









بساط يساوى جريبا
ولما قسم سعد الفيء أخذ يسأل بعد القسم وإخراج الخمس [ عن ] القطف، فلم تعدل قيمته، فقال للمسلمين: « هل لكم في أن نطيب نفسا عن أربعة أخماسه ونبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى، فانّا لا نراه ينفق بيننا؟ » فقالوا: « نعم، هاء الله إذا. » فبعث. وكان ستّين ذراعا في ستّين ذراعا، بساطا واحدا مقدار جريب، فيه طرق كالصور، وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدير، وفي حافاته كالأرض المزروعة المبقلة بالنبات، وعليه ما كانوا يعدّونه في الشتاء، إذا ذهبت الرياحين، وكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه، وكأنّهم في رياض، لأنّ الأرض - أرض البساط - مذهّب، ووشيه فصوص، وعليه قضبان الذهب، عليها أنوار من الذهب والفضة، وأوراق كذلك من حرير قد أجرى فيه ماء الذهب، وكانت العرب تسميه القطف.
فلما قدم به على عمر جمع الناس، وخطبهم، واستشارهم في البساط، وأخبرهم خبره. فاختلف عليه الناس، فمن مشير بقبضه وآخر مفوّض إليه، وآخر مرقّق.
فقام عليّفقال: « لم تجعل علمك جهلا، ويقينك شكّا؟ إنّك إن تقبله على هذا، اليوم، لم تعدم في غد من يستحلّ به ما ليس له. » فقال: « صدقتني ونصحتني. » فقطعه وقسمه. وأصاب عليّا قطعة منه باعها بعشرين ألفا، وما هي بأجود تلك القطع.
زي كسرى على محلم
ولما عرض على عمر - رضي الله عنه - حليّ كسرى وزيّه في المباهاة - وكانت له عدّة أزياء لكلّ حالة زيّ - قال: « عليّ بمحلّم. » وكان أجسم عربيّ يومئذ بالمدينة، فألبس تاج كسرى على عمودين من خشب وصبّ عليه أوشحته وقلائده وثيابه، وأجلس للناس. فنظر إليه عمر والناس، فرأوا أمرا عظيما من أمر الدنيا وفتنتها. ثم أقيم عن ذلك، وألبس زيّه الآخر، فنظروا إليه، ثم كذلك في غير نوع حتى أتى عليها كلّها، ثم ألبسه سلاحه، وقلّده سيفه، فنظروا إليه في ذلك.
فقال عمر: « إنّ أقواما أدّوا هذا لذوو أمانة. » قال: « أحمق بامرئ من المسلمين غرّته الدنيا، هل يبلغنّ مغرور منها إلّا دون هذا؟ وما خير امرئ مسلم سبقه كسرى فيما يضرّه ولا ينفعه. إنّ كسرى لم يزد على أن تشاغل بما أوتى عن آخرته، فجمع لزوج امرأته، أو زوج ابنته، أو امرأة ابنه، ولم يقدّم لنفسه، فقدّم امرؤ لنفسه، ووضع الفضول مواضعها تحصل له، وإلّا حصلت للثلاثة بعده، وأحمق من جمع لهم أو لعدوّ جارف. »
وقعة جلولاء
ثم إنّ سعدا أتاه الخبر بأنّ مهران قد عسكر بجلولاء وخندق عليه، وأنّ أهل الموصل قد عسكروا بتكريت. وكتب إلى عمر بذلك. فكتب إليه عمر:
« قدّم هاشما إلى جلولاء في اثنى عشر ألفا من وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن ارتدّ، ومن لم يرتدّ، واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو. »
وكان الفرس لما انتهوا بعد الحرب من المدائن إلى جلولاء، رأوا الطريق يفترق بأهل آذربيجان والباب وبأهل الجبال وفارس. فتذامروا، وقال بعضهم لبعض:
« يا معشر الفرس، إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، هذا مكان يفرّق بيننا، فهلمّوا، فلنجتمع للعرب به، ولنقاتلهم بجميع عزائمنا. فإن كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت الأخرى، كنّا قد أبلينا العذر. »
فاحتفروا الخندق، واجتمعوا فيه، على مهران، ونفذ يزدجرد إلى حلوان، ورماهم بالرجال، وخلّف فيهم الأموال. فأقاموا في خندقهم وقد أحاطوا به الحسك من الخشب إلّا طرقهم.
فلمّا قدم هاشم أحاط بهم، وطاولهم أهل فارس، وكانوا لا يخرجون إلّا إذا أرادوا. وزاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفا كلّ ينصر المسلمون، ويغلب المشركون، حتى غلبوهم على حسك الخشب، فاتخذوا حسك الحديد، وتركوا للمجال وجها. فخرجوا على المسلمين منه، واقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير، إلّا أنّه كان أكمش وأعجل، ولم ير المسلمون ولا المشركون مثله في موطن قطّ حتى أنفذوا النبل، وقصفوا الرماح، وصاروا إلى السيوف والطبرزينات، فكانوا بذلك إلى بين الصلاتين، وصلّى الناس إيماء.
ثم خنست كتيبة للمشركين وجاءت أخرى، فوقفت مكانها، ثم كذلك، فكسر المسلمين ما رأوا.
فقال القعقاع بن عمرو: « أيها الناس، أهالتكم هذه؟ » فقالوا: « وكيف لا يهولنا ونحن مكلّون وهم مريحون. » فقال القعقاع: « اصبروا إلى الساعة، فإني حامل عليهم، فاحتملوا معي ولا يكذّبنّ أحد حتى يحكم الله بيننا. » ثم حمل، وحمل معه الناس، وانتهى بالقعقاع وجهه الذي زاحف فيه إلى باب خندقهم، فأخذه. وأمر مناديا فنادى: « يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل الخندق وأخذ به، فأقبلوا إليه، ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله. » وإنّما أمر بذلك ليقوّى المسلمين به، ولئلّا يتحاجزوا. فحمل المسلمون ولا يشكّون إلّا أنّ هاشما في الخندق. فلم يقم لحملتهم شيء، حتى انتهوا إلى باب الخندق فإذا هم بالقعقاع قد أخذ به، والمشركون يمنة ويسرة على المجال الذي بحيال خندقهم. فهلكوا فيما أعدّوا للمسلمين من الحسك، وعقرت دوابّهم وعادوا رجّالة، ويتّبعهم المسلمون. فلم يفلت إلّا من لا يعدّ، وقتل منهم يومئذ مائة ألف أو يزيدون، فجلّلت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسمّيت: « جلولاء الوقيعة ». واقتسم الناس في جلولاء مثل ما اقتسموا في المدائن. ويقال: إنّهم اقتسموا على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس منه ستة ألف ألف. واقتسم السبايا، فاتخذن، وولدن في المسلمين.
استيذان عمر في الإنسياح
ولما بلغت الهزيمة يزدجرد، سار من حلوان نحو الجبل، وقدم القعقاع حلوان.
وكوتب عمر بفتح جلولاء ونزول القعقاع حلوان، واستأذنوه في اتّباعهم، فقال: « وددت أن بين السواد وبين الجبل سدّا من نار لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم. حسبنا من الريف السواد. إني قد آثرت سلامة المسلمين على الأنفال. » وبعث بالأخماس مع جماعة فيهم زياد بن أبي سفيان، وكان هو الذي يكتب للناس ويدوّنهم.
فلمّا قدموا على عمر، كلّم زياد عمر فيما جاء له من الاستيذان في التقدّم، ووصف له الحال.
فقال عمر: « هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلّمتنى به؟ » فقال: « والله، ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك! » فقام في الناس بما أصابوا، وبما صنعوا، وبجميع ما يستأذنون فيه من الإنسياح في البلاد.
فقال عمر: « هذا الخطيب المصقع. » وقال: « إنّ جندنا بالفعال أطلقوا ألسنتنا بالمقال. » ثم إنّ عمر لما نظر إلى الأخماس المحمولة من جلولاء قال: « والله، لا يحمّنّه سقف بيت حتى أقسمه. » فبات عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن الأرقم يحرسانه في سقف المسجد.
فلمّا أصبح جاء في الناس، فكشف عنه الأنطاع. فلمّا نظر إلى ياقوته، وزبرجده، وجوهره، بكى.
فقال له عبد الرحمن: « ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله، إنّ هذا لموطن شكر وسرور. »
فقال عمر: « ما ذا يبكيني؟ والله، ما أعطى الله هذا قوما إلّا تحاسدوا، وتباغضوا. ولا تحاسدوا إلّا وقع بأسهم بينهم. » ولما فرض عمر العطاء، قال قائل: « يا أمير المؤمنين، لو تركت في بيوت الأموال عدّة لكون إن كان. » فقال: « كلمة ألقاها الشيطان على فيك، وقاني الله شرّها، وهي فتنة لمن بعدي. بل أعدّ لهم ما أعدّ الله ورسوله. طاعة الله ورسوله، فهما عدّتنا التي بها أفضينا إلى ما ترون. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)