









أقول: تفرد برواية صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف، والحديث معدود في منكراته فلم يثبت عن أبي هريرة.
قال: (وروى الترمذي عنه: قال رسول الله: «العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم»).
أقول: سنده إلى أبي هريرة غريب كما قال الترمذي، لكنه معروف من رواية غيره من الصحابة، فقد ورد من حديث أبي سعيد وجابر، وجاء من حديث بريدة مرفوعًا: «العجوة من فاكهة الجنة». وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: «من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل». وله شاهد من حديث عائشة في صحيح مسلم. وراجع ما مر قريبًا.
قال: (وروى الحاكم وابن ماجه من حديثه بسند صحيح: «خمروا الآنية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارًا وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت»).
161أقول: هذا حديث جابر بن عبد الله عن النبي، وهو عن جابر بهذا اللفظ حرفًا حرفًا في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق. انظر (6: 253)، وهو بألفاظ أخر في موضع آخر من صحيح البخاري وفي صحيح مسلم.
قال (ص201): (وروى مسلم عنه أن رسول اللهقال: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة»).
أقول: قد تقدم هذا (ص140) فراجعه وتأمل صنيع أبي رية هناك.
قال: (وروايات أبي هريرة من هذا القبيل وأوهى منه تفهق الكتب بها…).
أقول: انتقد أبو رية في ترجمة أبي هريرة نيفًا وثلاثين حديثًا، وهي على خمسة أضرب: ضرب نسبه إلى أبي هريرة اعتباطًا وإنما روي عن غيره. وضرب نحو عشرة أحاديث في سند كل منها كذاب أو متهم أو ضعف أو انقطاع، فهذا لا شأن أبي هريرة به، لأنه لم يثبت عنه، وراجع (ص151). وضرب اختلف فيه أيصح عن أبي هريرة عن النبيأم لا؟ فهذا قريب من سابقه، فإنه على فرض تبين بطلان متنه يترجح عدم صحته عن أبي هريرة؛ لأن تبعة الحديث إنما تتجه إلى الأدنى. وضرب صحيح عن أبي هريرة وقد وافقه عليه غيره من الصحابة اثنان أو ثلاثة أو أكثر. ويبقى بعد الأضرب السابقة ثلاثة أو أربعة أحاديث قد مر الجواب الواضح عنها بحمد الله تعالى.
واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهامهم وآراؤهم ولاسيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب. وكذلك استشكل كثير من الناس كثيرًا من الأحاديث الثابتة عن النبي، منها ما هو رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يعني بطلانه. ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوًا وإنما هو أمر مقصود شرعًا ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور. وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد يرفعهم الله به درجات.
هذا وأنت تعلم أن أبا هريرة رجل أمي لا يكتب ولا يقرأ الكتب، وعاش حتى ناهز الثمانين، منها نحو أربعين سنة يحدث، وكثر حديثه، ولم يكن معصومًا عن الخطأ، وكذلك الموثقون من الرواة عنه ومن بعدهم. أما غير الموثقين فلا اعتداد بهم وقد عاداه المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغلاة أصحاب الرأي كما مرت شواهده في الترجمة، وحرصوا كل الحرص على أن يجدوا في أحاديثه162ما يطعنون به عليه وتتابعت جهودهم، ثم جاء أبو رية فأطال التفتيش والتنبيش وقضى في ذلك سنين من عمره، ومع ذلك كله كانت النتيجة ما تقدم، فعلى ماذا يدل هذا؟
أبو هريرة والبحرين
ذكر جماعة أن النبي ص بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وفي طبقات ابن سعد (4/2/76) عن الواقدي بسنده إلى العلاء بن الحضرمي أن النبي ص بعثه منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوى العبدين بالبحرين… وبعث رسول الله ص معه نفرًا فيهم أبو هريرة وقال له: «استوص به خيرًا» ثم قال الواقدي: (حدثني عبد الله بن يزيد عن سالم مولى بني نصر قال سمعت أبا هريرة يقول: «بعثني رسول الله ص مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه بي خيرًا، فلما فصلنا قال لي: إن رسول الله ص قد أوصاني بك خيرًا فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك. ولا تسبقني بآمين، فأعطاه ذلك»). والواقدي ليس بحجة لكن للقصة شواهد، ففي فتح الباري (2: 217) (فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذنًا بالبحرين، وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين. والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه) وعند ابن سعد (4/2/54) بسند صحيح عن أبي هريرة قال: «صحبت النبي ص ثلاث سنين، ما كنت سنوات قط أعقل مني ولا أحب إليَّ أن أعي ما يقول رسول الله ص مني فيهن» هذا مع أن قدومه على النبي ص كان في صفر سنة (7)، فمنه إلى وفاة النبي ص أربع سنين وشيء، فاقتصاره على (ثلاث سنين) يدل أنه غاب في أثناء المدة سنة أو نحوها، وقد كان البعث بعد الانصراف من الجعرانة كما مر، وكان الانصراف منها في أواخر ذي القعدة أو ذي الحجة (سنة 8)، وفي الطبقات (4/2/77) أن العلاء قدم على النبي ص فولى النبي ص مكانه أبان بن سعيد بن العاص، فعلى هذا لما رجع العلاء رجع معه أبو هريرة، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه ممن حج مع أبي بكر (سنة 9)، وكان ينادي مع علي: «أن لا يحج بعد العام مشرك». انظر صحيح البخاري –تفسير سورة براءة– فصح أن غيبته كانت سنة أو دونها.
وثم ما يدل أن أبا هريرة عاد إلى البحرين في خلافة أبي بكر، ففي الطبقات (4/2/77) عن الواقدي بسنده أن أبا بكر أعاد في خلافته العلاء بن الحضرمي على البحرين، وذكر القصة، وفيها فتح العلاء163دارين سنة أربع عشرة، ثم ذكر ابن سعد بسند آخر أن عمر كتب إلى العلاء أن يذهب ليخلف عتبة بن غزوان على عمله، فخرج العلاء ومعه أبو هريرة فمات العلاء في الطريق ورجع أبو هريرة إلى البحرين، وذكر عن أبي هريرة قوله: «رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء ولا أزال أحبه أبدًا، رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين... وخرجت معه من البحرين إلى صف البصرة، فلما كنا بلياس (؟) مات.. » ومن أهل الأخبار أن أبا هريرة رجع إلى البحرين مع العلاء حين ولاه أبو بكر وكان بها سنة أربع عشرة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)