عسكر سرخاستان على غفلة من غير أن يعلم بذلك صاحبهم. فنظر الناس بعضهم إلى بعض فثاروا يدخلون من الحائط. وبلغ الحسن بن الحسين ذلك فأشفق أن تكون حيلة فجعل يصيح ويمنع من الدخول وهم لا يقبلون حتى نصبوا أعلامهم على السور في معسكر سرخاستان.
وانتهى الخبر إلى سرخاستان وهو في الحمّام وسمع الضجيج فلم تكن له همّة إلّا الهرب فخرج هاربا في غلالة ودخل الناس من غير مانع حتى استولوا على جميع ما في العسكر ومضى قوم في الطلب.
فتحدّث زرارة بن يوسف قال: بينا أنا في الطريق إذ صرت في موضع يسرة الطريق فوجلت منه ثم اقتحمته بالرمح ولم أر أحدا ولكنى صحت:
« من أنت ويلك. » فإذا رجل يصيح:
« زينهار. » يعنى: الأمان. فأخرجته وإذا هو شيخ جسيم فقلت:
« من أنت؟ » فقال: « أنا شهريار. » وإذا به أخو سرخاستان صاحب العسكر.
فحملته إلى الحسن بن الحسين فضرب عنقه.
وأمّا سرخاستان فإنّه مضى على وجهه وكان عليلا فلمّا جهده العطش نزل عند غيضة واستلقى وصاح بعض أصحابه ممّن تبعه:
« يا فلان اسقني ماء فقد جهدنى العطش. » فقال: « ليس معي ما أغرف به من هذا الموضع. » فقال له سرخاستان:
« خذ رأس جعبتى فاسقني به. » فنظر الرجل إلى أصحابه وقال لهم:
« هذا الشيطان قد أهلكنا. فلم لا نتقرّب به إلى السلطان ونأخذ لأنفسنا أمانا؟ » فأجابوه إلى ذلك ووثبوا عليه وشدّوه كتافا فقال لهم:
« خذوا منى مائة ألف واتركوني فإنّ العرب لا تعطيكم شيئا. » قالوا: « أحضرها. »
قال: « هاتوا ميزانا. » فقالوا: « من أين لنا ها هنا ميزان؟ » قال: « فمن أين لي هاهنا ما أعطيكم. ولكن صيروا معي إلى المنزل وأعطيكم العهود والمواثيق أنّى أفي لكم بذلك. » فصاروا به إلى الحسن بن الحسين واستقبلهم خيل الحسن بن الحسين.
فضربوا رؤوسهم وأخذوا سرخاستان منهم فهمّتهم أنفسهم، ومضى به أصحاب الحسن إلى الحسن فدعا بوجوه أصحابه وسألهم:
« هل هذا سرخاستان؟ » قالوا:
« نعم هو هو. » فأمر به فضربت عنقه.
وكاتب حيّان بن جبلة من ناحية طميش قارن بن شهريار ورغّبه في الطاعة وضمن له أن يملّكه على جبال أبيه وجدّه وكان قارن هذا ابن أخي مازيار وقد قوّده مع أخيه عبد الله بن قارن وضمّ إليه عدّة من ثقات قوّاده وقراباته، فلمّا استماله حيّان اطمأنّ إليه وضمن له قارن أن يسلّم إليه الجبال أو مدينة ساريه إلى حدّ جرجان على أن يملّكه على مملكة أبيه وجدّه إذا وفي له بالضمان، وكتب بذلك حيّان إلى عبد الله بن طاهر فسجّل له عبد الله بن طاهر بكلّ ما سأل، وكتب إلى حيّان يأمره بالتوقّف ولا يدخل الجبل ولا يوغل حتى يكون من قارن ما يستدلّ به على الوفاء لئلّا يكون منه مكر، وكتب حيّان إلى قارن بذلك.
فدعا قارن بعمّه عبد الله بن قارن أخي مازيار ودعا جميع قوّاده إلى طعامه. فلمّا أكلوا ووضعوا سلاحهم واطمأنّوا أحدق بهم أصحابه في السلاح، وكتفهم ووجّه بهم إلى حيّان بن جبلة. فلمّا صاروا إليه استوثق منهم وركب حيّان في جمعه حتى دخل جبال قارن وبلغ مازيار الخبر، فاغتمّ وقلق وقال له أخوه كوهيار:
« في حبسك عشرون ألفا من المسلمين ما بين إسكاف وخيّاط وقد شغلت نفسك بهم، وإنّما أتيت من مأمنك وأهل بيتك وقراباتك. فما تصنع بهؤلاء المحبّسين عندك. » فأمر بأن يخلّى جميع من في محبسه. ثم دعا بكتّابه وخلفاءه وصاحب خراجه وصاحب شرطه وقال لهم:
« إنّ حرمكم ومنازلكم وضياعكم بالسهل وقد دخلت العرب إليه، وأكره أن أسومكم فاذهبوا إلى منازلكم وخذوا الأمان لأنفسكم. » وواصلهم وأذن لهم في الانصراف.
ولمّا بلغ قوهيار أخا مازيار دخول حيّان ساريه، أطلق محمد بن موسى عامل طبرستان من حبسه وحمله على بغل ومركب ووجّهه إلى حيّان ليأخذ له الأمان ويجعل له جبال أبيه وجدّه، على أن يسلّم إليه مازيار ويوثق له بذلك. وضمّ إليه أحمد بن الصقير وهو من مشايخ الناحية ووجوهها. فلمّا سار محمد بن موسى إلى حيّان وأخبره وسأله قوهيار قال له حيّان:
« من هذا؟ » - يعنى أحمد.
قال: « هذا شيخ هذه البلاد يعرفه الخلفاء ويعرفه الأمير عبد الله بن طاهر. »
ورأى حيّان تحت أحمد برذونا ضخما نبيلا، فبعث إليه يسأله أن يقوده إليه ليراه، فبعث به، فلمّا تأمّله وجده مشطّب اليدين فزهد فيه وقال لرسول أحمد:
« هذا لمازيار ومال مازيار لأمير المؤمنين. » فرجع الرسول فأخبر أحمد، فغضب من فعل حيّان به ذلك، وكتب إلى قوهيار:
« ويحك لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن بن الحسين عمّ الأمير عبد الله بن طاهر وتدخل في أمان هذا العبد الحائك وتدفع إليه أخاك وتضع من قدرك ويحقد عليك الحسن بن الحسين بتركك إيّاه وميلك إلى عبد من عبيده. » فكتب إليه قوهيار:
« قد غلطت في أوّل الأمر وواعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد ولا آمن إن خالفته أن يناهضنى ويحاربني ويستبيح منازلي وأموالى وإن قاتلته وقتلت من أصحابه وجرت الدماء بيننا وقعت الشحناء ويبطل ما نحن فيه. » فكتب إليه أحمد:
« إذا كان يوم الميعاد فابعث إليه رجلا من أهل بيتك، واكتب إليه أنّه عرضت لك علّة منعتك من الحركة وأنّك تتعالج ثلاثة أيّام فإن عوفيت وإلّا صرت في محمل وسنحمله نحن على قبول ذلك منك. » ثم إنّ أحمد بن الصقير ومحمد بن موسى كتبا إلى الحسن بن الحسين وهو في معسكره بطميش ينتظر أمر عبد الله بن طاهر وجواب كتابه بقتل سرخاستان وفتح طميش فكتب إليه أن:
« اركب إلينا لندفع إليك قارن والجبل وإلّا فاتك فلا تقيم. » فلمّا وصل الكتاب إلى الحسن ركب من ساعته وسار مسير ثلاث ليال في ليلة حتى انتهى إلى ساريه. ولمّا أصبح سار إلى خرّماباذ وهو يوم موعد قوهيار، وسمع حيّان وقع طبول الحسن فركب وتلقّاه على رأس فرسخ. فقال له الحسن:
« ما تصنع ها هنا ولم توجّه إلى هذا الموضع وقد فتحت جبال شروين وتركتها وراءك فما يؤمنك أن يغدر بك القوم جميع ما عملت عليك، ارجع إلى الجبل وأشرف على القوم إشرافا لا يمكنهم الغدر إن همّوا به. » فقال له حيّان:
« أنا على الرجوع وأريد أن أحمل أثقالى وأتقدّم إلى رجالي بالرحيل. » فقال له الحسن:
« امض أنت فإني باعث بأثقالك ورجالك خلفك وبت الليلة بساريه حتى يوافوك ثم بكّر من غد. » فخرج حيّان من فوره ولم يقدر على مخالفة الحسن. ثم ورد عليه كتاب عبد الله بن طاهر وهو بلبون من جبال ونداهرمزد من أحصن جباله وكان أكثر مال مازيار بها، وأمره عبد الله ألّا يمنع قارن ممّا يريد من تلك الجبال والأموال. فاحتمل قارن ما كان لمازيار هناك من المال من ذخائر مازيار وسرخاستان وباستاندرة وبقدح السليان واحتوى على ذلك كلّه فانتفض على حيّان جميع ما كان سنح له بسبب ذلك البرذون.
ثم أمر محمد بن موسى وأحمد بن الصقير الحسن وناظراه سرّا فجزاهما خيرا، وكتب إلى قوهيار فوافاه وبرّه وأكرمه وأجابه إلى كلّ ما سأل واتّعد إلى يوم ثم صرفه. وصار قوهيار إلى مازيار فأعلمه أنّه قد أخذله الأمان وتوثّق له ثم ورد عليه المازيار وقوهيار.
وتقدّم المازيار فسلّم عليه بالإمرة فلم يردد عليه الحسن وتقدّم إلى طاهر بن إبراهيم وأوس البلخي فقال:
« خذاه إليكما. »
كتاب بتسليم مازيار وإخوته وأهل بيته إلى المعتصم