ثم قال: (هل يمكن معرفة الموضوع؟ ذكر المحققون أمورًا كلية….. ).
67
أقول: كان عليه أن ينص على من ذكر هذه الأمور ويبين مصدرها. ومن الأمور التي ذكرها ما يحتاج إلى بيان وإيضاح؛ ومخالفة ظاهر القرآن قد تقدم ما يتعلق بها (ص14). والاشتمال على تواريخ الأيام المستقبلة علامة إجمالية تدعو إلى التثبت لكثرة ماوضع في هذا الباب، وإلا فقد أطلع الله تعالى رسوله على كثير من الغيب وأخبره به، وتجارب العلم الثابتة، إنما يعتد بها إذا كانت قطعية وناقضت الخبر مناقضة محققة ولعله يأتي ما يتعلق بها.
وقال (ص105): (وأخرج البيهقي بسنده…. ).
أقول لم يبين أبو رية من أي كتاب أخذ هذا الأمر، وأحسب البيهقي نفسه قد بين سقوطه من جهة السند، أما المتن فسقوطه واضح. راجع (ص14).
وذكر (ص105) (هل يمكن معرفة الموضوع بضابط) ثم ذكر (ص106): (للقلب السليم إشراف… إلخ).
أقول: ينبغي مراجعة الأصول التي نقل عنها.
الإسرائيليات

ذكرها أبو رية (ص108) وذكر فيها كعب الأحبار ووهب بن منبه، وسيأتي ما يتعلق بهما.
ثم ذكر (ص110) عن أحمد أمين: (اتصل بعض الصحابة بوهب بن منبه وكعب الأحبار وعبد الله بن سلام، واتصل التابعون بابن جريج وهؤلاء كانت لهم معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل… إلخ)، ثم قال أبو رية: (… أخذ أولئك الأحبار يبثون في الدين الإسلامي أكاذيب وترهات يزعمون مرة أنها في كتابهم ومن مكنون علمهم، ويدعون أخرى أنها مما سمعوه من النبي وهي في الحقيقة من مفترياتهم).
أقول: أما عبد الله بن سلام فصحابي جليل أسلم مقدم النبي المدينة وشهد له النبي بالجنة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره، وحدث عن النبي قليلًا جدًا، وقلما ذكر عن كتب أهل الكتاب، وما ثبت عنه من ذلك فهو مصدق به حتمًا وإن لم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن إذ قد ثبت أن كثيرًا من كتبهم انقرض. ولا يسئ الظن بعبد الله بن سلام إلا جاهل أو مكذب لله ورسوله.
وأما وهب بن منبه فولد في الإسلام سنة 34 هـ، وأدرك بعض الصحابة ولم يعرف أن أحدًا منهم سمع منه أوحكى عنه وإنما يحكي عنه من بعدهم. وسيأتي بيان حاله.
68
وأما كعب فأسلم في عهد عمر وسمع منه ومن غيره من الصحابة وحكى عنه بعضهم وبعض التابعين، ويأتي بيان حاله.
وأما ابن جريج فيأتي (ص148) أنه (الذي مات سنة 150) وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وإنما هو من أتباع التابعين ولا شأن له بالإسرائيليات؛ وكأن الدكتور اغتر باسم (جريج) فحشره في زمن هؤلاء، فجاء حاطب الليل فقال (ص148): (وممن كان يبث في الدين الإسلامي مما يخفيه قلبه ابن جريج الرومي الذي مات سنة (150) وكان البخاري لا يوثقه وهو على حق في ذلك)، وهذا مخالف للواقع فلم يُعرف ابن جريج بالإسرائيليات إلا أن يروي شيئًا عمن تقدمه وهو إمام جليل، يوثقه ويحتج به البخاري وغيره، ولم يجد أبو رية ما يحكيه عنه مما زعمه. ومن العجائب قوله في حاشية (ص216): (ابن جريج كان من النصارى)، هكذا يكون العلم! ثم قال (ص110): (…وتلقى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة بغير نقد أو تمحيص معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه).
أقول: وهذا مخالف للواقع، فقد علم الصحابة وغيرهم من كتاب الله عز وجل أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم وبدلوا. ورووا عن النبي قوله: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة. وفيه عن ابن عباس أنه قال: «كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله أحدث، تقرؤنه محضًا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه؟» وفيه أن معاوية ذكر كعب الأحبار فقال: «إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من ذلك لنبلو عليه الكذب»، وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة عن النبي كان يسميها "الصادقة" تمييزًا لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب. وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون في السنة مرة أو في الشهر مرة، فرد عليه أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي أنها في كل يوم جمعة [13] وبلغ حذيفة أن كعبًا يقول: إن السماء تدور على قطب كقطب الرحى، فقال حذيفة: «كذب كعب.... » [14] وبلغ ابن عباس أن نوفًا البكالي -وهو من أصحاب كعب– يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران، فقال ابن عباس: «كذب عدو الله... » [15] ولذلك نظائر. أما ما رواه كعب ووهب عن النبي فقليل جدًا، وهو مرسل؛ لأنهما لم يدركاه، والمرسل ليس بحجة، وقد كان الصحابة ربما توقف بعضهم عن قبول خبر بعض إخوانه من الصحابة حتى يستثبت، فما بالك بما يرسله كعب؟ فأما وهب فمتأخر، وأما ما روياه عن بعض الصحابة أو التابعين
69
فإن أهل العلم نقدوه كما ينقدون رواية سائر التابعين، ويأتي لهذا مزيد.
قال (ص111): (كعب الأحبار)
أقول: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علَّم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضًا لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم.. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن. وبعد فليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وما صح عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه. فإن كثيرًا من كتبهم انقرضت نسخها ثم لم يزالوا يحرفون ويبدلون، وممن ذكر ذلك السيد رشيد رضا في مواضع من التفسير وغيره. واتهامه بالاشتراك في المؤامرة على قتل عمر لا يثبت، وكعب عربي النسب، وإن كان قبل أن يسلم يهودي النحلة. وقول أبي رية: (فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه) من عندياته، والذي عند ابن سعد وغيره أنه سكن حمص حتى مات بها سنة (32).