يريد الخالق الرزق اشتراكا *** وإن يك خص أقواما وحابى
39
فما حرم المجد جنى يديه *** ولا نسي الشقي ولا المصابا
40
ولولا البخل لم يهلك فريق *** على الأقدار تلقاهم غضابا
41
تعبت بأهله لوما وقبلي *** دعاة البر قد سئموا الخطابا
42
ولو أني خطبت على جماد *** فجرت به الينابيع العذابا
43
ألم تر للهواء جرى فأفضى *** إلى الأكواخ واخترق القبابا
44
وأن الشمس في الآفاق تغشى *** حمى كسرى كما تغشى اليبابا
45
وأن الماء تروى الأسد منه *** ويشفي من تلعلعها الكلابا
46
وسوى الله بينكم المنايا *** ووسدكم مع الرسل الترابا
47
وأرسل عائلا منكم يتيما *** دنا من ذي الجلال فكان قابا
48
نبي البر بينه سبيلا *** وسن خلاله وهدى الشعابا
49
تفرق بعد عيسى الناس فيه *** فلما جاء كان لهم متابا
50
وشافي النفس من نزعات شر *** كشاف من طبائعها الذئابا
51
وكان بيانه للهدي سبلا *** وكانت خيله للحق غابا
52
وعلمنا بناء المجد حتى *** أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
53
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
54
وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
55
تجلى مولد الهادي وعمت *** بشائره البوادي والقصابا
56
وأسدت للبرية بنت وهب *** يدا بيضاء طوقت الرقابا
57
لقد وضعته وهاجا منيرا *** كما تلد السماوات الشهابا
58
فقام على سماء البيت نورا *** يضيء جبال مكة والنقابا
59
وضاعت يثرب الفيحاء مسكا *** وفاح القاع أرجاء وطابا
60
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا
61
فما عرف البلاغة ذو بيان *** إذا لم يتخذك له كتابا
62
مدحت المالكين فزدت قدرا *** فحين مدحتك اقتدت السحابا
63
سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجابا
64
وما للمسلمين سواك حصن *** إذا ما الضر مسهم ونابا
65
كأن النحس حين جرى عليهم *** أطار بكل مملكة غرابا
66
ولو حفظوا سبيلك كان نورا *** وكان من النحوس لهم حجابا
67
بنيت لهم من الأخلاق ركنا *** فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
68
وكان جنابهم فيها مهيبا *** وللأخلاق أجدر أن تهابا
69
فلولاها لساوى الليث ذئبا *** وساوى الصارم الماضي قرابا
70
فإن قرنت مكارمها بعلم *** تذللت العلا بهما صعابا
71
وفي هذا الزمان مسيح علم *** يرد على بني الأمم الشبابا