









خطب يزيد بن الوليد الناس بعد قتل الوليد فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
« أيّها الناس إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء لنفسي. إني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربّى ولكني خرجت غضبا لله ورسوله ودينه، وداعيا إلى الله وكتابه وسنّة نبيه لمّا هدمت معالم الهدى وأطفئ نور أهل التقوى وظهر الجبّار العنيد المستحلّ لكلّ حرمة والراكب كلّ بدعة مع أنّه والله ما كان يصدّق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب وأنّه لابن عمّى في النسب وكفئى في الحسب.
فلمّا رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته ألّا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابنى من أهل ولايتي وسعيت فيه حتى أراح الله منه العباد والبلاد بحول الله وقوّته لا بحولي وقوّتى.
« أيّها الناس إنّ لكم عليّ ألّا أضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة، ولا أكرى نهرا، ولا أكنز مالا ولا أعطيه زوجة ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلد حتى أسدّ ثغر ذلك البلد، وخصاصة أهله بما يغنيهم فإن فضل فضل نقلته إلى البلد الذي يليه ممّن هو أحوج إليه ولا أجمركم على ثغوركم فأفتنكم وأفتن عليكم أهليكم ولا أغلق بابى دونكم، فيأكل قوّيكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم ويقطع نسلهم، وإنّ لكم أعطياتكم عندي في كل سنة وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدرّ المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم. فإن أنا وفيت لكم بما قلت فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة وإن أنا لم أف لكم أن تخلعونى إلّا أن تستتيبونى فإن تبت قبلتم مني وإن علمتم أحدا ممّن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أوّل من يبايعه ويدخل في طاعته » « أيّها الناس، إنّه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ولا وفاء له بنقض عهد. إنّما الطاعة طاعة الله فمن أطاع فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع، فإذا عصى الله ودعا إلى معصيته، فهو أهل أن يعصى ويقتل. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. » ثم دعا إلى تجديد البيعة له فكان أوّل من بايعه الأفقم يزيد بن هشام وبايعه قيس بن هانئ فقال:
« يا أمير المؤمنين، اتّق الله ودم على ما أنت عليه فما قام مقامك أحد من أهل بيتك، وإن قالوا: عمر بن عبد العزيز، فأنت أخذتها بحبل صالح وإنّ عمر أخذها بحبل سوء. » فلمّا بلغ قوله مروان بن محمّد قال:
« ما له قاتله الله ذمّنا جميعا وذمّ عمر وحقدها. »
فلمّا ولى بعث رجلا وقال له:
« إذا دخلت مسجد دمشق فانظر قيس بن هانئ فإنّه طالما صلّى فيه فاقتله. » « فانطلق الرجل، فدخل المسجد، فرأى قيسا يصلّى، فقتله.
عزل يزيد يوسف بن عمر عن العراق وتولية منصور بن جمهور
وفي هذه السنة عزل يزيد بن الوليد يوسف بن عمر عن العراق وولّاها منصور بن جمهور. ولمّا استوسق أهل الشام ليزيد بن الوليد على الطاعة عزل يوسف عن العراق وولّاها منصور بن جمهور، فسار وهو سابع سبعة. فبلغ خبره يوسف بن عمر، فهرب وقدم منصور بن جمهور الحيرة في رجب، وكان منصور أعرابيّا جافيا غيلانيّ الرأي وإنّما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانيّة وحميه لقتل يوسف خالدا فلمّا ولّاه يزيد، وصّاه وقال:
« اتق الله وسر وأنت تستشعر التقوى، وأعلم إني إنّما قتلت الوليد لفسقه ولما أظهر من الجور، فلا تركب مثل ما قتلناه عليه. » فلمّا صار بالحيرة، كتب إلى سليمان بن سليم بن كيسان:
« أمّا بعد، فإن الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ الله بِقَوْمٍ سُوْءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ. وإنّ الوليد بدّل نعمة الله كفرا، فسفك الله دمه وعجّله إلى النار وولّى خلافته من هو خير منه وأحسن هديا وقد بايعه الناس. وولّى على العراق الحارث بن العبّاس بن الوليد وجّهنى العبّاس لأخذ يوسف وعمّاله، وقد نزل الأبيض وهو ورائي. فخذ يوسف وعمّاله ولا يفوتنّك منهم أحد فاحبسهم قبلك، وإيّاك أن تخالف فيحلّ بك وبأهل بيتك ما لا قبل لك ولهم به. فاختر لنفسك أو دع. » فلمّا ورد الكتاب على سليمان بن سليم مع كتب كتبها إلى جماعة من قوّاد الشام، أوصلت الكتب كلّها سليمان بن سليم وسئل أن يفرّقها في الجند.
فدخل سليمان على يوسف بن عمر، وأقرأه كتاب منصور إليه، فبعل به وقال:
« ما الرأي؟ » فقال:
« ليس لك إمام تقاتل معه ولا تقاتل أهل الشام، الحارث بن العبّاس معك، ولا آمن من منصور إن قدر عليك لما في نفسه من أجل خالد، وما الرأي إلّا أن تلحق بشامك. » قال:
« هو رأيي. فكيف الحيلة؟ » قال:
« تظهر الطاعة ليزيد، وتدعو له في خطبتك، فإذا قرب منصور بن جمهور وجّهت معك من أثق به. »
ففعل. فلمّا نزل منصور بحيث يصبّح البلد، خرج يوسف إلى منزل سليمان فأقام أيّاما ثم وجّه معه من أخذ به طريق السماوة حتى صار إلى البلقاء. وكان يوسف وجّه رجلا من بنى كلاب في خمسمائة وقال لهم:
« إن مرّ بكم يزيد بن الوليد نفسه فلا تدعنّه يجوز. » فأتاهم منصور بن جمهور في سبعة فلم يهيجّوه فانتزع سلاحهم منهم وأدخلهم الكوفة.
ولمّا بلغ يوسف البلقاء رفع خبره إلى يزيد بن الوليد فوجّه قائدا في خمسين رجلا وقال له:
« ائتني بيوسف. » فأتى البلقاء وطلبه في منزله فلم يجده ورأى ابنا فرهّبه. فقال:
« أنا أدلّك عليه. » وذهب به إلى مزرعة فوجدوه في ثياب النساء جالسا مع نسوة، فألقين عليه قطيفة خزّ، وجلسن على حواشيها حاسرات، فجرّوا برجله وأقبلوا به إلى يزيد، فلقيه عامل ليزيد على نوبة من نوائب الحرس، فأخذ بلحيته وهزّها ونتف بعضها - وكان من أعظم الناس لحية وأصغرهم قامة - فلمّا دخل على يزيد قبض على لحيته وكانت حينئذ تجوز سرّته وجعل يقول:
« نتف والله يا أمير المؤمنين لحيتي فما بقّى فيها شعرة. » فأمر يزيد بحبسه في الخضراء، فدخل عليه محمّد بن راشد فقال له:
« أما تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت فيلقى عليك حجرا فيقتلك؟ » قال:
« لا والله ما فطنت لهذا فنشدتك الله إلّا كلّمت أمير المؤمنين في تحويلي إلى محبس غير هذا وإن كان أضيق منه. » « ما غاب عنك من حمقه أكثر، وما حبسته إلّا لأردّه إلى العراق فيقام للناس وتؤخذ منه المظالم من ماله ودمه. » فأخبرت يزيد. فقال وأمّا منصور بن جمهور فإنّه فتح الخزائن وفرّق في الناس استحقاتهم وأحسن إلى جميعهم.
امتناع نصر بن سيار لعامل منصور بن جمهور
وفي هذه السنة امتنع نصر بن سيّار بخراسان لعامل منصور بن جمهور وكان يزيد بن الوليد قد ولّاها منصورا مع العراق.
ذكر الخبر عن ذلك
كنّا ذكرنا ما أعدّه نصر من الهدايا وشخوصه متوجّها إلى يوسف بن عمر بالعراق وتباطئه في سفره حتى ورد عليه الخبر بقتل الوليد. فحكى بشير بن نافع وكان على سكك العراق قال: لمّا أقبل منصور بن جمهور أميرا على العراق هرب يوسف بن عمر، فوجّه منصور أخاه منظور بن جمهور على الريّ، فأقبلت مع منظور إلى الريّ وقلت: اقدم على نصر فأخبره. لمّا وردت على نصر وأخبرته كان الخبر عنده، فأمر حميدا مولاه أن يحملني إلى عنده، وأكرمنى وأمر لي بجارية. ثم دخل إلى نصر قوم فيهم يونس بن عبد الله وعبيد الله بن هشام وسلم بن أحوز، فأرسل إليّ وقال: أخبرهم.
فلمّا أخبرتهم كذّبونى فقلت: أستوثق من هولاء. فلمّا مضت ثلاث وكّل بي ثمانين رجلا من الحرس، فأبطأ الخبر إلى الليلة التاسعة، ثم جاءهم الخبر ليلة النيروز على ما وصفت، فصرف عامّة تلك الهدايا إلى أربابها وأعتق الرقيق وقسّم روقة الجواري في ولده وخاصّته، وقسّم تلك الأوانى في الناس ووجّه العمّال وأمرهم بحسن السيرة.
وأرجفت الأزد بخراسان أن منظور بن جمهور قادم خراسان. فخطب نصر وقال في خطبته:
« إن جاءنا أمير ظنين قطعنا يديه ورجليه. » ثم باح به بعد وقال:
عدوّ الله المخذول المتبور. » وولّى نصر ربيعة واليمن وولّى كلّ من ظنّ عنده خيرا وأمرهم بحسن السيرة ودعا الناس إلى البيعة وكان نصر وليّ عبد الملك بن عبد الله السلمى خوارزم فخطبهم وقال في خطبته:
« والله ما أنا بالأعرابيّ الجلف، ولا القرويّ المستنبط، ولقد كدمتنى الأمور وكدمتها. أما والله لأضعنّ السيف موضعه، والسوط مضربه، والسجن مدخله. ثم لتجدنّى غشمشما أعشبى الشجر ولتستقيمنّ لي على الطريقة رقص البكارة في السّنن الأعظم، ولأصكّنّكم صكّ القطاميّ القطا القارب. »
وقوع اختلاف بخراسان
وفي هذه السنة وقع الاختلاف بخراسان بين اليمانية والنزارية.
وأظهر فيها الكرمانيّ الخلاف لنصر بن سيّار واجتمع مع كلّ واحد منهما جماعة لنصرته.
وفيها أظهر مروان بن محمّد الخلاف وكتب إلى الغمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد كتابا بليغا يأمره بالطلب بدم أخيه الوليد.
تولية عبد الله بن عمر العراق
وفيها عزل يزيد منصور بن جمهور عن العراق وولّاها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان. وكان عبد الله بن عمر هذا متألّها فدعاه يزيد بن الوليد وقال:
« إنّ أهل العراق يميلون إلى أبيك فسر إليها فقد ولّيتكها. » فلمّا شخص قدّم بين يديه رسلا وكتب إلى قوّاد الشام الّذين بالعراق، وخاف إلّا يسلّم منصور بن جمهور العمل، فانقاد له الكلّ، وسلّم منصور بن جمهور، وانصرف إلى الشام وفرّق عبد الله بن عمر عمّاله وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم. وكتب إلى نصر بعهده على خراسان. وكان المنجّمون ذكروا لنصر أنّ خراسان ستكون بها فتنة. فأمر نصر برفع حاصل بيت المال، وأعطى الناس بعض أعطياتهم ورقا وذهبا من الآنية التي كان اتّخذها للوليد بن يزيد.
وكان أوّل من تكلّم رجل من كندة أفوه طوال فقال:
« العطاء، العطاء. » فلمّا كانت الجمعة، أمر نصر رجلا من الحرس، فلبسوا السلاح، وفرّقهم في المسجد مخافة أن يتكلّم متكلّم، فقام الكنديّ فقال:
« العطاء، العطاء. » وقام مولى للأزد يلقّب أبا الشياطين فتكلّم، وقام آخرون فقالوا:
« العطاء، العطاء. » فقال نصر:
« عليكم بالطاعة والجماعة، اتّقوا الله واسمعوا ما توعظون. » فصعد سلم بن أحوز وهو على المنبر فكلّمه فقالوا:
« ما يغنى كلامك هذا شيئا. » ووثب أهل السوق إلى أسواقهم، فغضب نصر وقال:
« إيّاى والعصبيّة ما لكم عندي عطاء بعد يومكم هذا. » ثم قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)