









فلمّا وثب الجند بطاهر وطلبوا الأرزاق أحرقوا باب الأنبار الذي على الخندق وباب البستان، وشهروا السلاح ونادوا:
« موسى يا منصور. » وبقوا كذلك يومهم ومن الغد، فتبيّن صواب رأى طاهر في إخراج موسى وعبد الله. وكان طاهر انحاز ومن معه من القوّاد وتعبّأ لقتالهم ومحاربتهم.
فلمّا بلغ ذلك الوجوه والقوّاد ممّن شغّب صاروا إليه واعتذروا وأحالوا على سفهاء الجند وأحداثهم وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم والرضى وضمنوا له ألّا يعودوا لمكروهه ما أقام معهم.
وأتاه مشايخ الأرباض فحلفوا له بالمغلّظة من الأيمان أنّه لم يتحرّك في هذه الأيّام أحد من أبناء الأرباض، ولا كان ذلك عن رأيهم ولا أرادوه.
وضمنوا له أن يقوم له كلّ إنسان منهم في ناحيته بما يجب عليه حتى لا يأتيه من ناحيته أمر يكرهه.
وأتاه عميرة أبو شيخ بن عميرة الأسدى في مشيخة من الأبناء، فلقوه بمثل ذلك وأعلموه حسن رأى من خلفهم من الأبناء فطابت نفسه إلّا أنّه قال:
« والله ما اعتزلت عنهم إلّا لوضع السيف فيهم. وأقسم بالله لئن عدتم لمثلها لأعودنّ إلى رأيي فيكم ولأخرجنّ إلى مكروهكم. » فكسرهم بذلك وأمر لهم برزق أربعة أشهر وانصرف إلى معسكره بالبستان ودعا بوجوه أصحابه وفيهم سعيد بن مالك وقال:
« أنّه لا مال عندي وقد أطلقت للقوم أرزاقهم، فما الوجه؟ » فقال سعيد:
« أنا أحمل عشرين ألف دينار. » فطابت نفسه وحمل غيره حتى أرضى أصحابه وقال لسعيد:
« إني أقبلها على أن تكون دينا عليّ. » فقال: « بل هي هدية وقليله لغلامك وفيما أوجب الله من حقّك. » وسكن الجند.
وكانت خلافة محمد المخلوع نحو خمس سنين ينقص شهرين، وكان عمره كلّه ثمانيا وعشرين سنة، وكان سبطا أنزع أبيض أقنى جميلا طويلا أبعد ما بين المنكبين صغير العينين.
وذكر الموصلي أنّ طاهرا لمّا بعث برأس محمد إلى المأمون بكى ذو الرئاستين وقال:
« سلّ عليها سيوف الناس وألسنتهم أمرناه أن يبعث به أسيرا فبعث به عقيرا. » فقال له المأمون:
« أنّه قد مضى ما مضى فاحتل في الاعتذار منه. » وكتب الناس فأطالوا وجاء أحمد بن يوسف بشبر قرطاس فيه:
« أمّا بعد فإنّ المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرّق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة بمفارقته عصم الدين وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين. يقول الله عز وجل حين اقتصّ نبأ ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ولا طاعة لأحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت القطيعة في جنب الله وكتابي هذا إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع وردّاه رداء نكثه وأحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز له وعده وما ينتظر من صادق أمره حين ردّ به الألفة بعد فرقتها وجمع الأمّة بعد شتاتها وأحيى به الأعلام من الإسلام بعد دروسها. »
خلافة المأمون
وفي هذه السنة ولّى المأمون كلّ ما كان طاهر بن الحسين افتتحه من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة واليمن الحسن بن سهل أخا الفضل بن سهل، وذلك بعد مقتل محمد المخلوع ودخول الناس في طاعة المأمون.
وفيها كتب المأمون إلى طاهر بن الحسين وهو مقيم ببغداد بتسليم جميع ما في يده من الأعمال في البلدان كلّها إلى خلفاء الحسن بن سهل وأن يشخص عن ذلك إلى الرقّة وجعل إليه حرب نصر بن شبث وولّاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، وقدم عليّ بن أبي سعيد العراق خليفة الحسن بن سهل على خراجها. فدافع طاهر عليّا بتسليم الخراج إليه حتى وفّى الجند أرزاقهم. فلمّا وفّاهم سلّم إليه العمل.
وكتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان.
ودخلت سنة تسع وتسعين ومائة
وفيها قدم الحسن بن سهل العراق من عند المأمون واليه الحرب والخراج، وفرّق عمّاله في الكور والبلدان.
خروج ابن طباطبا في الكوفة دعوة إلى الرضا من آل محمد (ص) والعمل بالكتاب والسنة
وفيها خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام يدعو إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنّة وهو الذي يقال له: ابن طباطبا، وكان القيّم بأمره في الحرب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبو السرايا واسمه السرى بن منصور.
ذكر السبب في خروجه
كان سبب خروجه صرف المأمون طاهر بن الحسين عمّا كان إليه من أعمال البلدان التي افتتحها وتوجيهه إلى ذلك الحسن بن سهل أخا الفضل بن سهل. وذلك أنّ الناس بالعراق تحدّثوا بينهم أنّ الفضل بن سهل قد غلب على المأمون، وأنّه قد أنزله قصرا حجبه فيه عن أهل بيته ووجوه قوّاده ومن الخاصّة والعامّة، وأنّه يبرم الأمور على هواه ويستبدّ بالرأي دونه. فغضب لذلك من بالعراق من بنى هاشم ووجوه الناس وأنفوا من غلبة الفضل بن سهل على المأمون واجترأوا على الحسن بن سهل بذلك، وهاجت الفتن في الأمصار. فكان أوّل من خرج بالكوفة ابن طباطبا الذي ذكرت.
وكان سبب خروجه أنّ أبا السرايا كان من رجال هرثمة، فمطله بأرزاقه وأخّره بها. فغضب أبو السرايا ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبا واجتمع إلى ابن طباطبا الناس. فوجّه الحسن بن سهل زهير بن المسيّب في أصحابه إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل، فتهيأوا للخروج إليه، فلم تكن بهم قوّة على الخروج. فأقاموا حتى بلغ زهير قرية شاهي، ثم واقعهم ابن طباطبا فهزمهم واستباح عسكرهم وأخذوا ما كان معه من مال وسلاح ودوابّ وغير ذلك.
فلمّا كان من غد ظفره بزهير واستباحته عسكره، مات فجأة، فتحدّث الناس أنّ أبا السرايا سمّه وأنّه إنّما فعل ذلك لأنّ ابن طباطبا لمّا أحرز ما في عسكر زهير بن المسيّب من المال والسلاح والكراع، منعه أبا السرايا وحظره عليه، وكان الناس له مطيعين فعلم أبو السرايا أنّه لا أمر له فسمّه.
فلمّا مات ابن طباطبا أقام أبو السرايا مكانه غلاما أمرد حدثا وهو محمد بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عليهم السلام. فكان أبو السرايا هو الذي ينفّذ الأمور.
وكان الحسن بن سهل قد وجّه عبدوس بن محمد بن أبي خالد المروروذيّ إلى النّيل حين وجّه زهيرا إلى الكوفة. فلمّا هزم أبو السرايا زهيرا خرج عبدوس يريد الكوفة بأمر الحسن بن سهل حتى بلغ الجامع وزهير مقيم بالقصر، فتوجّه أبو السرايا إلى عبدوس فواقعه بالجامع فقتله وأسر هارون بن أبي خالد واستباح عسكره وكان في أربعة آلاف، فلم يفلت منهم أحد كانوا بين قتيل وأسير.
وانتشر الطالبيّون وانحاز زهير إلى نهر الملك وأقبل أبو السرايا حتى نزل قصر ابن هبيرة بأصحابه وكانت طلائعه تأتى كوثى. ثم وجّه أبو السرايا جيوشه إلى البصرة وواسط فدخلوها، وكان بواسط وأعمالها عبد الله بن سعيد الحرشي واليا عليها من قبل الحسن بن سهل، فواقعه جيش أبي السرايا قريبا من واسط فهزموه فانصرف راجعا إلى بغداد وقتل أصحابه وأسروا.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)