« أى شيء ترى؟. » فقلت: « الوجه أن نقارب ونأخذ ومتى تمكّنّا من قصد الموصل فالضمان معنا ونحن نستوفى تمام الثمانية آلاف الألف الدرهم. » قال: « فافعل. » وقررنا الأمر على ثلاثة آلاف ألف درهم لسنة واستوفيناها.
وكان الصيمري لمّا انصرف من عند ناصر الدولة بالصلح صار ناصر الدولة إلى الموصل وعسف الناس وطالبهم بمال التعجيل.
خروج سبكتكين إلى الري

وفي هذه السنة خرج سبكتكين الحاجب ومعه أكثر الجيش والقرامطة إلى الري مددا لركن الدولة ثم أتبعه معزّ الدولة بروزبهان وعليكان وجماعة من الديلم ولحقوا به.
ذكر السبب في ذلك

كان السبب فيه أن جيش خراسان تحرّك فورد الخبر على ركن الدولة وكان ابن عبد الرزاق من كبار أصحاب الجيوش بخراسان إلّا أنّه كان مستوحشا من صاحبه فكاتب ركن الدولة بأنّه صائر إليه في الجيش الذي معه فاستعدّ له ركن الدولة وأعدّ أصناف الكرامات له.
وكاتب أخاه أبا الحسين أحمد بن بويه معزّ الدولة وأخاه أبا الحسن علي بن بويه عماد الدولة فحمل كل واحد منهما إليه شيئا كثيرا من المال والدوابّ والثياب والألطاف فصرفها كلّها إليه مع ما أضاف إليه من جهته، وذلك بعد أن حضره ووطئ بساطه ورده إلى الدامغان فوصل إليه شيء لا عهد له بمثله. وإنّما ردّه إلى الدامغان لئلا يتضايق الريّ بالعساكر وقيل له:
- فرّق من الأموال ما ترى على من ترى.
ثم استقرّ الرأي بين الأمراء الثلاثة أعنى عماد الدولة وركن الدولة ومعزّ الدولة على تقليد ركن الدولة خراسان والعقد له عليها ليكون محاربته إيّاهم على الأصل والولاية.
ثم وردت الأخبار بحركة المرزبان بن محمّد بن مسافر وهو السّلار وأنّه عازم على قصد الريّ لمحاربة ركن الدولة مغتنما ورود جيش خراسان وأنّه سيشغله ذلك عنه.
فندب عند ذلك معزّ الدولة سبكتكين الحاجب للمسير إلى ركن الدولة مددا له بعد أن عظم أمره وفخم شأنه، وضمّ إليه جماهير عسكره وأكابر قوّاده وفيهم بورريش وروزبهان ومن يجرى مجراهما وقطعة وافرة من الأتراك وثلاثة آلاف من شجعان العرب المعروفين فيهم إبراهيم بن المطوّق المعروف بابن البارد وعمّار المجنون وأحمد بن صالح الكلابي وطبقتهم وأطلق الأموال وأزاح العلل في الخيل والسلاح وغيرها.
وكتب عهد ركن الدولة على خراسان وعقد لواءه وحملت الخلع إليه معه وخرج بذلك أحد حجّاب السلطان مع سبكتكين الحاجب فسارت الجماعة معه على أتم أهبة.
فلمّا وصل العسكر إلى ظاهر الدينور خلع بورريش الطاعة وأنف من متابعة سبكتكين والمسير تحت رايته وجمع إلى نفسه الديلم الذين في العسكر فاستجابوا له جميعا وبكروا عليه في غداة غد وهو فيها غافل جالس في خيمة له فغافصوه ورماه بزوبين أثبته في كتفه وولى من موضعه وخرج مجروحا من تحت ذيل خيمته وركب جنيبة النوبة فبرز إلى الصحراء وتلاحق به غلمانه وسائر الأتراك مع العرب وتمكن الديلم من رحله وسواده فنهبوه ونهب رحل حاجب السلطان الذي معه الخلع فذهبت في النهب.
وتحيز الديلم كلّهم مع بورريش إلّا روزبهان ونفرا قليلا معه فإنّهم اختاروا طاعة سبكتكين على طاعة بورريش ومرّ بورريش هائما على وجهه ورجع عنه الديلم إلى سبكتكين فقبلهم سبكتكين وبسط عذرهم ولم يسئ إلى أحد منهم.
وأمر العرب بطلب بورريش فلم يكن بأسرع من أن يوافى به إبراهيم بن المطوق المعروف بابن البارد أسيرا مسلوبا فأقيم بين يدي سبكتكين فخاطبه بما يجرى مجرى التشفي وأسمعه القبيح ثم أمر بتقييده ورحل إلى همذان واستأنف الخلع التي انتهبت حتى أقام العوض عنها ثم تمم المسير إلى حضرة ركن الدولة فوجده نازلا بباب الري فسلم بورريش إليه فكان آخر العهد به.
ولبس الخلع فبرز فيها للناس وقرئ عهده على خراسان بمشهد من القضاة والقواد ووجوه الناس ووافاه المدد من شيراز واستدعى محمد بن عبد الرزاق من الدامغان لمناجزة المرزبان فإنّه كان أهمّ وأولى بالابتداء فلمّا واقعه ظفر به وأخذ أسيرا كما حكينا في أخباره.
ودخلت سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

انحدار الصيمري لمحاربة عمران بن شاهين

وفيها انحدر أبو جعفر الصيمري لمحاربة عمران بن شاهين وكان هذا الرجل من أهل الجامدة وجنى جناية فهرب إلى البطيحة من سلطان الناحية فأقام بين القصب والآجام واقتصر على ما يصيده من السمك قوتا ثم اضطر إلى معارضة من يسلك البطيحة متلصصا وعرف خبره جماعة من صيادي السمك فاجتمعوا اليه مع جماعة من المتلصصة هناك حتى حمى جانبه من السلطان.
فلمّا أشفق من أن يقصد استأمن إلى البريدي فقلده أبو القاسم الجامدة للحماية والأهواز التي في البطائح فما زال يجمع الرجال إلى أن كثر أصحابه وقوى فغلب على تلك النواحي.
انصراف ابن قراتكين إلى نيسابور

وفيها ورد الخبر بأنّ ابن قراتكين غلام صاحب خراسان انصرف إلى نيسابور وتفرّقت جموعه عنه وبقي وشمكير بطبرستان فسار إليه ركن الدولة.
يريده فلمّا قرب منه انصرف بغير حرب وعارضه عليّ بن سرخاب أحد قواد ركن الدولة فأوقع بسواده واستأمن أكثر أصحاب وشمكير إلى ركن الدولة ودخل ركن الدولة آمل.
إيقاع الصيمري بعمران

وفيها أوقع الصيمري بعمران بن شاهين دفعة بعد دفعة واستأسر أهله وعياله وهرب عمران بن شاهين واستتر.
ورود خبر موت عماد الدولة واضطراب الجيش

ثم ورد الخبر بموت عماد الدولة عليّ بن بويه فاضطرب الجيش هناك وكتب معزّ الدولة إلى الصيمري بالمبادرة إلى شيراز لإصلاح الأمور بها فترك الصيمري ما كان فيه من طلب عمران ابن شاهين وبادر إلى شيراز.
ووافى ركن الدولة إلى شيراز واجتمعا على تقرير الأمور وضبط البلد وإصلاح أمر الجيش فلمّا استقام الأمر وصلح البلد سلماه إلى الأمير أبي شجاع فنّاخسره بن ركن الدولة وانصرفا عنه.
وكانت علة عماد الدولة التي مات فيها قرحة في كلاه طالت به ونهكت جسمه ولمّا مات نفذت كتب الخليفة بأنّه قد نصب أخاه الأمير ركن الدولة مكانه وجعله أمير الأمراء.
وتغيرت نيّة الأمير معزّ الدولة على أبي الحسن المافرّوخى وقبض على أبي محمد عليّ بن عبد العزيز ابن عمّه بالبصرة ثم على أبي الحسن بعده لمّا عجزا عن ضمان البصرة والأسافل فإنّ أمرها كان مشتركا وكتب إلى أبي جعفر الصيمري وهو بشيراز بأن ينفذ إليه أبو الفضل العبّاس بن فسانجس فأنفذه وقلّده الدواوين التي كانت إلى أبي الحسن المافرّوخى ويسألها منه قبل أن يستكتب الأمير معزّ الدولة أبا محمد المهلّبي بأسبوع.
ثم حاول أن يدخل يده في ديوان السواد ليجرى في ديوانه فمنعه أبو محمّد المهلبي واحتجّ عليه بأن هذا الديوان كان يجرى في ديوان الصيمري.
ثم حاول أن يدخل يده في ديوان النفقات وكان يتولّاه أبو الفضل العبّاس ابن الحسين الشيرازي وفي ديوان الجيش وكان إلى سهل بن برديشت وفي حساب الخزانة الذي يتولّاه أبو على الحسن بن إبراهيم الشيرازي فمنعه معزّ الدولة من ذلك لخصوص هذه الطائفة [ به ] وسكونه إليها.
وفيها ورد الخبر بأنّ كوركير وينال كوسه قتلا الموكّلين بقلعة رامهرمز وكسرا قيودهما وخرج ينال كوسه وهرب فلقيه الأكراد ومانعهم فقتلوه ولم يخرج كوركير ولا فتح اللشكري ولا أرسلان كور ولا اصفهدوست وكتب معزّ الدولة إلى أبي جعفر الصيمري وهو بشيراز أن يبادر إلى القلعة وحفظها فبادر وكان اصفهدوست عليلا من قولنج فمات بها.
ولمّا بعد الصيمري عن عمران وشغل بهذه الأسباب بعد أن لم يبق في أمره شيء تنفّس وخرج من استتاره وعاد إلى أمره وجمع إليه من كان تفرّق عنه من رجاله وقوى أمره.
ترشيح فناخسره للأمر

وفي هذه السنة أحس عليّ بن بويه عماد الدولة بالموت لمخالفة العلل إيّاه وخاف لبعد أخيه عنه وكثرة من في جملته من كبار الديلم أن يطمع في مملكته بعده فاستدعى فنّاخسره بن ركن الدولة من أبيه ليرشّحه للأمر بعده ويأنس به القوّاد والجيش ففعل ذلك.
وسار فناخسره بن ركن الدولة إلى شيراز وضم إليه أبوه حاشيته الثقات ولمّا قرب من شيراز تلقّاه عماد الدولة في جميع عسكره وأجلسه في داره على السرير وأمر الناس بالسلام عليه ووقف بحضرته لئلا يمتنع أحد فكان يوما عظيما مشهودا، ثم عهد إليه بعد ذلك ومات.
ذكر استعمال حزم واستظهار من عماد الدولة قبل موته

كان عماد الدولة يتهم جماعة من أكابر قوّاده ويعرفهم بطلب الرياسة لأنفسهم. وكانوا يرون أنفسهم أكرم منه منصبا وأحق بالولاية فنظّف عسكره منهم وقبض على جماعة.
فكان ممن قبض عليه شيرنجين بن جليس فخوطب فيه وتشفّع فيه وجوه حاشيته وثقات أصحابه فقال لهم:
« إني أحدّثكم عنه بحديث فإن رأيتم بعد استماعه أن أطلقه فعلت. »
ثم ابتدأ يحدّثهم أنّه كان بخراسان في خدمة نصر بن أحمد. قال:
« ونحن يومئذ في شرذمة من الديلم وكان يجلس نصر بن أحمد للسلام في كل أسبوع مرّتين فجلس ذات يوم وحواليه من مماليكه ومماليك أبيه بضعة عشر آلاف غلام سوى سائر العسكر فرأيت شيرنجين هذا قد جرّد دشنيا واشتمل عليه بكسائه. فقلت له:
« ما هذا؟ » قال: « أريد أن أصنع اليوم ما أذكر به آخر الدهر. » قلت: « وما هو؟ » قال: « أدنو كأنّى متظلم أو طالب حاجة فأقبّل الأرض ولا أزال أدنو حتى إذا وثقت بالوصول إلى هذا الغلام (يعنى نصر بن أحمد) فتكت به ثم لا أبالى أن أقتل بعده وقد أنفت من القيام بين يدي صبيّ. » وكان لنصر بن أحمد يومئذ عشرون سنة وقد خرجت لحيته.
فعلمت أنّه إن فعل لم يقتل وحده حتى نقتل كلّنا معه معاشر الديلم فأخذت بيده وقلت له:
« بيني وبينك حديث. » وجمعت عليه الديلم وحدّثتهم بما همّ به وما يجيء علينا كلّنا إن تمّ له ما يريد فقبضوا على يده وأخذوا منه الدشنى.
أ فتريدون من بعد أن سمعتم رأيه في نصر بن أحمد أن أمكّنه من الوقوف بين يدي هذا الصبى؟ فأمسكوا عنه وقالوا:
« الأمير أعلم بجيشه. » ولم يزل محبوسا حتى توفّى في محبسه.
وفي هذه السنة قلّد أبو السائب عتبة بن عبيد الله قضاء القضاة.
ودخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

خبر دخول ابن قراتكين غلام صاحب خراسان إلى الري

وفيها ورد الخبر بدخول ابن قراتكين غلام صاحب خراسان إلى الريّ وانصراف من كان بها من أصحاب ركن الدولة وكان ركن الدولة بطبرستان واستولى أصحاب ابن قراتكين على الجبل كلّه.
موت الصيمري

وفيها مات أبو جعفر محمد بن أحمد الصيمري في حمى حادّة بالبزبونى من الجامدة لمّا عاد لمحاربة عمران بن شاهين.
استكتاب معز الدولة المهلبي

وفيها استكتب معزّ الدولة أبا محمّد الحسن بن محمّد المهلّبي ولما ورد الخبر بموت أبي جعفر الصيمري أرجف لجماعة بأنّ الأمير معزّ الدولة يستكتبه فمنهم أبو عليّ الطبري ومنهم أبو عليّ الحسن بن هارون ومنهم أبو محمّد المهلّبي واجتمع أبو محمّد المهلّبي وأبو عليّ الحسن بن هارون فتحالفا على أنّ من صحّ له الأمر منهما كان لصاحبه على مودّة ومشاركة.
وسعى أبو على الطبري وكان رجلا أمّيا في أول أمره نخّاسا يبيع الرقيق فخطب كتبة الأمير أبي الحسين مكان أبي جعفر الصيمري وبذل مالا فأطمعه معزّ الدولة فيما قدّر وتقدّم إليه بحمل المال فحمل إلى الخزانة مالا فلمّا صحّ المال عدل عنه إلى أبي محمّد المهلّبي فقلده كتابته وتدبير أعمال الخراج وجباية الأموال وخلع عليه لذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من جمادى الأولى.
وزوّج أبو محمّد المهلّبي ابنته من أبي على الحسن بن محمّد الأنبارى الكاتب واستخلفه بالحضرة وانحدر إلى الأهواز.
ذكر السبب في اختيار معز الدولة أبا محمد المهلبي وإيثاره إياه على وجوه الكتاب من الحضرة وغيرهم مع وفور عدد الكفاة يومئذ

سبب ذلك أنّه وجده جامعا لادوات الرياسة وكان لا يجمعها غيره وإن كان فيهم من هو أرجح كتابة. وأيضا فقد أنس به على طول الزمان وأنّه خلف الصيمري على الوزارة فعرف غوامض الأمور وأسرار المملكة وكان الباقون لا يعرفون ذلك ولا يخرج إليهم ولا يوثق بهم فيها.
وكان مع ذلك حسن الإنباء عن نفسه فصيحا مهيبا متوصّلا إلى إثارة الأموال عارفا برسوم الوزارة القديمة سخيّا شجاعا أديبا يفصح بالفارسية فتلافى أكثر ما درس من رسوم الكتابة واستدرك كثيرا من العمارات وأثار وجوه الأموال من مواضعها فحسنت إثارة.
وتوفر مع ذلك على أهل الأدب والعلوم فأحيا ما كان درس ومات من ذكرهم ونوّه بهم ورغّب الناس بذلك في معاودة ما أهمل منها.
ثم خرج إلى الأهواز فجمع أموالا كان قد طمع فيها العمال من بقايا وزيادات زادها في العقود عليهم ومن مؤامرات ناظر عليها العمّال والضمناء فألزمهم أموالها فاتصلت حموله وظهر فضله على من تقدّمه.
ثم انتقل من الأهواز إلى البصرة فكان أثره فيها أوفر وإثارته للأموال منها أكثر كما سنذكر بعضه.
إيغال سيف الدولة في بلاد الروم وما كان من عاقبته

وفي هذه السنة ورد الخبر بأنّ سيف الدولة غزا وأوغل في بلاد الروم وفتح حصونا كثيرة من حصون الروم وسبى عددا.
فلمّا أراد الخروج من بلد الروم أخذ الروم عليه الدرب الذي أراد الخروج منه فتلف كل من كان معه من المسلمين أسرا وقتلا وارتجع السبي الذي كان سباه وأخذ سواده وكراعه وخزائنه وأمواله وسلاحه وغنم الروم منه غنيمة لم يروا مثلها وأفلت في عدد يسير.
خروج سبكتكين إلى همذان

وفيها خرج الحاجب سبكتكين إلى همذان مددا لركن الدولة فلمّا دخل قرميسين أسر من كان بها من أصحاب ابن قراتكين.
رد القرامطة الحجر الأسود

وفيها ردّ القرامطة الحجر الأسود إلى موضعه من البيت الحرام بمكّة وكان أخذه أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنّابى من البيت الحرام وكان بجكم بذل في ردّه خمسين ألف دينار فلم يردّ، وقيل: إنّا أخذناه بأمر وإذا ورد الأمر بردّه رددناه.
فلمّا كان في ذي القعدة من هذه السنة كتب إخوة أبي طاهر كتابا يذكر فيه أنّهم ردّوا الحجر بأمر ممن أخذوه بأمره ليتمّ مناسك الناس وحجّهم.
وكان الذي جاء به أبو محمّد ابن سنبر ثم سار به إلى مكّة وردّه إلى موضعه.
ذكر الآثار الجميلة التي أثرها الوزير أبو محمد المهلبي حتى عمرت الخراب وتوفر دخلها واتصل الحمل منها بعد انقطاعه

قد كان معزّ الدولة لمّا فتح البصرة ودخلها تظلّم إليه الرعية من سوء معاملات البريديين فعرف أكثرها وذلك أنّ أبا يوسف البريدي خاصّة تفرّد بالنظر في أعمال البصرة وجباية أموالها.
فرسم لأبي الحسن ابن أسد الكاتب أن يطالب ملّاك الأرضين التي يؤخذ منها حقّ العشر - وتعرف بصدقات أراضي العرب - بالبصرة عن كل جريب من الحنطة والشعير عشرين درهما وإنّما فعل ذلك بسبب زيادة الأسعار بالبصرة وأنّ الكر بالمعدّل من الحنطة بلغ بها مائتي دينار ولم يستعمل ذلك إلّا على تدريج.
فلمّا قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف أقرّ ابن أسد على العمل وأجرى الناس على ذلك الرسم.
وكانت العمارة تنقص في كل سنة لأجل جور البريديين وعمّالهم وهم يطالبون بالعبرة فنقص مال العبرة عن جربان العمارة فزاد ذلك ما يلزم كل جريب في السنة على ما كان يلزمه في السنة التي قبلها.
وكان قد قحط أهل البصرة بالمحاصرات التي لحقتهم فألزموا أن يزرعوا تحت النخل حنطة وشعيرا فلمّا فعلوا ألزموا عن كل جريب أربعين درهما فقصّروا في العمارة، فجعل ما كان يرتفع عبرة عليهم واستوفى من ملّاك أرض العشر فتهارب الناس فزاد ذلك على من بقي.
فلمّا تقلّد أبو محمّد المهلبي وزارة معزّ الدولة ودخل البصرة وتظلّم إليه أهل البصرة من العبر التي جعلت عليهم في أرضى الحنطة والشعير فوعدهم بكل ما أنسوا به.