قال: (ص129) (وفي حديث: أن الطائفة من أمته… إنهم في بيت المقدس وأكنافه).
أقول: روي هذا من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، وعلى فرض صحته فليس المراد أنهم هناك دائمًا، كيف ولم يكن هناك في عهد النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أحد من المسلمين؟ وإنما المعنى أنهم يكونون هناك في آخر الزمان حين يأتي أمر الله.
وقال: (ما قيل في المسجد الأقصى: كانت الأحاديث الصحيحة أول الأمر في فضل المسجد الحرام ومسجد رسول الله، ولكن بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى).
أقول: أما الصخرة فنعم لا يثبت في فضلها نص، وأما المسجد ففضله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
قال: (وقد روى أبو هريرة [مرفوعًا]: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد… إلخ»).
أقول: الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وبصرة الغفاري، وجاء من حديث
ابن عمر رضي الله عنهم.
وذكر قول ميمونة لامرأة نذرت أن تصلي في بيت المقدس: «اجلسي وصلي في مسجد رسول الله، فإني سمعت رسول الله يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة».
قال أبو رية: (ولو أن المسجد الأقصى كان قد ورد فيه تلك الأحاديث لما منعت ميمونة هذه المرأة من أن توفي نذرها).
92
أقول: رأت
ميمونة أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل فلم تر فائدة لسفر وعناء لأجل صلاة يمكن أداء أفضل منها بدونهما. وهذا لا ينفي أن يكون للمسجد الأقصى فضل في الجملة كما هو ثابت، وأن يكون للصلاة فيه فضل دون فضل الصلاة في مسجد المدينة. وهذا واضح.
قال (ص130): (اليد اليهودية في تفضيل الشام: … إن الشام ما كان لينال من الإشادة بذكره والثناء عليه إلا لقيام دولة بني أمية فيه… فكان جديرًا بكهنة اليهود أن ينتهزوا هذه الفرصة… وكان من هذه الأكاذيب أن بالغوا في مدح الشام).
أقول: أما فضل الشام فقد ثبت بكتاب الله عز وجل كما مر (ص65)، والعقل يتقبل ذلك؛ لأنها كانت منشأ غالب الأنبياء والمرسلين، كما يتقبل أن ينوه النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بفضلها تبيانًا للواقع وترغيبًا للمسلمين في فتحها والرباط فيها، أما الأخبار الكثيرة الواهية في فضل الشام وبيت المقدس والصخرة فالنظر في أسانيدها يبين أنها إنما اختلقت بعد كعب بزمان لأغراض أخرى غير اليهودية.
قال: (مر بك ذرو مما قال هؤلاء الكهنة في أن ملك النبي سيكون بالشام).
أقول: جاء هذا عن كعب، فإن صح فالظاهر أنه كذلك كان في صحف أهل الكتاب، فقد أثبت القرآن ذكر النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فيها، ومن أبرز الأمور في شأنه ظهور ملك أصحابه بالشام. وراجع (ص71).
قال: (وأن معاوية قد زعم… إلخ) أقول: هذا باطل. راجع (ص64).
قال (ص131): (في الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ثم قال: (روى البخاري: هم بالشام).
أقول: الذي في صحيح البخاري ذكر الحديث من طريق عمير عن معاوية مرفوعًا ثم قال: (قال عمير فقال مالك بن يخامر، قال معاذ: وهم بالشام) وليس لمالك بن يخامر في الصحيح سوى هذا، وجعله من قول معاذ فيما يظهر، لا من الحديث؛ والواو فيه هي واو الحال أي: أنه يأتي أمر الله وهم بالشام، وإتيان أمر الله يكون آخر الزمان وليس المراد أنهم يكونون دائمًا بالشام، كيف ولم يكن بها في عهد النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png. والبخاري يحمل الطائفة على أهل العلم، ومعلوم أن معظمهم لم يكونوا بالشام في عصره ولا قبله.
93
قال: (وفي مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين [على الحق] حتى تقوم الساعة»).
أقول: إنما هو في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص، وليس عن أبي هريرة، والظاهر أن أبا رية تعمد خلاف الرواية، ولا أدري لماذا أسقط "على الحق".
قال: (قال أحمد وغيره: هم أهل الشام).
أقول: قد قيل وقيل. وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث
جابر بن سمرة: «لا يزال هذا الدين قائمًا تقاتل عليه عصابة… إلخ» وفي حديث جابر بن عبد الله: «…طائفة من أمتي يقاتلون» ونحوه في حديث معاوية وحديث عقبة بن عامر. أما ما يحكى أن بعضهم قال: (المغرب) فخطأ محض.
قال: (وفي
كشف الخفا… إلخ).
أقول: قد تقدم أن كعبًا توفي وسط خلافة عثمان، وأنه لم يصح عنه ما نسب إليه في فضائل الشام شيء.
قال: (ومن أحاديث
الجامع الصغير للسيوطي التي أشير عليها بالصحة).
أقول: ليست تلك الإشارة معتمدة دائمًا.
وذكر حديث: «الشام صفوة الله… إلخ»، وهو في
المستدرك (4: 509) قال الحاكم: (صحيح الإسناد)، تعقبه الذهبي فقال: (كلا وعفير هالك)، يعني أحد رجال سنده.
وذكر حديث: «طوبى للشام… إلخ» وهذا جاء من حديث زيد بن ثابت و
صححه الحاكم وغيره من المتأخرين، وفي صحته نظر.
وذكر حديث: «ليبعثن الله من مدينة بالشام… إلخ» وهذا روي من حديث عمر، وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف مختلط.
وقال في حاشية (ص132): (هذا هو الحديث الصحيح… إلخ).
أقول: راجع (ص86).
وذكر (ص134) فصلًا لصاحب المنار في الحط على كعب ووهب، وقد تقدم ما يكفي.
وفيه (ص135): (… فمن المعتاد المعهود من طباع البشر أن يصدقوا كل خبر لا يظهر لهم دليل على تهمة قائله فيه ولا بطلانه في نفسه، فإذا صدق بعض الصحابة كعب الأحبار في بعض مفترياته التي كان يوهمهم
94
أنه أخذها من التوراة أو من غيرها من كتب أنبياء بني إسرائيل وهو من أحبارهم أو في غير ذلك فلا يستلزم هذا إساءة الظن بهم).
أقول: أما من أسلم من أهل الكتاب وظهر حسن إسلامه وصلاحه فأخبر عن صحف أهل الكتاب بشيء فلا إشكال في تصديق بعض الصحابة له في ذلك بمعنى ظن أن معنى ذاك الخبر موجود في صحف أهل الكتاب، وإنما المدفوع تصديق الصحابة ما في صحف أهل الكتاب حينئذ مع علمهم بأنها قد غيرت وبدلت، وقول النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» وقد مر كلام ابن عباس وغيره في ذلك. (راجع ص68 و 89) فالحق أنهم لم يكونوا يصدقونها إلا أن يوجد دليل على صدقها، وذلك كخبر عبد الله بن عمرو عن صفة النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png في التوراة، ولذلك أقسم عليه (راجع ص71)، فأما ماعدا ذلك فغاية الأمر أنهم إذا وجدوا الخبر لا يدفعه العقل ولا الشرع ولا هو من مظنة اختلاق أهل الكتاب وتحريفهم أنسوا به، فإن كان مع ذلك مناسبًا في الجملة لآية من القرآن أو حديث عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png مالوا إلى تصديقه، وإخبار الإنسان عما يعلم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي أنه جازم تصديقه؛ لأن مثل هذا الخبر كالمتضمن لقوله: (بلغني…).
قال أبو رية (ص137): (الكيد السياسي… إلخ).
ثم ذكر قصة عبد الله بن سبأ، وقد نقدها الدكتور طه حسين في الفتنة الكبرى فأجاد.
وقال (ص138): (وقد وضع كعب يده في يد ابن سبأ… إلخ).
أقول: هذا تخيل صرف.
قال: (فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح… إلخ).
أقول: ينظر السند إلى وكيع، والأعمش مدلس، وأبو صالح لم يتبين إدراكه للقصة، ولو صحت لما دلت إلا على أحد أمرين: إما أن كعبًا وجد ذلك في صحفه كما يشهد له ما أخبر به ابن الزبير، وإما أنه كان عميق النظر وبعيده.
قال (ص139): (وصفوة القول في هؤلاء اليهود… إلخ).