صباح نحوموتهم, يستعدون لمواجهة الموت بالصلاة حيناً, وبالآثام الأخيرة أحياناًأخرى.


غير أن قبولي دعوة فرانسواز لقضاء " وقت ممتع" كان يحمل فرحةمشوبة بذعر لم أعرفه من قبل, خشية أن تخونني فحولتي عند اللقاء. حتى إنني, قبل ذلكبليلة, تذكرت مغنية أوبرا شاهدتها تقول في مقابلة تلفزيونية إنها في الليلة التيتسبق حفلاتها تعيش كابوساً مزعجاً ترى فيه نفسها تقف على المسرح وقد فقدت صوتها, مما يجعلها تستيقظ مذعورة كل مرة, وتجلس في سريرها لتجرب صوتها إلى أقصاه, كي تطمئنإلى قوته, ثم تخلد إلى النوم.
تراني بلغت عمر الذعر الذكوري, وذلك الخوف المرضيمن فقدان مباغت للفحولة, في تلك اللحظة الأكثر احتياجاً لها, أمام الشخص الذي تريدإدهاشه بالذات؟ أكل رجل هو مغني أوبرا مذعور, لا يدري لفرط صمت أعضائه كيف يختبرصوت رجولته!

فرانسواز وجدت في تمنعي وعدم استعجالي الانفراد بها, شيئاًمغرياً ومثيراً للتحدي الأنثوي الصامت, ومثيراً أيضاً للاحترام. خاصة بعدما اعتذرتعن قبول عرضها الذي أظنه كان نابعاً من طيبتها في استضافتي بعض الوقت في بيتها, لتوفر علي مصاريف الإقامة المكلفة. قالت مثبتة حسن نواياها:
-
عندي غرفة إضافيةيحدث أن يقيم فيها لبعض الوقت الأصدقاء العابرون لباريس, ومعظمهم من معارف زيان. آخر من شغلها زوجة مدير معهد الفنون الجميلة في الجزائر التي اغتيل زوجها وابنهاداخل المعهد. كانت فكرة هذا المعرض لدعم عائلات المبدعين من ضحايا الإرهاب بمبادرةمنها, ولهذا ارتأيت أن أستقبلها في بيتي لحاجتها إلى دعم نفسي كبير بعد هذهالمحنة.
لم تكن فرانسواز تدري أنها قالت العبارة التي كانت تكفي لإقناعي بأي شيءتعرضه علي بعد الآن.
سألتها مندهشاً:
-
وهل زيان يقيم في بيتك؟
أجابتضاحكة:
-
أجل , وإن شئت أنا من يقيم في بيته. فعندما عاد إلى الجزائر ترك ليالبيت لفترة طويلة, ثم عرضت عليه بعد ذلك أن أتقاسم معه الإيجار. لقد كان الأمريناسبني تماما. يدفع نصف إيجار البيت مقابل أن يشغله أحياناً عندما يزور باريس. إنني محظوظة حقاً. فهذا البيت جميل, ولم يعد بإمكانك العثور بسعر معقول على شقةكهذه تطل على نهر السين!
لم أعد أصدق ما أسمع. سألتها:
-
وهل الشقة تطل علىجسر ميرابو؟
ردت متعجبة:
-
هل زرتها؟
كنت سأبدو مجنوناً لو أخبرتها أننيسبق أن زرتها في رواية.
فأجبت بهدوء كاذب:
-
لا .. قلت هذا لأنني أحب هذاالجسر, وتمنيت لو كان الأمر كذلك.
-
إنه فعلاً كذلك.. ولذا بإمكانك أن تزورالشقة كلما شعرت برغبة في رؤية ذلك الجسر.
سألتها فجأة مجازفاً بكبريائي:
-
أما زال عرضك قائما باستضافتي لبعض الوقت في بيتك؟
-
طبعاً..
ثم واصلت:

- Oh.. mon Dieu.. comme tu me rappelles
Ziane c'est fou.. tout ca pour un pont!
طبعا.. كانت على خطأ. لم يكن " كل هذا بسبب جسر". وربماكانت في خطئها على صواب, مادامت قد صاحت " يا إلهي كم تذكرني بزيان".
ذلك أن هذاالجسر ماكان بالنسبة لكلينا مجرد... جسر.
أضافت:
-
بالمناسبة.. سيكون افتتاحمعرض زيان بعد يومين. أتمنى أن أراك هناك.
أجبتها وأنا أفكر في كل ما ينتظرني منمفاجآت بعد الآن:
-
حتماً.. سأحضر.