فلعلّ الله أن يكشفه عنّا. » فأجمع رأيهم على أن يصعدوا في شذاءات ومعهم جماعة، ففعلوا ذلك وألبسوا الجماعة الجواشن والخوذ والسلاح وصاروا إلى دار المخرّم. فلمّا قربوا منها ورآهم من كان فيها على شاطئ دجلة قالوا:
« شذاءات مصعدة من دار السلطان. » ووقع الرعب في قلوبهم فتطايروا على وجوههم قبل أن تجرى بينهم حرب وقبل وصول الشذاآت إلى الدار. وخرج عبد الله بن المعتزّ ومعه وزيره محمّد بن داود وحاجبه يمن وقد شهر يمن سيفه وهو ينادى:
« معشر العامّة ادعوا الله لخليفتكم. » وأخذوا طريق الصحراء تقديرا منهم أن يتبعهم الجيش ويصيروا إلى سرّ من رأى فيثبت أمرهم فلم يتبعهم أحد، فلمّا رأى محمّد بن داود نزل عن دابّته لمّا حاذى داره ودخلها واستتر ونزل عبد الله بن المعتزّ في موضع آخر ومشى إلى دجلة وانحدر إلى دار أبي عبد الله بن الجصّاص ودخلها واستجار به، ففرّ الناس على وجوههم ووقعت الفتنة والنهب والغارة والقتل ببغداد.
وكان محمّد بن عمرويه صاحب الشرطة فركب وقاتله العامّة لأنّه كان من أكبر أعوان عبد الله بن المعتزّ فهزموه، وقلّد المقتدر مكانه من يومه مونسا الخازن.
وكان خرج في الوقت الذي خرج فيه ابن المعتزّ من داره أبو الحسن عليّ بن عيسى ومحمّد بن عبدون مع من خرج من دار عبد الله بن المعتزّ، واستتروا في منزل رجل يبيع البقل، ونذر بهما العامّة، فكبسوهما وأخرجوهما وسلّموهما إلى بعض خدم المقتدر المجتازين في الطرق، فأركبهما جميعا على بغل أكاف كان معه، ولحقهما في الطريق من العامّة أذى شديد حتى حصلا في الدار ووكّل بهما.
وقبض في ذلك اليوم على وصيف بن صوراتكين وخرطامش ويمن وفاتك وجماعة ممّن كان حاضرا دار ابن المعتزّ وفيهم القاضي أبو عمر محمّد بن يوسف والقاضي أبو المثنّى أحمد بن يعقوب والقاضي محمّد بن خلف بن وكيع واعتقل الكلّ في دار الخلافة وسلّموا إلى مونس الخازن. ثم أمر بقتلهم أجمعين. فقتلهم تلك الليلة سوى عليّ بن عيسى ومحمّد بن عبدون والقاضي أبو عمر والقاضي محمّد بن خلف فإنّ هؤلاء سلموا.
وزارة أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات

وأنفذ المقتدر مونسا الخازن إلى دار أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات التي كان ينزلها بسوق العطش بعد أن أعطاه خاتمه وأعلمه أنّه يريد أن يستوزره. وكان ابن الفرات مستترا بالقرب من داره. فلم يظهر له فأعيد إليه مرّة أخرى، فرفق بالجيران وأعلمهم أنّه يستوزر فظهر له وقت العصر من ذلك اليوم وصار به إلى دار السلطان ووصل إلى المقتدر وقلّده وزارته ودواوينه وعاد إلى داره بسوق العطش. وبكّر يوم الاثنين وهو غد ذلك اليوم، فخلع عليه خلع الوزارة وسار بين يديه القوّاد بأسرهم، وخلع في ذلك اليوم على مونس الخازن بسبب تقلّده الشرطة، وأطلق ابن الفرات للجند مالا لصلة ثانية وجدّد البيعة للمقتدر.
ذكر الخبر عن الظفر بعبد الله بن المعتز

صار خادم لأبي عبد الله بن الجصّاص يعرف بسوسن إلى صافى الحرمي يسعى بأنّ عبد الله بن المعتزّ مستتر في دار مولاه فأنفذ المقتدر بالله صافيا الحرمي في جماعة حتى كبس منزل ابن الجصّاص واستخرج منه عبد الله بن المعتزّ، فحمله وحمل معه أبا عبد الله بن الجصّاص إلى دار السلطان. ثم صودر ابن الجصّاص على مال بذله وأطلقه إلى منزله بعد أن تكفّل به الوزير أبو الحسن ابن الفرات.
وسلّم عليّ بن عيسى ومحمّد بن عبدون إلى أبي الحسن ابن الفرات وناظرهما بمراسلة وصادرهما، وخفّف عن عليّ بن عيسى ونقلها على محمّد بن عبدون لعداوة كانت بينهما وقال للمقتدر:
« لم يكن لهذين في أمر ابن المعتزّ صنع وتكفّل بهما وبالقاضي محمّد بن خلف بن وكيع وخلّصهم. » ثم نفى محمّد بن عبدون إلى الأهواز وأمر بتسليمه إلى محمّد بن جعفر العبرتاى ونفى عليّ بن عيسى إلى واسط بعد أن افتداه من ماله بخمسة آلاف دينار دفعها إلى سوسن الحاجب واستكفّه بها عنه فإنّه كان يغرى به ويقول: كان مطابقا لعمّه.
موت عبد الله بن المعتز وثبات أمر المقتدر

وظهر موت عبد الله بن المعتزّ في دار السلطان ودفع إلى أهله ملفوفا في زليّ برذون وتمّ ما كان في سابق علم الله عز وجل وحكم به من ثبات أمر المقتدر وبطل اجتهاد المخلوقين وحيلهم في إزالته.
قتل محمد بن داود

فأمّا محمّد بن داود فحكى أبو عليّ محمّد بن عليّ بن مقلة قال: كنّا بحضرة الوزير أبي الحسن في يوم هو فيه متخلّ، ودخل إليه بعض غلمانه فسارّه فظهر منه غمّ شديد وإذا هو قد أبلغ قتل محمّد بن داود وقال:
« كان مع عداوته لي رجلا عاقلا كثير المحاسن يجمع إلى صناعته كتابة الخراج والجيش والبلاغة والفقه والأدب والشعر، وكان كريما سخيّا وقد جرى عليه من القتل أمر عظيم. »
ثم لعن عليّ بن الحسين القنّاي النصراني وقال:
« هو غرّ هذا الرجل، فإنّ ما كان بينه وبينه من المودّة مشهور، فخلّص نفسه وقتل صديقه. »
ذكر ما عمله القناى في أمر محمد بن داود

كان سوسن عدوّا لمحمّد بن داود وكذلك صافى الحرمي. فأغريا المقتدر بالله وقالا له: « إنّ عليّ بن الحسين القنّاى يعرف موضعه. » فقبض عليه وهدّد بالقتل فحلف أنّه لا يعرف الموضع الذي استتر فيه محمّد بن داود وإنّما تأتيه رقاعه يد امرأة تجيء إلى امرأة نصرانية تجيئه بها، وضمن أنّه يحتال في إثارته فأطلق.
وكاتب محمّد بن داود وأعلمه أنّه قد سفر له مع سوسن في أمر يكون به خلاصه، وأنّ ما جرى في ذلك لا تحتمله المكاتبة، وأنّ الوجه أن يأذن له في المصير إليه في الموضع الذي هو فيه مستتر. فإن لم يأذن في ذلك صاحب داره خرج متنكّرا وصار إليه.
فكتب إليه محمّد بن داود أنّه يصير إليه في ليلة ذكرها. فمضى عليّ بن الحسين برقعته إلى سوسن وصاف، فأقرأهما إيّاها، فترصّدا تلك الليلة وأمرا صاحب الشرطة أن يتقدّم إلى أصحاب الأرباع وأصحاب المسالح بترصّده.
فلمّا خرج تلك الليلة ظفر به وسلّم إلى مونس الخازن، فقتله ثم طرحه على الطريق، حتى أخذه أهله فدفنوه.
وحكى أبو عليّ ابن مقلة وأبو عبد الله زنجي الكاتب: أنّ محمّد بن داود كتب إلى ابن الفرات رقعة وصلت إليه، فلم يقدر أن يكتب الجواب بخطّه وقال لموصلها وكان ثقة عنده:
« تقرأ وتقول له: ليس جرمك يسيرا والعهد به قريب والاستتار صناعة، فينبغي أن تصبر على استتارك أربعة أشهر حتى تنسى قصّتك، ثم دعني والتدبير في أمرك، فإني بإذن الله أسفر بعد هذه المدّة في صلاحك وآخذ لك أمان الخليفة بخطّه وأقول: إنّه دخل فيما دخل فيه القوّاد وكتّابهم، وقد دعت الضرورة إلى الصفح عنهم، ولهذا بهم أسوة، وأشير عليه بما يصلح أمرك. » فلم يصبر محمّد بن داود فجرى ما حكيته.
وحكى أيضا ابن زنجي: أنّه كان بحضرة أبي الحسن ابن الفرات إذ كتب إليه صاحب الخبر، بأنّ متنصّحا حضر وذكر أنّ عنده نصيحة لا يذكرها إلّا للوزير، فتقدّم الوزير إلى حاجبه أن يخرج إليه ويسأله عنها. فخرج وسأله فأبى أن يخبره بها وقال:
« أريد أن أشافه بها الوزير. » قال: وكنّا بين يديه جماعة فأومأ إلينا، فقمنا وخلا به. ثم دعا بحاجبه العبّاس الفرغاني وقال له:
« اجمع الرجال الذين برسم الدار. » ثم دعا أبا بشر ابن فرحويه وقال له سرّا:
« إنّ هذا الرجل تنصّح إليّ في أمر محمّد بن داود، وذكر أنّه يعرف موضعه وأنّه بات البارحة عنده والتمس أن أنفذ معه من يسلّمه إليه، وقد بذلت على ذلك ألف دينار إن كان صحيحا، أو نيله بالعقوبة إن كان باطلا.
فصر على ذلك فاكتب إليه الساعة أن ينتقل عن موضعه، فإني أبعث إلى مكانه من يكبسه ويلتمسه. » ولم يزل يستعجل الحاجب في جمع الرجال فيقول:
« قد فرّقت النقباء في طلبهم فإنّهم في أطراف البلد منهم من ينزل في قصر عيسى ومنهم من ينزل بباب الشمّاسية. » ولم يزل يدافع بالأمر إلى أن عاد الجواب إلى أبي بشر بشكره، وأنّه قد انتقل من موضعه إلى غيره. فتقدّم حينئذ إلى المتنصّح أن يمضى إلى الموضع مع القوم، وتقدّم بالاحتياط عليه وعلى ما يليه. وكبسه بعد ذلك وحمله، فإن لم تجده فتّش الدور التي تلى الموضع، وأن يستظهر بحفظ أفواه الدروب حتى لا تفوته الحرم ويأخذ معه السلاليم.
فمضى العبّاس الحاجب والمتنصّح والرجال ووكّل بأفواه الدروب والدور المجاورة للموضع، ودخل الدار التي ذكرها المتنصّح فلم يجده. فقال المتنصّح:
« في هذا الموضع والله العظيم خلّفته وهاهنا كان بائتا. » وأقبل يسير إلى موضع موضع وما عمله فيه. ثم التمسه في الدار المجاورة فلم يجده. وعاد به إلى حضرة الوزير فأنكر على المتنصّح سعايته بالباطل، وأمر بحمله إلى باب العامّة وضربه مائتي مقرعة وأن يشهر على جمل وينادى عليه:
« هذا جزاء من يسعى بالباطل. » وكتب إلى المقتدر وعرّفه الصورة، وأنّه كبس على محمّد بن داود عدّة دور فلم يجده، فأوقع العقوبة بالساعى حتى لا يقدم نظراؤه على السعاية بالباطل.
فلمّا عاد الساعي إلى داره، تقدّم بأن يحمل إليه مائتي دينار وأن يحدر إلى البصرة، وقال لنا:
« قد صدق الرجل فيما حكاه وقد عاقبناه ولو لم أفعل ما فعلته، لم آمن أن يمضى إلى دار السلطان. » وكان أبو بشر يعرف موضع محمّد بن داود بن الجرّاح وعرف الوزير موضعه فكتمه الوزير ولم يظهره. وهذا ممّا لا ينكر من أبي الحسن ابن الفرات مع كرمه وجلالة قدره ونبل أفعاله.
وفيها قبض على محمّد بن عبدون وسوسن الحاجب وقتلا
ذكر السبب في ذلك

كان السبب في ذلك أن سوسن الحاجب كان مع ابن المعتزّ في تدبيره، وظنّ أنّه يقرّره على الحجبة، فلمّا عدل عنه إلى يمن استوحش وصار إلى دار السلطان. وكان سوسن يدخل مع العبّاس بن الحسن في التدبير بحضرة المقتدر بالله. فلمّا تقلّد أبو الحسن ابن الفرات الوزارة تفرّد بالتدبير دون سوسن فظهرت الوحشة بين سوسن وبين أبي الحسن ابن الفرات لأجل ذلك. وذاع الخبر بصحة عزم سوسن على الفتك بابن الفرات بمواطأة عدّة من الغلمان الحجريّة على ذلك، ودبّر أن يكون الوزير محمّد بن عبدون، وأشار بذلك على المقتدر بالله، وبذل على ذلك مالا عظيما، وأنفذ بنيّ بن نفيس إلى الأهواز لإحضار محمّد بن عبدون بغير مواقفة ابن الفرات وأظهر بنيّ أنّه إنّما أنفذ لأخذ أموال كانت مودعة للعبّاس بن الحسن بالبصرة.
ولم يصل محمّد بن عبدون إلى واسط حتى ظهر الخبر لابن الفرات. فقرّر ابن الفرات في نفس المقتدر أنّ سوسنا عمل على الإيقاع به أوّلا ثم به، وأنّه كان من أكبر أعضاد عبد الله بن المعتزّ، وإنّما خالفه أخيرا لما علم أنّه قد استحجب غيره. وواقف المقتدر على القبض عليه فقبض عليه وقتله من يومه. وكان المتولّى لذلك تكين الخاصّة وكان تكين هذا مرشّحا للحجبة ومدبّرا لها.
ثم أنفذ الوزير إلى محمّد بن عبدون من أزعجه في الطريق واعتقله في دار السلطان وصادره مصادرة مجدّدة، ثم سلّم إلى مونس الخازن فقتله.
وقلق أبو الحسن عليّ بن عيسى لذلك وهو بواسط، فكتب إلى الوزير كتابا يحلف فيه أنّه على قديم عداوته لمحمّد بن عبدون، إلّا أنّه لا يدع الصدق من فعله، وأنّ محمّد بن عبدون لم يكن ليسعى على دم نفسه بتضمّنه الوزارة، بل كان راضيا بالسلامة بعد فتنة عبد الله بن المعتزّ، وأنّ سوسنا عمل ذلك بغير رأيه ولا مواقفته، وسأل في أمر نفسه أن يبعده إلى مكّة ليسلم من الظنّة ولينسى السلطان ذكره.
فأجابه ابن الفرات إلى ذلك وأخرجه من واسط إلى مكّة على حال جميلة. فشخص إليها على طريق البصرة.
وكتب عليّ بن عيسى هذا الكتاب مقدّرا أن يتخلّص به محمّد بن عبدون من القتل، ويسلم هو. فوقاه الله في نفسه بجميل نيّته، وحضر أجل محمّد بن عبدون، فلم ينفعه اجتهاد عليّ بن عيسى في خلاصه.
استقرار أمر المقتدر وتفويضه الأمور إلى أبي الحسن بن الفرات

ولمّا استقرّ أمر المقتدر بالله في الخلافة فوّض الأمور إلى أبي الحسن ابن الفرات فدبّرها أبو الحسن كما يدبّرها الخلفاء. وتفرّد المقتدر على لذاته متوفّرا واحتشم الرجال واطّرح الجلساء والمغنين وعاشر النساء فغلب على الدولة الحرم والخدم فما زال أبو الحسن ينفق الأموال من بيت مال الخاصّة ويبذّر تبذيرا مفرطا إلى أن أتلفها.
ومن محاسن ابن الفرات أنّه افتتح أمره بإخراج أمر المقتدر بمكاتبة العمّال في جميع النواحي بإفاضة العدل في الرعيّة وإزالة الرسوم الجائرة عنهم وإخراج أمره لجماعة بنى هاشم بجار ثم أخرج أمره بزيادة جميعهم ثم أخرج أمره بالصفح عن جميع من كان خرج عن طاعته ووالى ابن المعتزّ وإلحاقهم في الصلة بمن لم تكن له جناية وتلطّف في أمر الحسين بن حمدان وإبراهيم بن كيغلغ حتى رضى المقتدر عنهما وقلّدهما الأعمال وفعل ذلك بابن عمرويه.
ذكر التدبير الصواب في ذلك

إنّه عرّف المقتدر بالله أنّه متى عاقب جميع من دخل في أمر ابن المعتزّ فسدت النيّات وكثر الخوارج ومن يخشى على نفسه فيطلبون الحيل للخلاص بإفساد المملكة، وأشار بإحراق جميع الجرائد التي وجد فيها أسماء المتابعين لابن المعتزّ فاستجاب إلى ذلك، وأمر ابن الفرات بتغريق الجرائد في دجلة ففعل ذلك وسكن الناس وكثر الشاكرون.
ذكر ما جرى في أمر القاضي أبي عمر

كان القاضي يوسف بن يعقوب شيخا كبير السن يلزم ابن الفرات ويبكى بحضرته ويسأله تخليص ابنه أبي عمر من القتل. فيذكر له أبو الحسن أنّه لا يتمكّن من ذلك إلّا بإطماع المقتدر بالله في مال جليل من جهته. فبذل أبوه أن يفقر نفسه وابنه طلبا للحياة. فسأل ابن الفرات المقتدر بالله الصفح عنه وأطمعه في ماله ومال ولده. فسلّمه المقتدر إليه فصادره على مائة ألف دينار، واعتقله في ديوان بيت المال ليؤدّى المال، فأدّى أكثره ودخل فيما أدّاه وديعة. قيل إنّها كانت عنده للعبّاس بن الحسن، مبلغها خمسة وأربعون ألف دينار فلمّا أدّى تسعين ألف دينار أمر ابن الفرات بإطلاقه إلى منزله وترك له العشرة الآلاف الدينار وأمره بملازمة منزله وأن لا يخرج منه.
ذكر خيانة واتفاق سيىء اتفق فيه

كان سليمان بن الحسن بن مخلد متحقّقا بأبي الحسن ابن الفرات ومدلّا بأحوال كانت بين أبيه وبين والد الوزير أبي جعفر محمّد بن موسى بن الفرات. وكان سليمان يختصّ لذلك بأبي الحسن ابن الفرات. ووجد أبو الحسن كتبا في البيعة لعبد الله بن المعتزّ بخطّ سليمان لتحقّقه كان بمحمّد بن داود بن الجرّاح وللقرابة بينهما فلم يظهر أبو الحسن ذلك للمقتدر ولا ذكره.
ونوّه باسم سليمان وقلّده مجلس العامّة رئاسة.
ثم إن سليمان جنى على نفسه بالسعي لأبي الحسن أحمد بن محمّد بن عبد الحميد في الوزارة، وعمل في ذلك نسخة بخطّه عن نفسه إلى المقتدر بالله يسعى فيها بأبي الحسن وبأمواله وضياعه وكتّابه وأسبابه وكانت الرقعة في كمّه ودخل دار ابن الفرات وهي معه وقام ليصلّى صلاة المغرب مع جماعة من الكتّاب في دار ابن الفرات، فسقطت الرقعة من كمّه وظفر بها الصقر بن محمّد الكاتب لأنّه كان يصلّى إلى جنبه. فأقبل بها مبادرا إلى الوزير من وقته، فقبض عليه وأحدره في زورق مطبق إلى واسط، ووكّل به وصودر وجرى على طبعه وشاكلته، فأحسن إليه وقلّده.
وفيها كوتب أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان في قصد أخيه الحسين ومحاربته وأمدّ بالقاسم بن سيما في أربعة آلاف، فاجتمعا ولقيا الحسين فانهزما وانحدر إبراهيم بن حمدان لإصلاح أمر أخيه الحسين، فأجيب إلى ما التمس. وكتب للحسين أمان وصار إلى الحضرة ونزل في الصحراء من الجانب الغربي ولم يدخل دار السلطان، وقلّد أعمال الحرب بقم وحملت إليه الخلع، فلبسها ونفذ إلى قم وانصرف عنها العبّاس بن عمرو.