









قال: فلما جاءته البيعة وانصرف إلى بغداد؛ لم تكن له همة غيرها، فدخل عليها وهي تغني بأبياتها، فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر لأحد من الناس.
وفي هذه السنة اشتد طلب موسى الزنادقة؛ فقتل منهم فيها جماعة؛ فكان ممن قتل منهم يزدان بن باذان كاتب يقطين، وابنه علي بن يقطين من أهل النهروان؛ ذكر عنه أنه حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون، فقال: ما أشبههم إلا ببقر تدوس في البيدر. وله يقول العلاء بن حداد الأعمى:
أيا أمين الله في خلقه ** ووراث الكعبة والمنبر
ماذا ترى في رجل كافر ** يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا ما سعوا ** حمرًا تدوس البر والدوسر!
فقتله موسى ثم صلبه، فسقطت خشبته على رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره. وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل.
وذكر عن علي بن محمد الهاشمي، قال: كان المهدي أتى بابن لداود ابن على زنديقًا، وأتى بيعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب زنديقًا، في مجلسين متفرقين، فقال لكل واحد منهما كلامًا واحدًا، وذلك بعد أن أقرا له بالزندقه، أما يقعوب بن الفضل فقال له: أقر بها بيني وبينك؛ فأما أن أظهر ذلك عند الناس فلا أفعل ولو قرضتني بالمقاريض، فقال له: ويلك! لو كشفت لك السموات، وكان الامر كما تقول، كنت حقيقا أن تغضب لمحمد، ولولا محمد صلى الله عليه من كنت! هل كنت إلا إنسانًا من الناس! أما والله لولا أني كنت جعلت لله على عهدًا إذا ولاني هذا الامر ألا أقتل هاشميًا لما ناظرتك ولقتلتك. ثم التفت إلى موسى الهادي، فقال: يا موسى، أقسمت عليك بحقي إن وليت هذا الامر بعدي ألا تناظرهما ساعة واحدة. فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي؛ وأما يعقوب فبقي حنى مات المهدي. وقدم موسى من جرجان فساعة دخل، ذكر وصية المهدي، فأرسل إلى يعقوب من ألقى عليه فراشأً، واقعدت الرجال عليه حتى مات. ثم لها عنه ببيعته وتشديد خلافته؛ وكان ذلك في يوم شديد الحر، فبقي يعقوب حتى مضى من الليل هدء، فقيل لموسى: يا أمير المؤمنين، إن يعقوب قد انتفخ وأروح. قال: ابعثوا به إلى أخيه إسحاق بن الفضل، فخبروه أنه مات في السجن. فجعل في زورق واتي به إسحاق، فنظر فإذا ليس فيه موضع للغسل، فدفنه في بستان له من ساعته، وأصبح فأرسل إلى الهاشميين يخبرهم بموت يعقوب ويدعوهم إلى الجنازة، وأمر بخشبة فعملت في قد الإنسان فغشيت قطنا، وألبسها أكفانًا، ثم حملها على السرير، فلم يشك من حضرها أنه شيء مصنوع.
وكان ليعقوب ولد من صلبه: عبد الرحمن والفضل وأروى فاطمة، فأما فاطمة فوجدت حبلى منه، وأقرت بذلك.
قال علي بن محمد: قال أبي: فأدخلت فاطمة وامرأة يعقوب بن الفضل - وليست بهاشمية، يقال لها خديجة - على الهادي - أو على المهدي من قبل - فأقرتا بالزندقة، وأقرت فاطمة أنها حامل من أبيها، فأرسل بهما إلى ريطة بنت أبي العباس، فرأتهما مكتحلتين مختضبتين، فعذلتهما، وأكثرت على الابنة خاصة، فقالت: أكرهني، فقالت: فما بال الخضاب والكحل والسرور؛ إن كنت مكرهة! ولعنتهما. قال: وخبرت أنهما فزعتا فماتتا فزعًا، ضرب على رأسيهما بشيء يقال له الرعبوب. ففزعتا منه، فماتتا. وأما أروى فبقيت فتزوجها ابن عمها الفضل بن إسماعيل بن الفضل؛ وكان رجلًا لا بأس به في دينه.
وفيها قدم ونداهرمز صاحب طبرستان إلى موسى بأمان، فأحسن صلته، ورده إلى طبرستان.
ذكر بقية الخبر عن الأحداث التي كانت سنة تسع وستين ومائة
خروج الحسين بن علي بن الحسن بفخ
ومما كان فيها خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المقتول بفخ.
ذكر الخبر عن خروجه ومقتله
ذكر عن محمد بن موسى الخوارزمي أنه قال: كان بين موت المهدي وخلافة الهادي ثمانية أيام. قال: ووصل إليه الخبر وهو بجرجان، وإلى أن قدم من مدينة السلام إلى خروج الحسين بن علي بن الحسن، وإلى أن قتل الحسين، تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا.
وذكر محمد بن صالح، أن أبا حفص السلمي حدثه، قال: كان إسحاق بن عيسى بن علي على المدينة، فلما مات المهدي واستخلف موسى، شخص إسحاق وافدًا إلى العراق إلى موسى، واستخلف على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن إسحاق بن عيسى بن علي استعفى الهادي وهو على المدينة، واستأذنه في الشخوص إلى بغداد، فأعفاه، وولى مكانه عمر بن عبد العزيز. وإن سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن كان أن عمر بن عبد العزيز لما تولى المدينة - كما ذكر الحسين بن محمد بن أبي حفص السلمي - أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ومسلم بن جندب الشاعر الهذلي وعمر بن سلام مولى آل عمر على شراب لهم، فأمر بهم فضربوا جميعًا، ثم أمر بهم فجعل في أعناقهم حبال وطيف بهم في المدينة، فكلم فيهم، وصار إليه الحسين بن علي فكلمه، وقال: ليس هذا عليهم وقد ضربتهم، ولم يكن لك أن تضربهم؛ لأن أهل العراق لا يرون به بأسًا، فلم تطوف بهم! فبعث إليهم وقد بلغوا البلاط فردهم، وأمر بهم إلى الحبس، فحبسوا يومًا وليلة، ثم كلم فيهم فأطلقهم جميعًا؛ وكانوا يعرضون، ففقد الحسن بن محمد، وكان الحسين بن علي كفيله.
قال محمد بن صالح: وحدثني عبد الله بن محمد الأنصاري أن العمري كان كفل بعضهم من بعض؛ فكان الحسين بن علي بن الحسن ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفيلين بالحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن؛ وكان قد تزوج مولاةً لهم سوداء ابنة أبي ليث مولى عبد الله بن الحسن؛ فكان يأتيها فيقيم عندها، فغاب عن العرض يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وعرضهم خليفة العمري عشية الجمعة، فأخذ الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله؛ فسألهما عن الحسن بن محمد؛ فغلظ عليهم بعض التغليظ، ثم انصرف إلى العمري فأخبره خبرهم، وقال له: أصلحك الله! الحسن بن محمد غائب مذ ثلاث، فقال: ائتني بالحسين ويحيى؛ فذهب فدعاهما، فلما دخلا عليه، قال لهما: أين الحسن بن محمد؟ قالا: والله ما ندري؛ إنما غاب عنا يوم الأربعاء، ثم كان يوم الخميس؛ فبلغنا أنه اعتل، فكنا نظن أن هذا اليوم لا يكون فيه عرض؛ فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه، فحلف يحيى بن عبد الله ألا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره؛ حتى يعلم أنه قد جاءه به. فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله! ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسنًا! حلفت له بشيء لا تقدر عليه. قال: إنما حلفت على حسن، قال: سبحان الله! فعلى أي شيء حلفت! قال: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف. قال: فقال حسين: تكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الصلة، قال: قد كان الذي كان فلا بد منه.
وكانوا قد تواعدوا على أن يخرجوا بمنى أو بمكة في الموسم - فيما ذكروا - وقد كان قوم من أهل الكوفة من شيعتهم - وممن كان بايع الحسين - متكمنين في دار، فانطلقوا فعملوا في ذلك من عشيتهم ومن ليلتهم، حتى إذا كان في آخر الليل خرجوا. وجاء يحيى بن عبد الله حتى ضرب باب دار مروان على العمري، فلم يجده فيها، فجاء إلى منزله في دار عبد الله بن عمر فلم يجده أيضًا فيها، وتوارى منهم، فجاءوا حتى اقتحموا المسجد حين أذنوا بالصبح؛ فجلس الحسين على المنبر وعليه عمامة بيضاء؛ وجعل الناس يأتون المسجد؛ فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلون، فلما صلى الغداة جعل الناس يأتونه، ويبايعونه على كتاب الله وسنة نبيهللمرتضى من آل محمد. وأقبل خالد البربري؛ وهو يومئذ على الصوافي بالمدينة قائد على مائتين من الجند مقيمين بالمدينة، وأقبل فيمن معه، وجاء العمري ووزير بن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد الشروي؛ ومعهم ناس كثير؛ فيهم الحسين بن جعفر بن الحسين بن الحسين على حمار، واقتحم خالد البربري الرحبة، وقد ظاهر بين درعين، وبيده السيف، وعمود في منطقته، مصلتًا سيفه، وهو يصيح بحسين: أنا كسكاس، قتلني الله إن لم أقتلك! وحمل عليهم حتى دنا منهم؛ فقام إليه ابنا عبد الله بن حسن: يحيى وإدريس، فضربه يحيى على أنف البيضة فقطعها وقطع أنفه، وشرقت عيناه بالدم فلم يبصر، فبرك يذبب عن نفسه بسيفه وهو لا يبصر، واستدار له إدريس من خلفه فضربه وصرعه، وعلواه بأسيافهما حتى قتلاه، وشد أصحابهما على درعيه فخلعوهما عنه، وانتزعوا سيفه وعموده، فجاءوا به. ثم أمروا به فجر إلى البلاط، وحملوا على أصحابه فانهزموا. قال عبد الله بن محمد: هذا كله بعيني.
وذكر عبد الله بن محمد أن خالدًا ضرب يحيى بن عبد الله، فقطع البرنس، ووصلت ضربته إلى يد يحيى فأثرت فيها، وضربه يحيى على وجهه، واستدار رجل أعور من أهل الجزيرة فأتاه من خلفه، فضربه على رجليه، واعتوروه بأسيافهم فقتلوه.
قال عبد الله بن محمد: ودخل عليهم المسودة المسجد حين دخل الحسين بن جعفر على حماره، وشدت المبيضة فأخرجوهم، وصاح بهم الحسين: ارفقوا بالشيخ - يغني الحسين بن جعفر - وانتهب بيت المال، فأصيب فيه بضعة عشر ألف دينار، فضلت من العطاء - وقيل: إن ذلك كان سبعين ألف دينار كان بعث بها عبد الله بن مالك، يفرض بها من خزاعة - قال: وتفرق الناس، وأغلق أهل المدينة عليهم أبوابهم؛ فلما كان من الغد اجتمعوا واجتمعت شيعة ولد العباس، فقاتلوهم بالبلاط فيما بين رحبة دار الفضل والزوراء، وجعل المسودة يحملون على المبيضة حتى يبلغوا بهم رحبة دار الفضل، وتحمل المبيضة عليهم حتى يبلغ بهم الزوراء. وفشت الجراحات بين الفريقين جميعًا، فاقتتلوا إلى الظهر، ثم افترقوا، فلما كان في آخر النهار من اليوم الثاني يوم الأحد، جاء الخبر بأن مباركًا التركي ينزل بئر المطلب، فنشط الناس، فخرجوا إليه فكلموه أن يجيء، فجاء من الغد حتى أتى الثنية، واجتمع الناس إليه شيعة بني العباس ومن أراد القتال، فاقتتلوا بالبلاط أشد قتال إلى انتصاف النهار، ثم تفرقوا. وجاء هؤلاء إلى المسجد، ومضى الآخرون إلى مبارك التركي، إلى دار عمر بن عبد العزيز بالثنية يقيل فيها، وواعد الناس الرواح، فلما غفلوا عنه، جلس على رواحله فانطلق، وراح الناس فلم يجدوه، فناوشوهم شيئًا من القتال إلى المغرب، ثم تفرقوا، وأقام حسين وأصحابه أيامًا يتجهزون. وكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يومًا، ثم خرج يوم أربعة وعشرين لست بقين من ذي القعدة، فلما خرجوا من المدينة عاد المؤذنون فأذنوا؛ وعاد الناس إلى المسجد، فوجدوا فيه العظام التي كانوا يأكلون وآثارهم، فجعلوا يدعون الله عليهم، ففعل الله بهم وفعل.
قال محمد بن صالح: فحدثني نصير بن عبد الله بن إبراهيم الجمحي، أن حسينًا لما انتهى إلى السوق متوجهًا إلى مكة التفت إلى أهل المدينة، وقال: لا خلف الله عليكم بخير! فقال الناس وأهل السوق: لا بل أنت؛ لا خلف الله عليك بخير، ولا ردك! وكان أصحابه يحدثون في المسجد، فملؤوه قذرًا وبولًا؛ فلما خرجوا غسل الناس المسجد.
قال: وحدثني ابن عبد الله بن إبراهيم، قال: أخذ أصحاب الحسين ستور المسجد، فجعلوها خفاتين لهم، قال: ونادى أصحاب الحسين بمكة: أيما عبد أتانا فهو حر؛ فأتاه العبيد، وأتاه عبد كان لأبي؛ فكان معه؛ فلما أراد الحسين أن يخرج أتاه أبي فكلمه، وقال له: عمدت إلى مماليك لم تملكهم فأعتقتهم، بم تستحل ذلك! فقال حسين لأصحابه: اذهبوا به، فأي عبد عرفه فادفعوه إليه؛ فذهبوا معه، فأخذ غلامه وغلامين لجيران لنا.
وانتهى خبر الحسين إلى الهادي، وقد كان حج في تلك السنة رجال من أهل بيته؛ منهم محمد بن سليمان بن علي والعباس بن محمد وموسى بن عيسى، سوى من حج من الأحداث. وكان على الموسم سليمان بن أبي جعفر، فأمر الهادي بالكتاب بتولية محمد بن سليمان على الحرب، فقيل له: عمك العباس بن محمد! قال: دعوني لا والله لا أخدع عن ملكي؛ فنفذ الكتاب بولاية محمد بن سليمان بن علي على الحرب، فلقيهم الكتاب وقد انصرفوا عن الحج. وكان محمد بن سليمان قد خرج في عدة من السلاح والرجال؛ وذلك لأن الطريق كان مخوفًا معورًا من الأعراب؛ ولم يحتشد له الحسين؛ فأتاه خبرهم، فهم بصوبه، فخرج بخدمه وإخوانه. وكان موسى بن علي بن موسى قد صار ببطن نخل، على الثلاثين من المدينة، فانتهى إليه الخبر ومعه إخوانه وجواريه، وانتهى الخبر إلى العباس بن محمد بن سليمان وكاتبهم، وساروا إلى مكة فدخلوا، فأقبل محمد بن سليمان، وكانوا أحرموا بعمرة. ثم صاروا إلى ذي طوىً، فعسكروا بها، ومعهم سليمان بن أبي جعفر؛ فانضم إليهم من وافى في تلك السنة من شيعة ولد العباس ومواليهم وقوادهم. وكان الناس قد اختلفوا في تلك السنة في الحج وكثروا جدًا. ثم قدم محمد بن سليمان قدامه تسعين حافرًا ما بين فرس إلى بغل، وهو على نجيب عظيم، وخلفه أربعون راكبًا على النجائب عليها الرحال وخلفهم مائتا راكب على الحمير، سوى من كان معهم من الرجالة وغيرهم، وكثروا في أعين الناس جدًا وملئوا صدورهم فظنوا أنهم أضعافهم، فطافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، وأحلوا من عمرتهم، ثم مضوا فأتوا ذا طوىً ونزلوا، وذلك يوم الخميس. فوجه محمد بن سليمان أبا كامل - مولى لإسماعيل بن علي - في نيفٍ وعشرين فارسًا؛ وذلك يوم فلقيهم. وكان في أصحابه رجل يقال له زيد، كان انقطع إلى العباس، فأخرجه معه حاجًا لما رأى من عبادته، فلما رأى القوم قلب ترسه وسيفه، وانقلب إليهم؛ وذلك ببطن مر، ثم ظفروا به بعد ذلك مشدخًا بالأعمدة؛ فلما كان ليلة السبت وجهوا خمسين فارسًا، كان أول من ندبوا صباح أبو الذيال، ثم آخر ثم آخر؛ فكان أبو خلوة الخادم مولى محمد خامسًا، فأتوا المفضل مولى المهدي، فأرادوا أن يصيروا عليهم، فأبى وقال: لا، ولكن صيروا عليهم غيري وأكون أنا معهم، فصيروا عليهم عبد الله بن حميد بن رزين السمرقندي - وهو يومئذ شاب بن ثلاثين سنة - فذهبوا وهم خمسون فارسًا؛ وذلك ليلة السبت. فدنا القوم، وزحفت الخيل، وتعبأ الناس؛ فكان العباس بن محمد وموسى بن عيسى في الميسرة، ومحمد بن سليمان في الميمنة؛ وكان معاذ بن مسلم فيما بين محمد بن سليمان والعباس بن محمد، فلما كان قبل طلوع الفجر جاء حسين وأصحابه فشد ثلاثة من موالي سليمان بن علي - أحدهم زنجويه غلام حسان - فجاءوا برأس فطرحوه قدام محمد بن سليمان - وقد كانوا قالوا: من جاء برأس فله خمسمائة درهم - وجاء أصحاب محمد فعرقبوا الإبل، فسقطت محاملها. فقتلوهم وهزموهم؛ وكانوا خرجوا من تلك الثنايا، فكان الذين خرجوا مما يلي محمد بن سليمان أقلهم، وكان جلهم خرجوا مما يلي موسى بن عيسى وأصحابه؛ فكانت الصدمة بهم؛ فلما فرغ محمد بن سليمان ممن يليه وأسفروا، نظروا إلى الذين يلون موسى بن عيسى؛ فإذا هم مجتمعون كأنهم كبة غزل، والتفت الميمنة والقلب عليهم، وانصرفوا نحو مكة لا يدرون ما حال الحسين؛ فما شعروا وهم بذي طوىً أو قريبًا منها إلا برجل من أهل خراسان، يقول: البشرى البشرى! هذا رأس حسين، فأخرجه وبجبهته ضربة طولًا، وعلى قفاه ضربة أخرى؛ وكان الناس نادوا بالأمان حيث فرغوا، فجاء الحسن بن محمد أبو الزفت مغمضًا إحدى عينيه، وقد أصابها شيء في الحرب، فوقف خلف محمد والعباس، واستدار به موسى بن عيسى وعبد الله بن العباس. فأمر به فقتل، فغضب محمد بن سليمان من ذلك غضبًا شديدًا. ودخل محمد بن سليمان مكة من طريق والعباس بن محمد من طريق، واحتزت الرؤوس؛ فكانت مائة رأس ونيفًا؛ فيها رأس سليمان بن عبد الله بن حسن وذلك يوم التروية، وأخذت أخت الحسين، وكانت معه فصيرت عند زينب بنت سليمان، واختلطت المنهزمة بالحجاج، فذهبوا، وكان سليمان بن أبي جعفر شاكيًا فلم يحضر القتال، ووافى عيسى بن جعفر الحج تلك السنة؛ وكان مع أصحاب حسين رجل أعمى يقص عليهم فقتل، ولم يقتل أحد منهم صبرًا.
قال الحسين بن محمد بن عبد الله: وأسر موسى بن عيسى أربعة نفر من أهل الكوفة، ومولى لبنى عجل آخر.
قال محمد بن صالح: حدثني محمد بن داود بن علي، قال: حدثنا موسى بن عيسى، قال: قدمت معي بستة أسارى فقال لي الهادي: هيه! تقتل أسيري! فقلت يا أمير المؤمنين، إني فكرت فيه فقلت: تجيء عائشة وزينب إلى أم أمير المؤمنين، فتبكيان عندها وتكلمانها، فتكلم له أمير المؤمنين فيطلقه. ثم قال: هات الأسرى، فقلت: إني جعلت لهم العهد والمواثيق بالطلاق والعتاق، فقال: ائتني بهم، وأمر باثنين فقتلا، وكان الثالث منكرًا، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ هذا أعلم الناس بآل أبي طالب؛ فإن استبقيته دلك على كل بغية لك، فقال: نعم والله يا أمير المؤمنين؛ إني أرجو أن يكون بقائي صنعًا لك. فأطرق ثم قال: والله لإفلاتك من يدي بعد أن وقعت في يدي لشديد؛ فلم يزل يكلمه حتى أمر به أن يؤخر، وأمره أن يكتب له طلبته، وأما الآخر فصفح عنه، وأمر بقتل عذافر الصيرفي وعلي بن السابق القلاس الكوفي، وأن يصلبا، فصلبوهما بباب الجسر، وكانا أسرا بفخ. وغضب على مبارك التركي، وأمر بقبض أمواله وتصييره في ساسة الدواب، وغضب على موسى بن عيسى لقتله حسن بن محمد، وأمر بقبض أمواله.
وقال عبد الله بن عمر الثلجي: حدثني محمد بن يوسف بن يعقوب الهاشمي، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى، قال: أفلت إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب من وقعة فخ في خلافة الهادي، فوقع إلى مصر، وعلى بريد مصر على البريد إلى أرض المغرب، فوقع بأرض طنجة بمدينة يقال لها وليلة، فاستجاب له من بها وبأعراضها من البربر، فضرب الهادي عنق واضح وصلبه.
ويقال: إن الرشيد الذي ضرب عنقه، وأنه دس إلى إدريس الشماخ اليمامي مولى المهدي، وكتب إلى إبراهيم بن الأغلب عامله على إفريقية، فخرج حتى وصل إلى وليلة وذكر أنه متطبب، وأنه من أوليائهم، ودخل على إدريس فأنس به واطمأن إليه؛ وأقبل الشماخ يريه الإعظام له والميل إليه والإيثار له فنزل عنده بكل منزلة. ثم إنه شكا إليه علة في أسنانه، فأعطاه سنونًا مسمومًا قاتلًا، وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر لليلته؛ فلما طلع الفجر استن إدريس بالسنون، وجعل يرده في فيه، ويكثر منه، فقتله. وطلب الشماخ فلم يظفر به، وقدم على إبراهيم بن الأغلب فأخبره بما كان منه، وجاءته بعد مقدمه الأخبار بموت إدريس؛ فكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك، فولى الشماخ بريد مصر وأجاره، فقال بعض الشعراء - أظنه الهنازي:
أتظن يا إدريس أنك مفلت ** كيد الخليفة أو يفيد فرار
فليدركنك أو تحل ببلدة ** لا يهتدي فيها إليك نهار
إن السيوف إذا انتضاها سخطه ** طالت وقصر دونها الأعمار
ملك كأن الموت يتبع أمره ** حتى يقال: تطيعه الأقدار
وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن الحسين بن علي لما خرج بالمدينة وعليها العمري لم يزل العمري متخفيًا مقام الحسين بالمدينة، حتى خرج إلى مكة. وكان معه الهادي وجه سليمان بن أبي جعفر لولاية الموسم، وشخص معه من أهل بيته ممن أراد الحج العباس بن محمد وموسى بن عيسى وإسماعيل بن عيسى بن موسى في طريق الكوفة، ومحمد بن سلمان وعدة من ولد جعفر بن سليمان على طريق البصرة، ومن الموالي مبارك التركي والمفضل الوصيف وصاعد مولى الهادي - وكان صاحب الأمر سليمان - ومن الوجوه المعروفين يقطين بن موسى وعبيد بن يقطين وأبو عمر بن مطرف؛ فاجتمعوا عند الذي بلغهم من توجه الحسين ومن معه إلى مكة، ورأسوا عليهم سليمان بن أبي جعفر لولايته؛ وكان قد جعل أبو كامل مولى إسماعيل على الطلائع، فلقوه بفخ، وخلفوا عبيد الله بن قثم بمكة للقيام بأمرها وأمر أهلها؛ وقد كان العباس بن محمد أعطاهم الأمان على ما أحدثوا، وضمن لهم الإحسان إليهم والصلة لأرحامهم؛ وكان رسولهم في ذلك المفضل الخادم، فأبوا قبول ذلك، فكانت الوقعة، فقتل من قتل، وانهزم الناس، ونودي فيهم بالأمان، ولم يتبع هارب؛ وكان فيمن هرب يحيى بن وإدريس ابنا عبد الله بن حسن؛ فأما إدريس فلحق بتاهرت من بلاد المغرب، فلجأ إليهم فأعظموه؛ فلم يزل عندهم إلى أن تلطف له، واحتيل عليه، فهلك، وخلفه ابنه إدريس بن إدريس؛ فهم إلى اليوم بتلك الناحية مالكين لها، وانقطعت عنهم البعوث.
قال المفضل بن سليمان: لما بلغ العمري وهو بالمدينة مقتل الحسين بفخ وثب على دار الحسين ودور جماعة من أهل بيته وغيرهم ممن خرج مع الحسين، فهدمها وحرق النخل، وقبض ما لم يحرقه، وجعله في الصوافي المقبوضة. قال: وغضب الهادي على مبارك التركي لما بلغه من صدوده عن لقاء الحسين بعد أن شارف المدينة، وأمر بقبض أمواله وتصييره في سياسة دوابه؛ فلم يزل كذلك إلى وفاة الهادي، وسخط على موسى بن عيسى لقتله الحسن بن محمد بن عبد الله أبي الزفت؛ وتركه أن يقدم به أسيرًا، فيكون المحكم في أمره، وأمر بقبض أمواله، فلم تزل مقبوضة إلى أن توفي موسى. وقدم على موسى ممن أسر بفخ الجماعة، وكان فيهم عذافر الصيرفيوعلي بن سابق القلاس الكوفي، فأمر بضرب أعناقهما وصلبهما بباب الجسر ببغداد؛ ففعل ذلك. قال: ووجه مهرويه مولاه إلى الكوفة، وأمره بالتغليظ عليهم لخروج من خرج منهم مع الحسين.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)