« هو الذي جرّأ الغلمان الحجريّة على ابن ياقوت فهم بعد أشدّ جرأة عليه وأنّ هلاكه ليس يبعد. » فوقع ذلك من البريدي أحسن موقع واختصّ الكوفي ولم يستكتبه بل كان يشاوره ويكرمه ويعاشره.
فذكر أبو الفرج ابن أبي هشام أنّ أبا عبد الله الكوفي قال له بواسط في أيّام سيف الدولة:
« ما مرّ لي عيش أطيب من عيشي مع البريدي فإني أقمت عنده نحو سنة غير متصرّف ولا داخل تحت تبعة ولا تعب بنظر في عمل ولقد عاشرنى أجمل عشرة ووصل إليّ منه عينا وورقا ومن قيمة العروض التي أنفذها إليّ خمسة وثلاثون ألف دينار ولم أخرج من الأهواز إلّا وأنا متقلّد كتابة ابن رائق وقد كفيت أمر ابن مقلة بالقبض عليه وكان غير مأمون.
والحمد لله الذي لم يخرجه من الدنيا حتى دمّر عليه كتدميره على الدنيا.
ألحق الله ابنه به فإنّه شرّ منه لأنّ ما كان في أبيه فهو فيه من وقاحة وقساوة وخسّة وكان الأب على عيوبه ربّما رحم وأكرم على حاشيته وأهل داره دون الغرباء ولكنّ هذا ناصر الدولة مجتهد في أن يغرّه ويحصّله وإن حصل رجوت أن يسمله، فإنّ في نفسه عليه وعلى ابنه العظائم. » وأطلق الكوفي لسانه بهذا كلّه في مجلسه وليس بين يديه غيري وغير أبي عليّ ابن صفيّة كاتبه النصراني.
وأظهر أبو عبد الله البريدي بالأهواز كتابا من أبي عليّ ابن مقلة بخطّة إليه يقول فيه:
« الويل للكوفيّ العاضّ مني أنفذته ليصلحك لي فأفسدك عليّ وأطمعك وأصغيت بالشره إليه والله لأقطعنّ يديه ورجليه فأمّا أنت فأرجو ألّا تصرّ على كفر نعمتي وإحسانى إليك وأنت تنيب بك الرؤية إلى رعاية حقوق اصطناعى لك فترضينى من نفسك وتعينني في مثل هذه الحالة الصعبة التي لم يدفع من جلس مجلسي في دولة من الدول إلى مثلها وأن تجيرني ممّا قد أظلّنى بمال تحمله فتحفظ به نعمتك التي إحداهما في يدي والأخرى في يدك إن شاء الله. » ولمّا انحدر أبو عليّ ابن مقلة من الموصل عاد أبو محمّد عن الزوزان إليها وحارب ماكرد الديلمي وانهزم الحسن بن عبد الله ثم عاود محاربته وكانت الوقعة بينهما على باب الروم من أبواب نصيبين فانهزم ماكرد إلى الرقّة وانحدر منها في الفرات إلى بغداد وانحدر عليّ بن خلف بن طناب وتمكّن الحسن بن عبد الله من الموصل وديار ربيعة وكتب إلى السلطان يسأل الصفح عنه وأن يضمن نواحيه فأجيب إلى ذلك وضمنها.
ووافى التجّار الذين استسلف أبو عليّ مالهم ولم يوفوا الغلّات التي ابتاعوها فطالبوا أبا عليّ بردّ أموالهم عليهم فدفعته الضرورة إلى أن يسبّب لهم على عمّال السواد بعض مالهم ودافعهم ثم باع عليهم بالباقي ضياعا سلطانيّة فلم يحصل لخرجته كبير فائدة بعد الذي ردّ على التجّار وبعد الذي أنفق على سفره والجيش الخارج معه.
اعتراض أبي طاهر القرمطي للحاج

وفي هذه السنة حجّ الناس فلمّا بلغوا القادسيّة اعترضهم أبو طاهر القرمطي وكان مع الحاجّ من قبل السلطان لؤلؤ غلام المتهشّم. فظنّ لؤلؤ أنّهم أعراب فحاربهم أهل القوافل شيئا كثيرا وسأل عمر بن يحيى العلوي فيمن دخل القادسيّة فآمنهم ثم تسلّلوا من القادسيّة وبطل الحجّ في هذه السنة.
وصار أبو طاهر إلى الكوفة وأقام بها.
انقضاض الكواكب

وفي تلك الليلة بعينها انقضّت الكواكب من أوّل الليل إلى آخره ببغداد والكوفة وما والاهما انقضاض مسرفا جدا لم يعهد مثله ولا ما يقاربهما.
وشغب الجند وصاروا إلى دار الوزير فنقبوا عدّة مواضع ولم يصلوا لأنّ غلمان الوزير دفعوهم ورموهم بالنشّاب من فوق السور.
وفيها مات أبو بكر محمّد بن ياقوت في الحبس في دار السلطان بنفث الدمّ فأحضر القاضي أبو الحسين عمر بن محمّد ومعه جماعة وأخرج إليهم محمّد بن ياقوت حتى فتّشوه ومدّوا لحيته وعلموا أنّه مات حتف أنفه. ثم تسلّم إلى أهله وباع الوزير ضياعه وأملاكه وقبض على أسباب محمّد بن ياقوت كلّهم.
استيمان غلمان مرداويج

وفي هذه السنة قلّد الوزير أعمال الجبل أبا عليّ الحسن بن هارون وخرج إليها فلمّا حصل بها استأمن إليه غلمان مرداويج الأتراك الذين قتلوه في الحمّام فقبلهم وكانوا ثلاثمائة غلام. فلمّا كان بعد مدّة شغبوا عليه وطالبوه بالأرزاق وقبضوا عليه وقيّدوه ثم أطلقوه. ولمّا ورد الخبر بالقبض عليه قلّد الوزير مكانه أبا عبد الله محمّد بن خلف النيرمانى وبلغ ذلك الحسن بن هارون فخافه للعداوة بينهما واستتر وصار إلى بغداد مستترا وأقام على استتاره مدّة. ثم راسل الوزير أبا عليّ وقرّر أمره على مصادرة أوقعها بخمسة عشر ألف دينار فلمّا تقرّر أمره ظهر وأقام محمّد بن خلف في الجبل مديدة.
وأقبل غلمان مرداويج وفيهم بجكم إلى جسر النهروان وراسلوا السلطان فأمرهم بدخول الحضرة فدخلوا وعسكروا بالمصلّى. واضطربت الحجريّة وظنّوا أنّها حيلة عليهم فاجتمعوا وطالبوا الوزير أبا عليّ بأن يرضيهم ويردّهم فاستدعى جماعة من وجوههم وواقفهم على أن ينضمّوا إلى محمّد بن عليّ غلام الراشدي ويقلّده الجبل ويطلق لهم أربعة عشر ألف دينار نفقات لهم ثم بسبّب مالهم على أعمال الجبل فقالوا:
« ننصرف ونعلم باقى أصحابنا ذلك. »
فلمّا انصرفوا لم يقنعوا وكان خبرهم قد اتّصل بأبي بكر ابن رائق بواسط وهو متقلّد أعمال المعاون بها وبالبصرة فكاتبهم فراسلهم واستدعاهم ووعدهم الإحسان. فمالوا إليه واختاروه وساروا إليه فقبلهم وأثبتهم وأسنى لهم بالرزق ورأس عليهم بجكم وسمّاه: بجكم الرائقى، ورفع منه وموّله وأحسن إليه وأفراط في ذلك وضمّ جميع الغلمان إليه وتقدّم إليه بأن يكاتب كلّ من بالجبل من الأتراك والديلم بالمصير إليه ليثبتهم فصار إليه عدّة وافرة منهم فأثبتهم وضمّهم إلى بجكم.
ودخلت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

عدة حوادث

وفيها أطلق المظفّر بن ياقوت من حبسه في دار السلطان إلى منزله بمسألة الوزير أبي عليّ فيه، وحلف الوزير بالأيمان الغليظة على أنّه يواليه ولا ينحرف عنه ولا يسعى له في مكروه.
وفيها قلّد الوزير محمّد بن طغج أعمال المعاون بمصر مضافة إلى ما يتقلّد من أعمال معاون الشام وأدخل الراضي القضاة والعدول حتى عرّفهم تقليده محمّد بن طغج وأمرهم بمكاتبة أصحابهم وخلطائهم بذلك لئلّا ينازعه أحمد ابن كيغلغ فإنّه كان يتولّى مصر.
وفيها قطع محمّد بن رائق حمل مال ضمانه عن واسط والبصرة إلى الحضرة واحتجّ باجتماع الجيش عنده وحاجته إلى صرف المال إليهم.
وفيها تمّت حيلة المظفّر بن ياقوت حتى قبض على الوزير أبي عليّ ابن مقلة لأنّه صحّ عنده أنّه هو قتل أخاه وكان السبب في حبسهما وإزالة أمرهما.
ذكر هذه الحيلة على أبي علي ابن مقلة

لم يزل يحبّ التشفّى والأخذ بالثأر منذ أطلقه الوزير ولكنّه يكتم ذلك إلى أن واقف الحجريّة وضرّبهم عليه. وبلغ الوزير ذلك فأخذ يعتضد ببدر الخرشنى صاحب الشرطة فقوى أمر بدر وواقفه على أن يستولى على دار السلطان فيحصل فيها ويمنع الغلمان الحجريّة منها لأنّه بلغه أنّهم قد عملوا على المصير إلى الدار والمقام ففعل بدر ذلك وحصل هو وأصحابه بالسلاح في الدار ومنع الغلمان الحجريّة من دخولها ولم يظهر الوزير أنّ الذي فعله بدر كان عن رأيه. ثم جمع بين الساجيّة وبين بدر حتى تحالفوا على معاونة بعضهم بعضا.
فلمّا وقف المظفّر بن ياقوت على ذلك ضعفت نفسه وأشار الحجريّة بالخضوع للوزير والتذلّل له ولم يزالوا يلطفون للوزير ويتحققون بخدمته إلى أن أنس بهم وسألوه صرف بدر وبذلوا له كلّ ما أراد من الطاعة والموالاة له إلى أن انخدع وصرف بدرا وأصحابه. فلمّا خلت دار السلطان منهم ومن الساجيّة تحالف الحجريّة على أن تكون كلمتهم واحدة فصاروا بأجمعهم إلى دار السلطان وضربوا خيمهم فيها وحولها وملكوها وصار الراضي في أيديهم وحزبهم. فندم الوزير وعلم أنّ الحيلة تمّت عليه فتقدّم إلى بدر بأن يخرج إلى المصلّى في أصحابه من غير أن يعلم أحد أنّه فعل ذلك برأى الوزير وأمره فخرج بدر وأثبت زيادة من الرجّالة.
وبلغ ذلك الحجريّة فطالبوا الراضي بالله أن يخرج معهم إلى المسجد الجامع في داره فيصلّى بالناس ليراه الناس معهم فيعلمون أنّه في حيّزهم.
فخرج الراضي يوم الجمعة إلى المسجد الجامع الذي في داره ومشى الغلمان بأسرهم بين يديه وحوله بالسلاح رجّالة وصلّى بالناس وصعد المنبر وخطب وقال في خطبته:
« اللهم إنّ هؤلاء الغلمان بطانتى وظهارتى فمن أرادهم بسوء فأراده به ومن كادهم فكده. » وقلّد بدر الخرشنى دمشق وأمره بالخروج إليها من المصلّى وألّا يدخل البدر.
وكان المظفّر بن ياقوت في هذا كلّه يظهر للوزير أنّه مجتهد في الصلح ويظهر له الخضوع وهو في الباطن يسعى في حنقه وقد قوى أمره بما فعله الراضي. ثم إنّ الصلح تمّ بين بدر الخرشنى وبين الحجريّة فدخل من المصلّى إلى منزله وأقرّ بدر على الشرطة.
فلمّا انقضت هذه القصّة أشار الوزير على الراضي بالله سرّا أن يخرج بنفسه ومعه الجيش والحجريّة والساجيّة ليدفع محمّد بن رائق عن واسط والبصرة وقال له:
« قد انغلقت عليك هذه البلدان وهي بلدان المال بما فعله محمّد بن رائق من الامتناع من حمل مال ضمانه ومتى رأى غيره أنّ ذلك قد تمّ له واحتمال عليه تأسّى به فذهب مال الأهواز فبطلت المملكة. فعمل الراضي على ذلك وتقدّم إليه بالعمل عليه فافتتح الوزير الأمر مع ابن رائق بأن ينفذ إليه ينال الكبير من الحجريّة وماكرد الديلمي من الساجيّة برسالة من الراضي بالله يأمره فيها أن يبعث بالحسين بن عليّ النوبختي ليواقف على ما جرى على يده من ارتفاع واسط والبصرة.
فلم يستجب ابن رائق إلى إنفاذ الحسين ووهب للرسولين مالا وأحسن إليهما وسألهما أن يتحمّلا له إلى الخليفة رسالة في السرّ وهي: أنّه إن استدعى إلى الحضرة وفوّض إليه التدبير قام بكلّ ما يحتاج إليه من نفقات السلطان وأرزاق الجند ومشّى الأمور أحسن تمشئة وكفى أمير المؤمنين الفكر في شيء من أمره.
فلمّا قدم الرسولان خلوا بالراضى بالله بعد تأدية الرسالة الظاهرة فأدّيا الرسالة السرّية فلم ينشط الراضي لتسليم وزيره وأمسك.
ولمّا رأى الوزير امتناع ابن رائق من تسليم الحسين بن عليّ عمل على القاضي أبا الحسين برسالة من الراضي ليعرّفه ذلك وأنّه لم يأمن أن يقع له أنّ الخروج إنّما هو إليه فيستوحش وأنّه أنفذ القاضي ليكشف ما في نفسه وعزمه، وتوثّق له بما يسكن إليه.
فلمّا كان يوم الاثنين لأربع عشر ليلة بقيت من جمادى الأولى وانحدر الوزير إلى دار الراضي بالله ومعه القاضي أبو الحسين ليوصله فيسمع من الراضي بالله الرسالة فلمّا حصل في دهليز التسعينى قبل أن يصل إلى الخليفة وثب الغلمان الحجريّة ومعهم المظفّر بن ياقوت به فقبضوا عليه ووجّهوا إلى الراضي بالله يعرّفونه قبضهم عليه إذ كان هو المفسد المضرّب ويسألونه أن يستوزر غيره. فوجّه إليهم يستصوب فعلهم ويعرّفهم أنّهم لو لم يفعلوا ذلك لفعله هو وردّ الخيار إليهم فيمن يستوزره فذكروا عليّ بن عيسى ووصفوه بالأمانة والكفاءة وأنّه ليس في الزمان مثله. فاستحضره الراضي بالله وخاطبه في تقلّد الوزارة فامتنع وتكرّه ذلك فراجعه الراضي بالله وخاطبه الغلمان فيه وطال الخطب معه فأقام على الامتناع فقالوا:
« فنشير بمن تراه. » فأومأ إلى أخيه عبد الرحمن. فأنفذ الراضي بالله المظفّر بن ياقوت إلى عبد الرحمن فأحضره وأوصله إلى الراضي وعرّفه أنّه قلّده وزارته ودواوينه وخلع عليه وركب في الخلع ومعه الجيش إلى داره وأحرقت دار أبي عليّ.
وزارة عبد الرحمن بن عيسى

لمّا تقلّد عبد الرحمن غلب عليّ بن عيسى على التدبير فعلم أبو العبّاس الخصيبي وأبو القاسم سليمان بن الحسن وقد كنّا ذكرنا أمرهما وما كان من نفى عليّ بن مقلة إيّاهما إلى عمان وتقدّمه إلى يوسف بن وجيه صاحب عمان بحبسهما وأنّ يوسف بن وجيه أطلقهما فصارا إلى بغداد واستترا بها إلى أن قبض أبو عليّ ابن مقلة.
فلمّا كان في هذا الوقت أكرمهما عبد الرحمن الوزير وكانا يصلان معه إلى الراضي بالله مع أبي جعفر محمّد بن القاسم الكرخي وأبي عليّ الحسن بن هارون وعليّ بن عيسى لا يتأخّر أيضا عن الحضور معهم وسلّم أبو عليّ ابن مقلة إلى الوزير عبد الرحمن فضربه بالمقارع وأخذ خطّه بألف ألف دينار ثم سلّمه إلى أبي العبّاس الخصيبي فجرت عليه من المكاره والضرب والرهق أمر عظيم وحضر أبو بكر ابن قرابة بعد مدّة فتوسّط أمره وضمن ما عليه وتسلّمه وكان أدّى إلى الخصيبي نيّفا وخمسين ألف دينار.
وصرف بدر الخرشنى عن الشرطة لانحراف الحجريّة عنه وولّى أعمال المعاون بإصبهان وفارس لأنّ الحجريّة كرهوا مقامه بالحضرة فخلع عليه وأخرج مضاربه إلى ميدان الإشنان وأنفذ إليه اللواء وضمّ إليه الحسن بن هارون لتدبير أمر الخراج بهذه النواحي ثم توقّف عن إمضاء هذا الرأي فبطل خروجه.
وعجز عبد الرحمن عن تمشية الأمور وضاق المال حتى استعفى عبد الرحمن عن تمشية الأمور للراضى بالله ومن الوزارة وسأله أن يقرضه عشرة آلاف دينار إذ كانت وجوه المال قد تعذّرت عليه فقبض عليه الراضي في هذه السنة وقلّد وزارته الكرخي.
ذكر وزارة أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي

لمّا قلّد أبو جعفر الكرخي الوزارة وخلع عليه وانصرف إلى منزله ومعه الجيش كلّف مناظرة عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن وحملا إلى داره فصادر عليّ بن عيسى على مائة ألف دينار وصادر أخاه على سبعين ألف دينار وأقاما على حال صيانة وتكرمة إلى أن أدّى عليّ بن عيسى سبعين ألف دينار وأدّى أخوه ثلاثين ألف دينار ثم صرفا إلى منازلهما.
وكان الوزير أبو جعفر الكرخي قصيرا فاحتيج بسبب قصره إلى أن ينقص من ارتفاع سرير الملك فنقص منه أربع أصابع مفتوحة.
وفيها قتل ياقوت بعسكر مكرم.
ذكر مقتل ياقوت

قد ذكرنا أمر ياقوت في خروجه إلى أرجان لحرب عليّ بن بويه في قضّه وقضيضه وديلمه وأتراكه وسائر خيله. وكان معه من الرجّالة السودان ثلاثة آلاف رجل وانهزم من بين يدي عليّ بن بويه بباب أرجان بعسكره كلّه وكان على الساقة في الهزيمة لأنّه ثبت وسار عليّ بن بويه خلفه إلى رامهرمز وحصل ياقوت بعسكر مكرم في غربيّها وقطع الجسر المعقود على المسرقان وأقام عليّ بن بويه برامهرمز إلى أن وقع الصلح بينه وبين السلطان.
وكتب أبو عبد الله البريدي إلى ياقوت أن يقيم بعسكر مكرم إلى أن يستريح ويقع التدبير لأمره من بعد وكان غرضه ألّا يجمعه وإيّاه بلد فقبل ياقوت. وأتاه أبو يوسف البريدي متوجّعا بما جرى عليه من الهزيمة ومهنّئا له بالسلامة وتوسّط بينه وبين أخيه أبي عبد الله يعلّل بها عسكره إلى أن يكتب إلى السلطان ويستأمره فيما يطلقه له ولرجاله وعرّفه أنّ الرجال المقيمين بالأهواز فيهم كثرة ويطالبون بمالهم وهم البربر والشفيعية والنازوكيّة واليلبقيّة والهارونيّة وكان أبو عليّ ابن مقلة ميّز هؤلاء وأنفذهم إلى الأهواز لتخفّ مؤونتهم عن الحضرة وتتوفّر أموال الساجيّة والحجريّة. فذكر أبو يوسف أنّ هؤلاء لا يطلقون مالا يخرج من الأهواز إلى سواهم وأنّهم إن أحسّوا شغبوا فاحتاج أبو عبد الله إلى مفارقة الأهواز إشفاقا على نفسه منهم.
ثم تؤول الحال إلى حرب تقع بعد الهزيمة الأرجانيّة ولا يدرى كيف تكون الحال فيها وأنّ السلطان مع ذلك مطالب بحمل مال إليه وقال له:
« إنّ رجالك مع سوء أثرهم وقبح بلائهم وهزيمتهم دفعة إذا أعطوا اليسير قنعوا به وصبروا عليه. » فقبل ياقوت ذلك وسبّب له بهذا المال على عسكر مكرم وتستر فأرضى ببعضه الحجريّة وببعضه وجوه القوّاد وأنفق في سودانه في المسجد الجامع بعسكر مكرم ثلاثة دراهم لكلّ رجل ومضى الأمر على ذلك شهورا.
وأفتتح مال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة فضجّ رجاله وطالبوه وقالوا: