-
أبو الأسود الدؤلي ويقال الديلي العلامة الفاضل قاضي البصرة واسمه ظالم بن عمرو على الأشهر
ولد في أيام النبوة وحدث عن عمر وعلي وأبي بن كعب وأبي ذر وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وطائفة وقال أبو عمرو الداني قرأ القرآن على عثمان وعلى قرأ عليه ولده أبو حرب ونصر بن عاصم الليثي وحمران بن أعين ويحيى بن يعمر قلت الصحيح أن حمران هذا إنما قرأ على أبي حرب بن أبي الأسود نعم وحدث عنه ابنه ويحيى بن يعمر وابن بريدة وعمر مولى غفرة وآخرون قال أحمد العجلي ثقة كان أول من تكلم في النحو وقال الواقدي أسلم في حياة النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وقال غيره قاتل أبو الأسود يوم الجمل مع علي بن أبي طالب وكان من وجوه الشيعة ومن أكملهم عقلا ورأيا وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن قال فأراه أبو الأسود وما وضع فقال علي ما أحسن هذا النحو الذي نحوت فمن ثم سمي النحو نحوا وقيل إن أبا الأسود أدب عبيد الله ابن الأمير زياد ابن أبيه ونقل ابن داب أن أبا الأسود وفد على معاوية بعد مقتل علي فأدنى مجلسه وأعظم جائزته قال محمد بن سلام الجمحي أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف وحرف الرفع والنصب والجر والجزم فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر قال أبو عبيدة أخذ أبو الأسود عن علي العربية فسمع قارئا يقرأ " إن الله بريء من المشركين ورسولَه " فقال ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا فقال لزياد الأمير ابغني كاتبا لقنا فأتى به فقال له أبو الأسود إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطه أعلاه وإذا رأيتني قد ضممت فمي فانقط نقطه بين يدي الحرف وإن كسرت فانقط نقطة تحت الحرف فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين فهذا نقط أبي الأسود وقال المبرد حدثنا المازني قال السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له ما أشد الحر فقال الحصباء بالرمضاء قالت إنما تعجبت من شدته فقال أو قد لحن الناس فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه فأعطاه أصولا بنى منها وعمل بعده عليها وهو أول من نقط المصاحف وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأخذه عنه عيسى بن عمر وأخذه عنه الخليل بن أحمد وأخذه عنه سيبويه وأخذه عنه سعيد الأخفش ويعقوب الحضرمي حدثنا سعيد بن سلم الباهلي حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود قال دخلت على علي فرأيته مطوقا فقلت فيم تتفكر يا أمير المؤمنين قال سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية فقلت إن فعلت هذا أحييتنا فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها الكلام كله اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف وما أبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ثم قال لي زده وتتبعه فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه عمر بن شبة حدثنا حيان بن بشر حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم قال جاء أبو الأسود إلى زياد فقال أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت السنتهم أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم قال لا قال فجاء رجل إلى زياد فقال أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنون فقال ادع لي أبا الأسود فدعي فقال ضع للناس الذي نهيتك عنه قال الجاحظ أبو الأسود مقدم في طبقات الناس كان معدودا في الفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحاة والحاضري الجواب والشيعة والبخلاء والصلع الأشراف ومن تاريخ دمشق أبو الأسود ظالم بن عمرو بن ظالم وقيل جده سفيان ويقال هو عثمان بن عمرو ويقال عمرو بن ظالم وأنه ولي قضاء البصرة زمن علي
قال الحازمي أبو الأسود الدولي منسوب إلى دول بني حنيفة بن لجيم وقال أبو اليقظان الدول بضم الدال وسكون الواو من بكر بن وائل عددهم كثير منهم فروة بن نفاثة صاحب بعض الشام في الجاهلية وزعم يونس أن الدول امرأة من كنانة وهم رهط أبي الأسود وأما بنو عدي بن الدول فلهم عدد كثير بالحجاز منهم عمرو بن جندل والد أبي الأسود ظالم وأمه من بني عبد الدار بن قصي وقال ابن حبيب في عنزة الدول بن سعد مناة وفي ضبة الدول بن جل قال أبو محمد بن قتيبة الدول في بني حنيفة والديل في بني عبد القيس والدئل بالهمز في كنانة منهم أبو الأسود الدئلي وقال أبو علي الغساني أبو الأسود الدؤلي على زنة العمري هكذا يقول البصريون منسوب إلى دول حى بن كنانة وقال عيسى بن عمر بالكسر على الأصل وكان جماعة يقولون الديلي وقال ابن فارس الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة قبيلة من كنانة قال والدئل يعني بكسر الهمزة في عبد القيس وقال أبو عبد الله البخاري الديل من بني حنيفة والدول من كنانة وقال محمد بن سلام الجمحي أبو الأسود الدئلي بضم الدال وكسر الهمزة وقال المبرد بضم الدال و فتح الهمزة من الدئل بالكسر هي دابة امتنعوا من الكسر لئلا يوالوا بين الكسرات كما قالوا في النمر النمري
قال ابن حبيب في تغلب الديل وفي عبد القيس وفي إياد وفي الأزد انتهى ما نقله الحازمي فيجيء في أبي الأسود الدولي والديلي والدؤلي والدئلي وقال ابن السيد الدئل بكسر الهمزة لا أعلم فيه خلافا وقد قال غير واحد إن ابن ماكولا والحازمي وهما في أن فروة بن نفاثة من الدول بل هو جذامي وجذام والدول لا يجتمعان إلا في سبأ بن يشجب قال يحيى بن معين مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين وهذا هو الصحيح وقيل مات قبيل ذلك وعاش خمسا وثمانين سنة وأخطأ من قال توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز
-
أحنف بن قيس الأحنف بن قيس ابن معاوية بن حصين الأمير الكبير العالم النبيل أبو بحر التميمي
أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل. اسمه ضحاك وقيل صخر وشهر بالأحنف لحنف رجليه وهو العوج والميل
كان سيد تميم أسلم في حياة النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ووفد على عمر حدث عن عمر وعلي وأبي ذر والعباس وابن مسعود وعثمان بن عفان وعدة وعنه عمرو بن جاوان والحسن البصري وعروة بن الزبير وطلق ابن حبيب وعبد الله بن عميرة ويزيد بن الشخير وخليد العصري وآخرون وهو قليل الرواية كان من قواد جيش علي يوم صفين قال ابن سعد كان ثقة مأمونا قليل الحديث وكان صديقا لمصعب ابن الزبير فوفد عليه إلى الكوفة فمات عنده بالكوفة قال سليمان بن أبي شيخ كان أحنف الرجلين جميعا ولم يكن له إلا بيضة واحدة واسمه صخر بن قيس أحد بني سعد وأمه باهلية فكانت ترقصه وتقول
والله لولا حنف برجله * وقلة أخافها من نسله
ما كان في فتيانكم من مثله
قال أبو أحمد الحاكم هو افتتح مرو الروذ وكان الحسن وابن سيرين في جيشه ذاك قلت هذا فيه نظر هما يصغران عن ذلك
حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان إذ لقيني رجل من بني ليث فأخذ بيدي فقال ألا أبشرك قلت بلى قال أما تذكر إذ بعثني رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام فجعلت أخبرهم وأعرض عليهم فقلت إنه يدعو إلى خير وما أسمع إلا حسنا فذكرت ذلك للنبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقال اللهم اغفر للأحنف فكان الأحنف يقول فما شيء أرجى عندي من ذلك رواه أحمد في مسنده العلاء بن الفضل المنقري حدثنا العلاء بن جرير حدثني عمر بن مصعب بن الزبير عن عمه عروة حدثني الأحنف أنه قدم على عمر بفتح تستر فقال قد فتح الله عليكم تستر وهي من أرض البصرة فقال رجل من المهاجرين يا أمير المؤمنين إن هذا يعني الأحنف الذي كف عنا بني مرة حين بعثنا رسول الله في صدقاتهم وقد كانوا هموا بنا قال الأحنف فحبسني عمر عنده سنة يأتيني في كل يوم وليلة فلا يأتيه عني إلا ما يحب ثم دعاني فقال يا أحنف هل تدري لم حبستك عندي قلت لا يا أمير المؤمنين قال إن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حذرنا كل منافق عليم فخشيت أن تكون منهم فأحمد الله يا أحنف حماد عن ابن جدعان عن الحسن عن الأحنف قال احتبسني عمر عنده حولا وقال قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانتيك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم قال العجلي الأحنف بصري ثقة كان سيد قومه وكان أعور أحنف دميما قصيرا كوسجا له بيضة واحدة حبسه عمر سنة يختبره فقال هذا والله السيد
معمر عن قتادة قال قدم الأحنف فخطب فأعجب عمر منطقه قال كنت أخشى أن تكون منافقا عالما فانحدر إلى مصرك فإني أرجو أن تكون مؤمنا وعن الأحنف قال كذبت مرة واحدة سألني عمر عن ثوب بكم أخذته فأسقطت ثلثي الثمن
يونس بن بكير حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي قال وفد أبو موسى وفدا من البصرة إلى عمر منهم الأحنف بن قيس فتكلم كل رجل في خاصة نفسه وكان الأحنف في آخر القوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر وأصحابه وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار والجنان وفي مثل عين البعير وكالحوار في السلى تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ وإن أهل البصرة نزلوا في أرض سبخة زعقة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها وطرفها في بحر أجاج وطرف في فلاة لا يأتينا شيء إلا في مثل مريء النعامة فارفع خسيستنا وأنعش وكيستنا وزد في عيالنا عيالا وفي رجالنا رجالا وصغر درهمنا وكبر قفيزنا ومر لنا بنهر نستعذب منه فقال عمر عجزتم أن تكونوا مثل هذا هذا والله السيد قال فما زلت أسمعها بعد وفي رواية في مثل حلقوم النعامة قال خليفة توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف فلقي أهل هراة فهزمهم فافتتح ابن عامر ابرشهر صلحا ويقال عنوة وبعث الأحنف في أربعة آلاف فتجمعوا له مع طوقان شاه فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم الله المشركين قال ابن سيرين كان الأحنف يحمل ويقول
إن على كل رئيس حقا * أن يخضب القناة أو تندقا
وقيل سار الأحنف إلى بلخ فصالحوه على أربع مئة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وعن ابن إسحاق أن ابن عامر خرج من خرسان معتمرا قد أحرم منها وخلف على خراسان الأحنف وجمعاهل خراسان جمعا كبيرا وتجمعوا بمرو فالتقاهم الأحنف فهزمهم وكان ذلك الجمع لم يسمع بمثله ابن علية عن أيوب عن محمد قال نبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمهم فقام الأحنف فقال يا أمير المؤمنين ائذن لي قال تكلم قال إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم وإنما هم من الناس فيهم الصالح والطالح فقال صدقت فقام الحتات وكان يناوئه فقال يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلم قال أجلس فقد كفاكم سيدكم الأحنف روى ابن جدعان عن الحسن أن عمر كتب إلى أبي موسى ائذن للأحنف بن قيس وشاوره واسمع منه قتادة عن الحسن قال ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف قال ابن المبارك قيل للأحنف بم سودوك قال لو عاب الناس الماء لم أشربه وقيل عاشت بنو تميم بحلم الأحنف أربعين سنة وفيه قال الشاعر
-
إذا الأبصار أبصرت ابن قيس * ظللن مهابة منه خشوعا
وقال خالد بن صفوان كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه وقيل للأحنف إنك كبير والصوم يضعفك قال إني أعده لسفر طويل وقيل كانت عامة صلاة الأحنف بالليل وكان يضع أصبعه على المصباح ثم يقول حس ويقول ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبو كعب صاحب الحرير حدثنا أبو الأصفر أن الأحنف استعمل على خراسان فأجنب في ليلة باردة فلم يوقظ غلمانه وكسر ثلجا واغتسل وقال عبد الله بن بكر المزني عن مروان الأصفر سمع الأحنف يقول اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك وإن تعذبني فأنا أهل ذاك قال مغيرة ذهبت عين الأحنف فقال ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد ابن عون عن الحسن قال ذكروا عن معاوية شيئا فتكلموا والأحنف ساكت فقال يا أبا بحر مالك لا تتكلم قال أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت وعن الأحنف عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر قال سليمان التيمي قال الأحنف ثلاث في ما أذكرهن إلا لمعتبر ما أتيت باب سلطان إلا أن أدعى ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني ( بينهما ) وما أذكر أحدا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير وعنه ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور إن كان فوقي عرفت له وإن كان دوني رفعت قدري عنه وإن كان مثلي تفضلت عليه وعنه قال لست بحليم ولكني أتحالم وقيل إن رجلا خاصم الأحنف وقال لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا فقال لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة وقيل إن رجلا قال للأحنف بم سدت وأراد أن يعيبه قال الأحنف بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك الأصمعي عن معتمر بن حيان عن هشام بن عقبة أخي ذي الرمة قال شهدت الأحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم فتكلم فيه وقال احتكموا قالوا نحتكم ديتين قال ذاك لكم فلما سكتوا قال أنا أعطيكم ما سألتم فاسمعوا إن الله قضى بدية واحدة وإن النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قضى بدية واحدة وإن العرب تعاطى بينها دية واحدة وأنتم اليوم تطالبون وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين فلا ترضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم قالوا ردها إلى دية عن الأحنف ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة شريف من دنيء وبر من فاجر وحليم من أحمق وقال من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون وعنه سئل ما المروءة قال كتمان السر والبعد من الشر وعنه الكامل من عدت سقطاته وعنه قال رأس الأدب آلة المنطق لا خير في قول بلا فعل ولا في منظر بلا مخبر ولا في مال بلا جود ولا في صديق بلا وفاء ولا في فقه بلا ورع ولا في صدقة إلا بنية ولا في حياة إلا بصحة وأمن وعنه العتاب مفتاح الثقالى والعتاب خير من الحقد هشام عن الحسن قال رأى الأحنف في يد رجل درهما فقال لمن هذا قال لي قال ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر وتمثل
أنت للمال إذا أمسكته * وإذا أنفقته فالمال لك
وقيل كان الأحنف إذا أتاه رجل واسع له فإن لم يكن له سعة أراه كأنه يوسع له وعنه قال جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام إني أبغض الرجل يكون وصافا لفرجه وبطنه وقيل إنه كلم مصعبا في محبوسين قال أصلح الله الأمير إن كانوا حبسوا في باطل فالعدل يسعهم وإن كانوا حبسوا في الحق فالعفو يسعهم وعنه قال لاينبغي للأمير الغضب لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة الأصمعي قال عبد الملك بن عمير قال قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب فما رأيت صفة تذم إلا رأيتها فيه كان ضئيلا صعل الرأس متراكب الأسنان مائل الذقن ناتئ الوجنة باخق العين خفيف العارضين أحنف الرجلين فكان إذا تكلم جلا عن نفسه الصعل صغر الرأس والبخق وانخساف العين والحنف أن تفتل كل رجل على صاحبتها وقيل كان ملتصق الألية فشق له وقال ابن الأعرابي الأحنف الذي يمشي على ظهر قدمه
علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن الأحنف قال سمعت خطبة أبي بكر وعمر والخلفاء فما سمعت الكلام من مخلوق أفخم ولا أحسن من أم المؤمنين عائشة
وعنه لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان ولا ينفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة ولا تنفع المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفة
قيل كان زياد معظما للأحنف فلما ولي بعده ابنه عبيد الله تغير أمر الأحنف وقدم عليه من هو دونه ثم وفد على معاوية في الأشراف فقال لعبيد الله أدخلهم علي على قدر مراتبهم فأخر الأحنف فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته وقال إلي يا أبا بحر وأجلسه معه وأعرض عنهم فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد وسكت الأحنف فقال له لم لا تتكلم قال إن تكلمت خالفتهم قال اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة ثم أتوا معاوية بعد ثلاث وذكر كل واحد شخصا وتنازعوا فقال معاوية ما تقول يا أبا بحر قال إن وليت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله فقال قد اعدته قال فخلا معاوية بعبيد الله وقال كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت فلما رجع عبيد الله جعل الأحنف صاحب سره عبد الرحمن بن القاسم المصري الفقيه عن أبي شريح المعافري عن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال حضرت جنازة الأحنف بالكوفة فكنت فيمن نزل قبره فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري فأخبرت بذلك أصحابي فلم يروا ما رأيت قال أبو عمرو بن العلاء توفي الأحنف في دار عبيد الله بن أبي غضنفر فلما دلي في حفرته أقبلت بنت لأوس والسعدي وهي على راحلتها عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافى به حفرته لوقت حمامه قيل لها الأحنف بن قيس قالت والله لئن كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لاتسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ثم قالت لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن وإنا لله وإنا إليه راجعون نسأل من ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك وأن يغفر لك يوم حشرك أيها الناس إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء أما والذي كنت من أجله في عدة ومن الحياة في مدة ومن المضمار إلى غاية ومن الآثار إلى نهاية الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك لقد عشت مودودا حميدا ومت سعيدا فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منير الحريم سليم الأديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد قال قرة بن خالد حدثنا أبو الضحاك أنه أبصر مصعبا يمشي في جنازة الأحنف بغير رداء قال الفسوي مات الأحنف سنة سبع وستين وقال غيره توفي سنة إحدى وسبعين وقال جماعة مات في إمرة مصعب بن الزبير على العراق رحمه الله
قلت قد استقصى الحافظ بن عساكر ترجمة الأحنف في كراريس وطولتها أنا في تاريخ الإسلام رحمه الله تعالى
-
عاصم بن عمر بن الخطاب
عاصم بن عمر بن الخطاب الفقيه الشريف أبو عمرو القرشي العدوي ولد في أيام النبوة وحدث عن أبيه وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية وكان طويلا جسيما حتى قيل كان ذراعا ونحو من شبر وكان من نبلاء الرجال دينا وخيرا صالحا وكان بليغا فصيحا شاعرا وهو جد الخليفة عمر بن عبد العزيز لأمه حدث عنه ولداه حفص وعبيد الله وعروة بن الزبير قال أبو حاتم لا يروى عنه سوى حديث واحد مات سنة سبعين فرثاه ابن عمر أخوه حيث يقول
فليت المنايا كن خلفن عاصما * فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا