفح عنهم رسول الله ولم يعذرهم الله ولا رسوله، وأعتزل المسلمون كلام هؤلاء الثلاثة النفر، حتى أنزل الله عز وجل قوله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " - إلى قوله - " وكونوا مع الصادقين "، فتاب الله عليهم.
قال: وقدم رسول الله
ص المدينة من تبوك في شهر رمضان. وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف، وقد مضى ذكر خبرهم قبل.
أمر طيء وعدي بن حاتم
قال: وفي هذه السنة - أعني ستة تسع - وجه رسول الله
ص علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سرية إلى بلاد طيئ في ربيع الآخر، فأغار عليهم، فسبى وأخذ سيفين كانا في بيت الصنم؛ يقال لأحدهما: رسوب، وللآخر المخذم؛ وكان لهما ذكر، كان الحارث بن أبي شمر نذرهما له، وسبى أخت عدي بن حاتم.
قال أبو جعفر: فأما الأخبار الواردة عن عدي بن حاتم عندنا بذلك فبغير بيان وقت، وبغير ما قال الواقدي في سبي على أخت عدي بن حاتم.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا سماك، قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png - أو قال: رسل رسول الله - فأخذوا عمتي وناسًا، فأتوا بهم النبي
ص. قال: فصفوا له. قالت: قلت: يا رسول الله، نأى الوافد، وأنقطع الوالد؛ وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة؛ فمن على من الله عليك يا رسول الله! قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم؛ قال: الذي فر من الله ورسوله! قالت فمن علي - ورجل إلى جنبه ترى أنه على عليه السلام، قال: سليه حملانًا - قال: فسألته، فأمر بها فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها! قالت: ائته راغبًا وراهبًا، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال: فأتيته فإذا عنده أمرأة وصبيان - أو صبي - فذكر قربهم من النبي
ص - فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله! فهل من إله إلا الله! وما أفرك أن يقال الله أكبر! فهل من شيء هو أكبر من الله! فأسلمت فرأيت وجهه أستبشر.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن شيبان بن سعد الطائي، قال: كان عدي بن حاتم طيئ يقول فيما بلغني: ما رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله حين سمع به مني؛ أما أنا فكنت أمرأ شريفًا، وكنت نصرانيًا أسير في قومي بالمرباع، فكنت في نفسي على دين، وكنت ملكًا في قومي، لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيًا لإبلي: لا أبالك! أعدد لي من إبلي أجمالًا ذللا سمانا مسان، فأحبسها قريبًا مني؛ فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني، ففعل. ثم إنه أتاني ذات غداة، فقال: يا عدي؛ ما كنت صانعًا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد، قال: فقلت: قرب لي جمالي، فقربها، فأحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصاري بالشأم، فسلكت الحوشية وخلفت ابنة حاتم في الحاضر، فلما قدمت الشأم أقمت بها، وتخالفني خيل لرسول الله
ص فتصيب ابنة حاتم فيمن أصيب. فقدم بها على رسول الله في سبايا طيئ، وقد بلغ رسول الله
ص هربي إلى الشأم. قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن بها، فمر بها رسول الله
ص فقامت إليه - وكانت أمرأة جزلة - فقالت: يا رسول الله؛ هلك الوالد، وغاب الوافد، فأمنن على من الله عليك! قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله! قالت: ثم مضى رسول الله
ص وتركني؛ حتى إذا كان الغد مر بي وقد أيست، فأشار إلى رجل من خلفه: أن قومي إليه فكلميه، قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فأمنن علي من الله عليك! قال: قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني. قالت: فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن كلميه فقيل: علي بن أبي طالب. قالت: وأقمت حتى قدم ركب من بلى - أو من قضاعة - قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشأم، قالت: فجئت رسول الله
ص، فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله
ص، وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشأم.