قصتي...أحببت بحبه سوريا..
منذ فترة طويلة..طويلة جدا..لم أحاول أن أقترب من نيران الكلمات حتى لا توقظ جراحي..ظننت أنني فيابتعادي عن نزف الكتابة سأكون بسلام ولم أعي أني أهرب من نفسي..وأخسر معركتي مع آلام الحياة وابتلائاتها..مادفعني للكتابة هو هذا المنتدى الرائع والذي أوجه فيه شكري العميق جدا لمؤسس هذا الموقع والسادة النبلاء الكرام القائمين عليه والذين يحاولون بعملهم هذا إنعاش وحدتنا العربية وإعادة قلوبنا لتكون صفحات بيضاء..نقية لاتتأثر بقرارات سياسية غير عادلة أحيانا ولا بتصرفات أفراد غير حضارية أحيانا كثيرة..,وقد نرتبط بالأرض نعم..لكن انتمائنا الأول يكون لمبادئنا وأفكارنا..بهذا نكون أحرارا من أي طاقات سلبية قد تفرضها علينا يوما تضاريس خارطتنا العربية.
إن الحياة عقيدة وجهاد..حقا..وماذا تساوي حياتنا دون مباديء نموت من أجلها..وترفعنا عاليا عن طين الأرض لنرتقي عاليا..عاليا في السماء..كتبت هذه الكلمات هنا...وحاولت الابتعاد عن الصفة الشخصية لأن ماأهدف له هو أن تعيد هذه السطور الروح لعزيمة أخ خارت..أو تمسح بكل حنان ذكرى لألم في وطن عربي...
انا فتاة سعودية..أخذت على عاتقي في بداية مشوار حياتي تأليف قلوبنا العربية الممزقة..وترميم أرواحنا المجهدة..عن طريق العمل التطوعي وإعانة المحتاجين في كل مكان وعلى أي دين كان وبأي جنسية كانت أو عرق كان..لكن بدأت بالأقربين وهم الأولى بالمعروف في بلدي والبلدان العربية الشقيقة وشاء الله ان التقي في بداية حياتي بشاب سوري..وبحكم طبيعة عمله" رجل أعمال" كان يدعم مثل هذه المشاريع والأعمال..بكل إخلاص..تعرف على أفكاري وقناعاتي ولحسن حظي كنا نحمل نفس الهموم والآمال..فكان قرار الارتباط لنعمل بجهد أكبر..ولتتسع مساحة الحرية لأعمالنا..ولكن..قبل موعد الخطوبة بأسبوع..كان يعاني من بعض الآلام البسيطة في الصدر..فاكتشفنا انه يعاني من مشكلة في القلب..اضطر لتأجيل موضوع الارتباط وسافر لبريطانيا لإجراء فحوصات ..أثناء الفحوصات..أصيب بذبحة صدرية.. عرفت أنني سأبدأ معركة مؤلمة..أجرى له الأطباء عملية قسطرة..وتعافى بعدها..وانتظرنا شهر ليستعيد عافيته..وكانت إرادتنا فوق كل شيء..اقترح عليه الأطباء إجراء فحوصات للزواج في أمريكا للتأكد من أن صحته ستحتمل حياته الجديدة..في أمريكا أخبره الطبيب المشرف على حالته بأنه يعاني من ضعف في عضلة القلب وأنه بحاجة لعملية زرع عضل صناعي..(قد لا أعرف بالتفصيل الحالة الطبية لسوء حالتي النفسية وقتها) ..كنت خائفة جدا من النتائج لكنه كان شجاعا جدا..رفض الاستسلام وكانت كلماته أنه لو بقي له من الحياة اسبوع واحد..سيعيشه من أجل أن نحقق أحلامنا..أجرى العملية..وقبل 24ساعة رفض جسمه الاستجابة للعضو الجديد..فكان ينازع !!! تحطمت كل آمالي..ولم يعد لدي من ألم سوى أن يبقى على قيد الحياة..حدثت له انتكاسة وبقي في الغيبوبة 3شهور..يخبرني من كان برفقته انه كان يردد اسمي وكيف أنه سيكون عريسا!! انتهى الكابوس وأفاق من الغيبوبة ولله الحمد وبدأ يسترد عافيته!! بعد سنة من النقاهة عاد للسعودية..وكنا قد قررنا وقتها الانفصال..ولكن..أحيانا تقتل العزيمة صاحبها!!!!
بعد سنة عاود الاتصال بي وهو مليء بالأمل والشجاعة..وكان يتحدث عن فستان فرح اشتراه لألبسه له قريبا!! كان مقبلا على عملية من نوع آخر في أمريكا..لم أفهم تفاصيلها..رفض الحديث عنها..طلب مني فقط انتظار النتائج والفرح!! بعد اسبوع وصلني خبر أنه أصيب بنزيف أثناء العملية وكل ماهو مطلوب مني هو أن أدعو له أن يعيد الله له أنفاسه!! وبقدرة الله أفاق بعد أسبوعين من ماحدث..رفض الأطباء ان يتواصل معي تماما لتأثير ذلك على حالته النفسية..كنت ممنوعة حتى من أن أطمئن بسماع صوته يتحدث!!
انفصلنا,,أكملت مشوار حياتي بألم وأجبرنا على الابتعاد عن أي تواصل بقرار طبي!! بعد سنتين وكنت أعلم أن رجلا مثله لا ييأس مهما حصل!!! كان العلاج هذه المرة مختلفا..كان علاجا عن طريق الأدوية..كل هذا وهو لم يكمل الخامسة والثلاثين بعد!! لم يتصل بي هذه المرة..اتصل بصديقتي وطمأنها بأن توصل لي الرسالة انه لن يحدث له أي مكروه..لأنه لن يجري أي عملية!! وانه بصحة جيدة جدا!! لكنه رفض أن يبدأ كورس العلاج بأمريكا..على مسؤوليته عاد بأحلامه وفرحته إلى أرض الوطن..يتنقل بين سوريا والسعودية حيث كان يعيش..بعد اسبوع من العلاج أجرى فحوصات هنا وكانت النتائج ممتازة..في نهاية الإسبوع الثاني..اصيب بانتكاسة مفاجئة..نقل بطائرة الإخلاء الطبي إلى جدة..
وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة..قد تكون أفراحي لفظت أنفاسها معه أيضا..لكني أخذت على عاتقي الحلم الذي بدأته معه..مثل هذا الموقع الرائع..هو بلسم لجراحي..سأرفع رأسي عاليا..وابتسم ..يوما ما سيسمع الجميع عن مشاريع تنموية ضخمة في سوريا الحبيبة..سأديرها بكل محبة ..إحياء لذكرى رجل..قد لا يعلم عن معاناته الكثير..لكنه أحيا بشجاعته وصموده قلوبا ميتة....ولعل بمثل تلك المعاناة تحيا نفوس وتصحح مفاهيم..لتعيد للإنسان في أوطاننا العربية قيمته المهدرة..
إلى جنة الخلد..ياحاتم.
