









« أتحلفون أنّ خالدا ما أودعكم ما لا ولا له قبلكم حقّ فقال زيد:
« أنّى يودعنى هذا مالا وهو يشتم آبائي على منبره؟ » وسكت القوم. ثم التفتوا بأجمعهم إلى خالد وقالوا:
« ما دعاك إلى ما صنعت؟ » قال:
« إنّه أغلظ عليّ في العذاب، فادّعيت ما ادّعيت، وأمّلت أن يأتى الله بفرج قبل قدومكم. » فأطلقهم يوسف، فمضوا، وتخلّف بالكوفة زيد بن عليّ وداود.
إقبال الشيعة إليه
وأقبلت الشّيعة تختلف إلى زيد ويوسف يأمره بالخروج، وهو يعتلّ عليه.
وبلغ ذلك هشاما. فكتب إلى يوسف:
« إنّه بلغني أنّ زيدا يحتجّ عليك في مقامه بخصومة بينه وبين بعض آل طلحة في مال بينه وبينهم بالمدينة، فليقم جريّا يقوم مقامه. » وأزعجه، وقد كان بايعه سلمة بن كهل، ونصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري وناس من وجوه أهل الكوفة. فلمّا رأى ذلك داود بن عليّ قال:
« يا ابن عمّ، لا يغرّنك هؤلاء من نفسك. ففي أهل بيتك لك عبرة. » وذكّره بأيّام عليّ وأيّام الحسن والحسين، ولم يزل به حتى أخرجه معه، فشخصا حتى بلغا القادسيّة. فاتبعه شيعته حتى بلغوا الثعلبية، وقالوا له:
نحن أربعون ألفا، وإن رجعت إلى الكوفة لم يتخلّف عنك أحد. » فجعل يقول:
« إني أخاف أن تخذلوني وتسلّمونى كما فعلتم بأبي وجدّى. »
فيحلفون له ويعطونه المواثيق والأيمان المغلّظة، ويقول له داود:
« يا بن عمّ، هكذا قالوا لأبيك وجدّك، ثم لم يفوا. » فقال لزيد:
« إنّ هذا لا يحبّ أن تظهر أنت، ويزعم أنّه وأهل بيته أحقّ بهذا الأمر منكم. »
رجوع زيد إلى المدينة
ولم يزالوا عليه بهذا الكلام ونحوه حتى انصرف معهم إلى الكوفة. فأتاه سلمة بن كهل، فاستأذن عليه، فأذن له. فذكر قرابته برسول اللهوحقّه، فأحسن. ثم تكلّم زيد فأحسن.
فقال سلمة:
« اجعل لي الأمان حتى أقول. » قال:
« سبحان الله! ومثلك يسأل مثلي الأمان؟ » وإنّما أراد سلمة أن يسمع ذلك أصحابه.
ذكر رأي أشار به سلمة على زيد فلم يقبله
فقال:
« نشدتك الله، كم بايعك؟ » قال:
« أربعون ألفا. » قال:
« فكم بايع جدّك؟ » قال:
« ثمانون ألفا. » قال:
« فكم حصل معه؟ » قال:
« ثلاثمائة. » قال:
« نشدتك الله، أأنت خير أم جدّك؟ » قال:
« بل جدّى. » قال:
« أفقرنك الّذين خرجت فيهم خير، أم القرن الّذين خرج فيهم جدّك؟ » قال:
« بل القرن الّذين خرج فيهم جدّى. » قال:
« أفتطمع أن يفي لك هؤلاء، وقد غدر أولئك بجدّك؟ » قال:
« إنّهم بايعوني، ووثّقوا لي. » قال:
« فتأذن لي أن أخرج من البلد؟ » قال:
« ولم؟ » قال:
« آمن أن يحدث في أمرك حدث، فلا أملك نفسي. » قال:
« وقد أذنت لك. » فخرج إلى اليمامة.
كتاب عبد الله بن الحسن إلى زيد
وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب إلى زيد:
« يا بن عمّ، إنّ أهل الكوفة نفج العلانية، خوز السّريرة، تقدّمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم. ولقد تواترت إليّ كتبهم، فصممت عن ندائهم، وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم، يأسا منهم، واطّراحا لهم، وما لهم مثل إلّا ما قال علي بن أبي طالب»
وذكّره بأشياء قالها في أهل العراق.
[ كيف كانت بيعة زيد ]
واستخفى زيد بالكوفة وبثّ دعاته، وأخذ يتنقّل من موضع إلى موضع ويبايع من استجاب له. وكانت بيعته:
« إني أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيهوجهاد الظّالمين، والدّفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسّواء، وردّ المظالم، وإقفال المجمّر، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا. أتبايعون على ذلك؟ » فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يده، ثم يقول:
« عليك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسولهلتفينّ ببيعتي، ولتقاتلنّ معي عدوّى، ولتنصحنّ لي في السّر والعلانية. » فإذا قال: نعم، مسح يده على يده، ثم قال:
« اللهمّ اشهد. » فمكث بذلك عشر شهرا، وبلغ هشاما خبر رجوعه إلى الكوفة بعد خروجه منها. ولم يبلغ ذلك يوسف بن عمر، وظنّ أنّه استمرّ في خروجه إلى المدينة.
كتاب هشام إلى يوسف بن عمر في أمر زيد بن علي
فكتب هشام إلى يوسف بن عمر في أمر زيد كتابا نسخته:
« أمّا بعد، فقد علمت حال الكوفة في حبّهم أهل هذا البيت، ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم، لأنّهم افترضوا طاعتهم على أنفسهم، وضيّقوا عليهم شرائع دينهم، ونحلوهم علم ما هو كائن، حتى حملوهم من تفريق الجماعة على حال استخفّوهم فيها إلى الخروج، وقد كان قدم زيد بن عليّ على أمير المؤمنين في خصومة له، فرأى رجلا جدلا لسنا خليقا بتمويه الكلام وصوغه واجترار الرّجال بحلاوة لسانه وكثرة مخارجه في حججه، وما يدلى به عند لدد الخصام من السّطوة على الخصم بالقوّة الحادّة لنيل الفلج. فعجّل إشخاصه إلى الحجاز، ولا تخلّه والمقام قبلك، فإنّه إن أعاره القوم أسماعهم فحشّاها من لين لفظه وحلاوة منطقه مع ما يدلى به من القرابة برسول اللهوجدّهم [ غير متئدة قلوبهم، ولا ساكنة أحلامهم، ولا مصونة عندهم أديانهم ]، ميّلا إليه، وبعض التحامل عليه في أذى له [ وإخراجه وتركه ] مع السّلامة للجميع، والحقن للدماء، والأمن للفرقة، أحبّ إليّ من أمر فيه سفك دمائهم، وانتشار كلمتهم، وقطع سبلهم، والجماعة حبل الله المتين، ودين الله القويم، وعروته الوثقى. فادع إليك اشراف أهل المصر، فأوعدهم العقوبة في الأبشار، واستصفاء الأموال. فإنّ من له عقد أو عهد منهم سيبطئ عنه، ولا يخفّ معه إلّا الرّعاع وأهل السّواد ومن تنهضه الحاجة استلذاذا للفتنة، [ وأولئك ممّن يستعبد إبليس وهو يستعبدهم ] فبادهم بالوعيد، واعضضهم بسوطك، وجرّد منهم سيفك، وأخف الأشراف قبل الأوساط، والأوساط قبل السّفلة. واعلم أنّك قائم على باب ألفة، وداع إلى طاعة، وحاضّ على جماعة، ومشمّر لدين الله، فلا تستوحش لكثرتهم، واجعل معقلك الّذى تأوى إليه، وصغوك الّذى تخرج به، الثّقة بربّك والغضب لدينك والمحاماة على الجماعة ومناصبة من أراد كسر هذا الباب الّذى أمرهم الله، عز وجل، بالدّخول فيه، والتشاحّ، عليه، فإنّ أمير المؤمنين قد أعذر إليه، وقضى من ذمامه، فليس له منزى إلى ادّعاء حقّ هو له، ظلمه من نصبه في فيء أوصله لذي قربى، إلّا ما خاف أمير المؤمنين من حمل مدرة السّوء له، على الّذى عسى أن يكونوا به أشقى وبه أضلّ، ولهم أمرّ، ولأمير المؤمنين أعزّ وأسهل، إلى حياطة الدّين والذبّ عنه، فإنّه لا يحبّ أن يرى في أمّته حالا متفاوتا، نكالا لهم مفتنا. فهو يستديم النّظر، ويتأتّى للرّشاد، ويجتبيهم، على المخاوف، ويستجرّهم إلى المراشد، ويعدل بهم عن المهالك، فعل الوالد المشفق على ولده، والرّاعى الحدب على رعيّته. واعلم أنّ من حجّتك عليهم، واستحقاق نصر الله لك عند معاندتهم، توفيتك أطماعهم وأعطية ذرّيّتهم، ونهيك جندك أن ينزلوا حريمهم ودورهم. فانتهز رضا الله في ما أنت بسبيله، فإنّه ليس ذنب أسرع تعجيل عقوبة من بغى، وقد أوقعهم الشّيطان، ودلّاهم فيه، ودلّهم عليه، والعصمة بتارك البغي أولى. فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم وعلى غيرهم من رعيّته ويسأل إليه ومولاه ووليّه أن يصلح منهم ما كان فاسدا، وأن يسرع بهم إلى النّجاة والفوز، إنّه سميع قريب. » فبعث يوسف في طلب زيد، فأرشد إلى من يعرف خبره، وجاءه سليمان بن سراقة البارقي، فأخبره أنّه يختلف إلى ابن أخت له، فطلبه يوسف هناك، فلم يوجد عنده، وجاء بالرّجل. فلمّا كلّمه استبان له أمر زيد وأصحابه، وتخوّف زيد أن يؤخذ، فأخذ في التّعجيل.
نكث بيعة زيد
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)