









وفيها كانت وفاة هشام بن عبد الملك. وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر، وسنّة خمس وخمسون سنة. فتحدّث سالم قال:
« خرج علينا هشام بن عبد الملك يوما وهو كئيب، يعرف ذلك في وجهه، مسترخ ثيابه، قد أرخى عنان دابّته. فلمّا سار ساعة انتبه، فجمع ثيابه وأخذ بعنان دابّته، وقال للرّبيع:
« أدع الأبرش. » فسار بيني وبين الأبرش فقال له الأبرش:
« يا أمير المؤمنين، لقد رأيت منك اليوم ما غمّنى. » قال:
« وما هو؟ » فوصف حاله. قال:
« وكيف لا أكون كذلك وقد زعم أهل العلم أنّى ميّت إلى ثلاثة وثلاثين يوما؟ » قال سالم: فلمّا عدت إلى منزلي كتبته في قرطاس: زعم أمير المؤمنين يوم كذا أنّه يسافر إلى ثلاثة وثلاثين يوما. فمات في اليوم الثّالث والثّلاثين.
قال: فأغلق الخزّان الأبواب لما سنذكره. فطلبوا قمقما يسخن فيه الماء لغسله. فما وجد، حتى استعاروه من بعض الجيران.
فقال الحاضرون:
« إنّ في هذا لمعتبرا لمن اعتبر. » وكانت وفاته بالذّبحة.
ذكر بعض سيرة هشام
حكى عقّال بن شبّة قال: دخلت على هشام حين وجّهنى إلى خراسان وعليه قباء أخضر عليه فنك. فجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء وأتأمّله. ففطن وقال:
« مالك؟ » قلت:
« إني رأيت عليك قبل أن تلى الخلافة قباء فنك أخضر، فأنا أتأمّل هل هو ذاك. » قال:
« هو - والله الّذى لا إله غيره - ذاك. ما لي قباء غيره وما ترون من جمعى هذا المال وصونه إلّا لكم. » وكان عقّال يقول: دخلت على هشام، فرأيت رجلا محشوّا عقلا.
ولم يكن يسير أيّام هشام أحد في موكب إلّا مسلمة بن عبد الملك. ورأى هشام يوما سالما في موكب. فزجره وقال:
« لا أعلمنّ متى سرت في موكب! » فكان بعد ذلك إذا قدم الرّجل الغريب، فسار مع سالم، وقف له سالم ويقول: حاجتك؟ ويمنعه أن يسير معه. هذا وسالم يرى كأنّه هو أمرّ هشاما.
ولم يكن أحد يأخذ العطاء إلّا ألزمه الغزو، فمنهم من يغزو، ومنهم من يخرج بديلا.
وولّى هشام بعض مواليه ضيعة، فعمرها، فجاءت بغلّة كثيرة، ثم عمرها أيضا، فأضعفت الغلّة، وبعث بها مع ابنه فجزاه خيرا ووجد ابن هذا المولى منه انبساطا، فقال:
« يا أمير المؤمنين، إنّ لي حاجة. » قال:
« ما هي؟ » قال:
« زيادة عشرة دنانير في العطاء. » فقال:
« ما يخيّل إلى أحدكم عشرة دنانير زيادة إلّا بقدر الجوز. لا لعمري، لا أفعل. »
وقال غسّان بن عبد الحميد: لم يكن أحد من بنى مروان أشدّ نظرا، ولا أشدّ مبالغة في الفحص عن أمور أصحابه ودواوينه من هشام.
وكان أقطع هشام قبل الخلافة أرضا يقال لها: دورين. فلمّا أرسل في قبضها، وجدها خرابا. فقال لكاتب كان بالشّام يقال له. دويد: « ويحك! كيف الحيلة؟ » قال:
« ما تجعل لي؟ » قال:
« خمسمائة دينار. » فكتب دويد دورين وقراها. ثم أمضاها في الدّواوين، فأخذ شيئا كثيرا.
فلمّا ولى هشام دخل عليه دويد. فقال:
« يا دويد، دورين وقراها لا والله، لا تلى لي ولاية أبدا. » فأخرجه من الشّام.
وقال له بعض آل مروان يوما:
« أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبان؟ » قال:
« ولم لا أطمع، وأنا عليم عفيف سائس؟ » وأتى هشاما محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب فقال:
« ما لك عندي شيء. » ثم قال:
« إيّاك أن يغرّك أحد فيقول: لم يعرفك أمير المؤمنين. أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب. فلا تقيمنّ وتنفق ما معك. فليس عندي صلة.
فبادر، والحق بأهلك! » وحجّ هشام، فأخذ الأبرش مخنّثين معهم برابط. فقال هشام:
« احبسوهم وبيعوا متاعهم هذا وما أدري ما هو، وصيّروا ثمنه في بيت المال، فإذا صلحوا فردّوا الثّمن عليهم. » وكان هشام ينزل الرّصافة. وكان سبب ذلك أنّ الخلفاء وأبناءهم كانوا يهربون من الطاعون، فينزلون البرّيّة. فعزم هشام على نزول الرّصافة. فقيل له:
« لا تخرج، فإنّ الخلفاء لا يطعنون، لم نر خليفة طعن! » فقال:
« أفتريدون أن تجرّبوا بي؟ » فخرج إلى الرّصافة، وهي برّيّة. فابتنى بها قصرين. والرّصافة كانت مدينة روميّة بنتها الرّوم في القديم، ثم خربت.
وبعث يوسف بن عمر إلى هشام بياقوتة حمراء يخرج طرفاها من كفّ القابض، وحبّة لؤلؤ أعظم ما يكون الحبّ على يد كاتبه قحذم.
قال: فدخلت عليه، ودنوت منه، فلم أر وجهه من طول السّرير وكثرة الفرش. فتناول الحجر والحيّة فقال:
« أكتب معك وزنهما. » قلت:
« يا أمير المؤمنين، هما أجلّ من أن يكتب بوزنهما ومن أين يوجد مثلهما؟ » قال:
« صدقت. » وكانت الياقوتة لجارية خالد بن عبد الله القسري ويقال لها: رائقة، اشترتها بثلاثة وسبعين ألف دينار.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)