









وسار يطلب ابن محتاج وانفلّ عن ابن محتاج رجاله وعادوا إلى صاحب خراسان وبقي أبو عليّ في مائتي رجل من أصحابه سوى من ضمّ إليه من الديلم فاضطرّ إلى الهرب من بين يدي ابن مالك.
وورد خبره من الدامغان بأنّه صائر إلى ركن الدولة مستجيرا به، فقبله ركن الدولة أحسن قبول وأقام عنده بالريّ. ونزل ابن مالك بنيسابور وتتبع أسباب ابن محتاج.
وفيها صرف الابزاعجى عن الشرطة ببغداد واعتقل وصودر على ثلاثمائة ألف درهم وقلّد الشرطة مكانه تكينك نقيب الأتراك وقد كان طولب قبل صرفه بأربعين ألف درهم على أن يقرّر في عمله من الشرطة ووعد بإقطاع فلم يفعل.
ذكر الرأي الخطأ من الابزاعجى حتى استمرت عليه النكبة وعظمت بعد أن كانت خفيفة
كان الابزاعجى منقطعا إلى أبي عليّ الخازن فاستشاره وكان أبو عليّ يعتنى به فأشار عليه ألّا يلتزم شيئا ولا يدخل تحت شيء مما يطالب به وقال له:
« هذا يطمع فيك ويسير رسما عليك فإن امتنعت انحسم الطمع فيك وفيما بعده.
فقبل رأيه فأدّاه ذلك إلى النكبة وما أراد به أبو عليّ إلّا الخير ولكنّه أخطأ الرأي كما يخطئ الإنسان ولمّا أدّى هذا المال وانصرف إلى منزله قبض أيضا عليه ونكب نكبة ثانية وسلّم إلى تكينك فجرى عليه مكروه عظيم وصودر على مائتين وخمسين ألفا فأدّاها.
دخول ركن الدولة إلى جرجان
وفيها دخل ركن الدولة إلى جرجان ومعه أبو عليّ ابن محتاج بغير حرب وانصرف وشمكير عنه ودخل خراسان.
وفيها خطب (بمكة والحجاز) لركن الدولة ومعزّ الدولة وبختيار وبعدهم لابن طغج وذلك بعد حرب جرت بين أصحاب معزّ الدولة وبين المصريين.
وكان أبو عليّ ابن محمّد بن عبيد الله صاحب الحاج من قبل السلطان بمكّة، فأبلى وقاتل وقتل ابن له بين يديه.
ودخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
تقليد معز الدولة إمرة الأمراء لابنه بختيار
وفيها عقد معزّ الدولة لابنه أبي منصور بختيار الرياسة وقلّده إمرة الأمراء وذلك في المحرم من هذه السنة.
وكان سبب ذلك أنّه عرض لمعزّ الدولة علّة يقال له: فرمافسمس وهي علّة الإنعاظ الدائم ويكون معه وجع شديد مع توتّر القضيب. وكان معزّ الدولة خوّارا في أمراضه فأوصى وقلّد ابنه كما حكينا إمرة الأمراء.
عمران وأمتعة التجار
وبلغ عمران بن شاهين أنّ معزّ الدولة قد مات واجتاز به مال يحمل إلى معزّ الدولة من الأهواز ومعه كار كبير فيه للتجار أمتعة عظيمة وكان مقدار المال المحمول لمعزّ الدولة مائة ألف دينار وما للتجار أضعاف ذلك.
فمدّ عمران يده إلى المال والكار على رسمه في مثل ذلك فأخذ الجميع وقبض على المرعبل ملّاح معزّ الدولة الذي كان مع المال فصادره وضربه ضربا عظيما ودهقه إلى أن أزمنه. ثم أنفذ إليه معزّ الدولة أبا الحسين الكوكبي نقيب الطالبيين برسالة إلى أن ردّ المال وذهبت أمتعة التجار وانتقض الصلح وتأدّى الأمر إلى الوحشة.
وكان الحاجب سبكتكين أخرج إلى شهرزور في جيش كثير ومعه عرّادات ومنجنيقات فأقام مدّة عليها ولم يمكنه فتحها واتّفق أنّ جيشا ورد من صاحب خراسان إلى الريّ فاحتيج إلى إنفاذ سبكتكين إلى ركن الدولة مددا له فانصرف من شهرزور ولم يصنع شيئا.
استيلاء ابن ماكان على إصبهان ومبادرة ابن العميد
وفيها ورد ابن ماكان أصبهان وكان مسيره إليها على طريق المفازة من خراسان فهجم هجوما وأضطرّ أبو منصور بويه بن ركن الدولة وعيال ركن الدولة وجميع أصحابه أن يخرجوا على وجوههم إلى خان ألنجان ومنها إلى الرباط على أقبح صورة واستولى ابن ماكان على أصبهان.
وكان الأستاذ الرئيس أبو الفضل ابن العميد - رفع الله درجته - بأرجان فبادر مع قطعة من العرب ونفر يسير من الديلم كانوا معه، فوجد ابن ماكان قد تبع أبا منصور بويه بن ركن الدولة ومن معه من الحرم فلحق سواده وملك خزائنه وتخلّص الأمير بويه والحرم وقد أشرف هو والحرم على الفضيحة والأسر فلحقه الأستاذ الرئيس فعارض ابن ماكان ودافعه بخان ألنجان فأوقع به واستأسره وبه ضربات وأسر جميع قوّاده وقتل أصحابه قتلا ذريعا.
وحمل الأستاذ الرئيس أبو الفضل ابن ماكان وقوّاده إلى القلعة بالخان ثم صار إلى إصبهان فأوقع بمن فيها من أصحاب ابن ماكان وورد الأمير أبا منصور بويه بن ركن الدولة مع الحرم إلى إصبهان مصونين وتلافى ذلك الخطب العظيم أحسن تلاف.
وكان يحدّثني - رحمه الله - بخبر هذه الوقعة مرّات فيقول:
لما التقينا بالخان انهزم عنى أصحابي واشتغل أصحاب ابن ماكان بالنهب والغارة وثبتّ أنفة فقط من غير رجاء مني في ظفر، بل وقفت وقوف المستسلم للقتل والأسر. وذلك أنّى فكرت في تلك الحالة وقلت: إن انصرفت بنفسي سالما ومثلت بين يدي صاحبي أيّ وجه يكون لي عنده وأيّ لسان يدور بعذر لي بحضرته بعد أن أسلمت أعزّته وأولاده وحرمه وبالجملة ملكه! ونظرت فإذا القتل عليّ في حالتي تلك أهون من هذه الحال التي تصوّرتها فصرت لان أقتل كريما.
فسكنت واقفا وراء خيمة لي بعمودين وأنا أرى أطنابها تقطع وما فيها يخرج ومن يراني لا يظنّ أنّى أثبت في ذلك الموضع مع تلك الصورة، فبينما أنا كذلك وأصحاب ابن ماكان مشغولون عني بالنهب إذ ثاب إليّ غلامي روين وفلان وفلان وراءهم العرب فثاب منهم جماعة يسيرة فحملت بهم وصاح الناس:
« الكرّة. » فقتلنا وأسرنا ولم يفلت أحد.
ولما كان بعد ساعة من النهار لم يبق من جيش ابن ماكان عين تطرف إلّا من أخذ أسيرا، وحمل إليّ ابن ماكان وبه ضربة في يده وقد تعلّق منها إصبعان بجلدة رقيقة، فمدّها حتى قطعهما.
فهو على ذلك بين يديّ حتى شقّ الزحمة إليه مكار أو ركابيّ فصفعه صفعة طنّ بها الموضع وغاص، فلحقني غيظ عظيم وأمرت بطلبه وهممت بالمثلة به وقطع يده فما وقف له على أثر ولا عرف له خبر إلى اليوم.
وكان ابن ماكان مع عظم قدره في نفوس الديلم وشدّة بأسه محربا عظيم القوّة ورأيت أنا جوشنه وهو رزين جدا يعرض على فتيان الديلم وأشدائهم أن يلبسه فيستعفى منه لثقله على اليد.
حوادث عدة
وفي هذه السنة أنجد سيف الدولة ديسما وعاضده بعض الأكراد فقصد سلماس وملكها وخطب لسيف الدولة بها وكان السلّار غائبا بناحية باب الأبواب مشغولا بقوم خرجوا عليه هناك. فلمّا عاد من باب الأبواب وأصلح أمره هناك وظفر بعدوّه فقصد ديسما فاستأمن رجاله إلى سلّار وهرب ديسم ومضى الى ابن الديراني صاحب أرمينية مستجيرا به فقبله ثم غدر به وقبض عليه وقيّده وحمله إلى السلّار فيقال: إنّ السلّار سملة ثم قتله.
وفيها مات أبو عليّ ابن محتاج وابنه بالريّ في وباء حدث هناك.
وفيها تمّ الصلح بين ركن الدولة وصاحب خراسان.
وفيها ورد أبو الفضل القاشاني صاحب ركن الدولة مع ابن أخت ابن مالك برسالة عبد الملك بن نوح صاحب خراسان يلتمس أن ينفذ إليه خلع ولواء على خراسان، فعقد له الخليفة اللواء وسلّمه مع الخلع إلى ابن أخته الوارد برسالته وردّه مع أبي الفضل القاشاني وقاد أيضا إليه فرسا وأضاف إلى خلع الولاية خلع منادمة.
ودخلت سنة خمس وأربعين وثلاثمائة
ذكر وزارة المهلّبي وخروج روزبهان على معزّ الدولة
وفيها خوطب أبو محمّد المهلّبي بالوزارة وأمر بذلك معزّ الدولة وخلع عليه وزاد في إقطاعه.
وفيها خرج روزبهان بن ونداذ خرشيد الديلمي على معزّ الدولة وخرج أخوه المسمى ببلكا بشيراز وكاشفا بالعصيان وفعل مثل ذلك أخوه الآخر أسفار بالأهواز وجاء روزبهان إلى الأهواز وكان بها الوزير المهلبي ليحاربه فاستأمن رجاله إلى روزبهان وانحاز الوزير عنه.
وورد الخبر بذلك على معزّ الدولة فلم يكن يصدّق بذلك لشدّة ثقته به فإنّه هو الذي اصطنعه ونوّه باسمه فكان خاملا وعظّم قدره وكان صغيرا قبل ذلك من رجال موسى فياذه وصغار أصحابه.
فأنفذ معزّ الدولة شيرزيل على مقدّمته للحرب واضطرب الديلم بأجمعهم على معزّ الدولة اضطرابا شديدا وأظهروا أشياء كانت في نفوسهم عليه من العتب والاستبطاء وكاشفوه وواجهوه بكلّ ما كره وأخذوا يستأمنون.
فقلد معزّ الدولة الابزاعجى الشرطة بواسط وأنفذه إليها. وفي يوم الخميس لخمس خلون من شعبان خرج معزّ الدولة من داره ببغداد متوجها إلى قتال روزبهان وزاد الأمر في استئمان الديلم إلى روزبهان.
وخرج الخليفة المطيع لله منحدرا إلى معزّ الدولة وذلك أنّ ناصر الدولة لمّا بلغه خبر روزبهان وما عمله هو وأخوته حدّث نفسه ببغداد فوجّه بابنه أبي المرجّى وآخر من أولاده إلى بغداد، وبلغ ذلك معزّ الدولة فردّ الحاجب سبكتكين من واسط لضبطها وكتب إلى مسافر بن سهلان - وكان بنهاوند متقلّدا لها - يأمره بالتعجّل إلى بغداد لمضامّة الحاجب سبكتكين ببغداد.
فشغب الديلم المقيمون ببغداد لطلب أرزاقهم فبعث إليهم مسافر وسبكتكين ولشكرورز ووعدهم بالمال فسكنوا وكان مسافر نزل في أعلى القطيعة وخرج سبكتكين الحاجب فنزل بباب الشمّاسية وهم على قنوط من [ معزّ ] الدولة.
ومنع معزّ الدولة جميع الديلم من العبور لقنطرة أربق معه لما رأى من استئمانهم إلى روزبهان ووكّل بالقنطرة من يمنعهم من عبورها قلّة ثقة بهم وخوفا من أن يغدروا به ويشوّشوا باقى عسكره لأنّه كان ينفق فيهم فإذا قبضوا النفقات صاروا إلى روزبهان من فورهم فما عبر معه من الديلم إلّا ليلى بن موسى فياذه وشيرزيل ابن وهرى والحسن بن فنّاخسره فقط.
وكان اعتماد معزّ الدولة على غلمانه الأتراك فحارب روزبهان يوم الاثنين انسلاخ شهر رمضان نهاره كلّه إلى أن سقط القوم ثم حمل بنفسه في غلمان داره وحضّهم بأن قال:
« يا أولادى قد ربّيتكم تربية الأولاد فأرونى غناءكم الساعة. » فحملوا معه حملة الصبيان الأغمار فلم يردّهم شيء وانهزم روزبهان وأصحابه وأسر روزبهان وبه ضربات وأسر كوركير وفتح اللشكري وأرسلان كور.
شرح صورة هذه الحرب على سياقة من شاهدها
استوحش الديلم من منع معزّ الدولة إيّاهم من العبور، فاجتمعوا عليه وقالوا له:
« إن كنّا رجالك فأخرجنا نقاتل بين يديك فإنّا لا نصبر أن نجلس مع الصبيان لحفظ سوادك ونرى الأتراك يقاتلون عنك فمتى ظفرت بعدوّك خرجنا من المحمدة ومتى ظفر عدوّك فلحقنا العار والسبّة. » وكأنّهم سلكوا في هذا الكلام مسلك الحيلة ليطلق لهم العبور فيتمكّنون من كسر عسكره والاستئمان إلى عدوّه.
فسألهم التوقّف وقال:
« إنّما أريد أن أشامّ القوم ولا أناجزهم كما فعلت بالأمس فإذا كان في غد باكرناهم بأجمعنا على تعبية واستعنّا بالله وناجزناهم. » وكان يدرّ عليهم النفقات ويواصل العطايا ويكثر المداراة فأمسكوا عنه وعبر معزّ الدولة وعبّى غلمانه كراديس تتناوب في الحملات إلى وقت غروب الشمس فهناك فشل الأتراك وانقطعت حيلهم وفنى نشّابهم وشكوا إلى معزّ الدولة وقالوا:
« ليس فينا فضل وقد أمسينا فنستريح الليلة وتفرّق فينا النشّاب ونباكرهم الحرب. » فعلم معزّ الدولة أنّه إن رجع عن هذه الحالة زحف روزبهان والديلم وثار من خلّف وراءه من أصحابه الديلم الذين كان يتّهمهم فلا يمكنه الهرب وكان الهلاك فبكى بين أيدى غلمانه وكان سريع الدمعة ثم سألهم أن تجمع الكراديس كلّها ويحملوا وهو في أوّلهم فإمّا أن يظفروا وإمّا أن يقتل أول من يقتل. فطالبوه بالنشاب فقال:
« قد بقي مع الغلمان الأصاغر نشّاب فخذوه وتوزّعوه. » وكانت عدّة من الغلمان الأصاغر تحتهم الخيل الجياد العتاق وعليهم الجنن والتجافيف وكانوا سألوا معزّ الدولة أن يأذن لهم في الحملة نوبة في الكراديس فلم يأذن لهم وقال لهم:
« إذا كان الوقت الذي يصلح لكم ما سألتم أذنت فيه. » فوجّه إليهم بنقيب وأومأ بيده أن اقبلوا ما يقول النقيب ليأخذ النشاب منهم فلم يشكوا أنّه إنّما أومأ إذنا لهم فيما كانوا يسألونه ووعدهم به، فحملوا وهم مستريحون وكذلك خيلهم فصدموا صفوف الديلم فكسروا بعضهم فوق بعض وصاروا من ورائهم وحمل معزّ الدولة فوضع فيهم اللتوت فكانت إيّاها وكتب بالظفر إلى بغداد.
فورد على الديلم المقيمين ببغداد ما أدهشهم ولم يصدّقوا به وقدّروا أنّه أرجف بذلك إرجافا فكانوا يستهزئون استهزاء ظاهرا ويقولون:
« نعم كانوا دجاجا وضع عليهم مكبّة فما أفلت أحد ».
وكانت نفوسهم اشرأبّت إلى روزبهان. فلمّا صحّ عندهم الخبر ضعفت نفوسهم وانخذلوا.
وأسرع معزّ الدولة الانصراف ليلحق بغداد قبل ورود أصحاب ناصر الدولة إليها. فدخل بغداد يوم الجمعة لاثنى عشرة ليلة بقيت من شوال ودخل داره ثم سار في يومه ذلك في الماء إلى معسكر الحاجب بباب الشمّاسية في زبزب ومعه روزبهان في زبزب آخر مكشوفا ليراه الناس وكوركير في زبزب آخر، واجتمع الناس على الشطوط فدعوا له وعلى روزبهان.
وقد كانت العامّة محبّين لأيّام معزّ الدولة وذلك لما كان منه في سدّ بثق نهر الرّفيل وسدّ بثق بادوريا فإنّه خرج بنفسه حتى سدّ هذا البثق وحمل التراب بنفسه في برّكة قبائه حتى فعل جميع العسكر مثل فعله وسدّ ذلك البثق. ثم خرج إلى النهروانات فسدّ بثقابها وكانت النهروانات قد بطلت وكذلك بادوريا فلمّا سدّ بثوقها عمرت بغداد وبيع الخبز النقي عشرين رطلا بدرهم فمالت العامّة إلى أيّام معزّ الدولة وأحبّوه.
ومضى الأمير معزّ الدولة ممتدّا إلى عسكره بقطربّل وكان أبو المرجّى وأخوه قد وصلا إلى عكبرا ووصلت خيولهما إلى البركان. فلمّا بلغهما قدوم معزّ الدولة وما جرى على روزبهان انصرفا من عكبرا إلى الموصل وتبعهما الحاجب سبكتكين فلم يلحقهما لإغذاذهما السير.
وحبس روزبهان بالصراة في حصن كان هناك فكان الديلم يحدّثون أنفسهم بكبس موضعه وإخراجه. وأشار أبو العباس مسافر على معزّ الدولة بقتله فأبى وكره ذلك إلى أن قال جماعة من ثقاته:
« إنّك إن لم تبادر إلى قتله أخذه الديلم غصبا وزالت الدولة وذهبت أرواحنا. » فاخرج حينئذ بالليل وغرّق في سميريّة أسفل دار الخليفة.
وورد الخبر بعد ذلك بظفر الأستاذ ابن العميد ببلّكا أخي روزبهان وردّه الملك على أبي شجاع فناخسره بن ركن الدولة.
فانطوى ذكر روزبهان وأخويه بعد أن اشتعل اشتعال النار وانحاز إليه وإلى أخيه بلّكا الديلم وظنّوا أنّهم قد نقلوا ملك بنى بويه ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم إنّ معزّ الدولة أسقط الديلم الروزبهانيّة وقبض على جماعة من قواده وأعرض عن سائر الديلم وأقبل على الأتراك واصطنعهم وكتب بالفتح إلى الأمصار.
ودخلت سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة
موت السلار المرزبان
وفيها ورد الخبر بموت السلار المرزبان بآذربيجان في شهر رمضان وكانت وفاته بفساد المزاج. فلمّا يئس من نفسه أوصى إلى أخيه وهسوذان على أن يكون الرياسة له ثم من بعده لابنه جستان، وكان قد تقدّم إلى أصحاب قلاعه الموكّلين بحفظها إن حدث الموت ألّا يسلّموها إلّا إلى جستان ابنه فإن حدث به حدث الموت فإلى ابنه إبراهيم فإن مات فإلى ابنه ناصر.
وكان له ولد رابع يقال له كيخسره فلم يذكره لصغره وقال: فإن لم يبق من هؤلاء أحد فسلّموها إلى أخي وهسوذان.
ولما وصّى إلى أخيه وصيّته هذه عرّفه علاماته التي بينه وبين أصحاب قلاعه فأنفذ وهسوذان بعلاماته وخاتمه إلى المرتّبين في القلاع في تسليمها إليه فأبوا عليه وأظهروا وصيّته المستورة.
وكان إبراهيم بن المرزبان متزوّجا بابنة ولكين بن خرشيد وهو من أكابر الديلم وكان ولكين هذا محبوسا من جهة المرزبان بأردبيل، فلمّا مات المرزبان خاطبته زوجته في أبيها وحملته على أن يمضى بنفسه ويخرجه من محبسه. فركب وأخرجه من غير استئذان عمّه وهسوذان فاستوحش وهسوذان وفكّر في مخاتلة أخيه له في الوصية وفي إقدام ابن أخيه إبراهيم عليه وإخراجه ولكين من محبسه بغير إذنه فساء ظنّه وخرج من أردبيل كالهارب إلى الطرم فاستولى جستان على ممالك أبيه وأطاعه أخواه إبراهيم وناصر وقلّد وزارته أبا عبد الله النعيمي وتوافى إليه قوّاد أبيه إلّا جستان بن شرمزن فإنّه تأخّر عنه وفكّر في التغلّب على ناحية أرمينية وكان واليا بها.
وأخذ وهسوذان في التضريب بين أولاد أخيه وتفريق كلمتهم وإطماع أعدائهم فيهم والتشفّى بما عومل به حتى اضطرب عليهم عسكرهم وطالبوهم بما لا يتسعون له حتى تمكّن منهم وقتل بعضهم وحرّض على من لم يمكنه قتله حتى بلغ ما أراد واشتفى وزاد.
ذكر أخبار الأمراض والمناخ والزلازل
وفي هذه السنة كثر ببغداد أورام الحلق والماشرا وكثر الموت بهذين الضربين وموت الفجاءة وكل من افتصد انصبت إلى ذراعه مادّة حادّة عظيمة يتبعها حمّى حادّة فيحتاج إلى بطّ وما سلم أحد ممن افتصد.
وكانت شتوة هذه السنة دفيّة عادمة الأمطار وحكى أهل البحر أنّ البحر نقص في هذه السنة ثمانين باعا وأنّه ظهر لهم جبال وجزائر لم يعرفوها ولا سمعوا بها قطّ وكانت زيادة دجلة في هذه السنة يسيرا نحو عشرة أذرع وكان بالريّ ونواحيها زلازل عظام مات فيها من الناس ما يعظم مقداره ويكثر عدده.
ودخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة
حوادث عدة
وفيها كثرت الزلازل ببغداد وحلوان وبلدان الجبل وعظم أمرها بالجبل خاصّة فخربت الأبنية وقتلت الخلق.
وفيها شغب الأتراك والديلم بالموصل على ناصر الدولة وزحفوا إلى داره وأرادوا الفتك به فحاربهم بغلمانه وبالعامة وظفر بهم وقتل بعضهم في الوقعة وقبض على جماعة وهرب الباقون إلى بغداد.
وفيها ورد الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة إلى بغداد يخطب ابنة معزّ الدولة ومعه أبو عليّ ابن أبي الفضل القاشاني وزيرا ومعه أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد يكتب له على سبيل الترسل.
فلمّا كان ليلة السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى زفّت بنت معزّ الدولة إلى أبي منصور بويه ثم حملها إلى إصبهان.
طمع ناصر الدولة في ممالك معز الدولة بعد الصلح والموادعة
وفيها خرج معزّ الدولة نحو الموصل يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة وعبر من باب الشماسية إلى قطربّل وضرب مضاربه هناك وعزم على قصد الموصل لمحاربة ناصر الدولة وأولاده لما كان منهم في قصد ممالكه والطمع فيها بعد الصلح والموادعة وتردّدت الرسل فأمر معزّ الدولة أن تكتب عنه توبيخات وتهجينات عنيفة شديدة وأمر أن تقرأ وتستوفى أجوبتها.
ذكر هذه التوبيخات
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)