والاثنان وما فوقهما كثرة؛ فإن لم تكن كثرة لم يكن تباين، وإن كان تباين فالكثرة موجودة، والتباين موجود، فالكثرة موجودة. وأيضاً قد فرضنا أنها ليست موجودة، فهي أيس ليس، وهذا خلف لا يمكن. فليس يمكن ألا تكون كثرة. وأيضاً إن كانت وحدة فقط بلا كثرة؛ فلا اتفاق، ولا اختلاف، ولا اتصال، ولا افتراق؛ لأن أقل ما يكون الاتفاق والافتراق، والاختلاف والاتصال في اثنين. فالاثنان كثرة، فإن لم تكن كثرة لم يكن اتفاق ولا اختلاف، والاتفاق والاختلاف موجودان، فالكثرة موجودة موجودة، وقد كنا فرضنا أنهل لا موجودة، فهي أيس ليس، وهذا خلف لا يمكن ألا تكون كثرة. وأيضاً إن كانت وحد فقط بلا كثرة، فلا ابتداء ولا وسط، ولا آخر له، لأن ذلك لا يكون إلا في ذي أجزاء. والواحد لا ابتداء ولا وسط ولا آخر له، والابتداء والوسط والآخر موجود، فذو الأجزاء موجود، وكل ذي أجزاء أكثر من واحد، فالكثرة موجودة فيه. وقد كنا فرضنا أنها لا موجودة، وهذا خلف لا يمكن. فليس يمكن ألا تكون كثرة. وأيضاً إن كانت وحدة فقط بلا كثرة، ولا شكل، لأن الأشكال إما من قسي، وإما من أوتار، وإما من مركبة من قسي وأوتار أو من سطوح قوسية أو وترية، أو مركبة منهما، فالمستدير والكرى لهما مركز وإحاطة، والمركب من قسي أو قوسية، أو خط أو خطية، أو من قسي أو قوسي، أو وتر أو وتري معاً لها زوايا وأطراف، ففيها كثرة. فإن كانت الأشكال موجودة فالكثرة موجودة والشكل موجود، فالكثرة موجودة، وقد فرضنا أنها لا موجودة، فالكثرة أيس ليس، وهذا خلف لا يمكن. فليس يمكن ألا تكون كثرة. وأيضاً إن كانت وحدة فقط بلا كثرة فهي لا متحركة ولا ساكنة، لأن المتحرك يتحرك بانتقال إلى غير إما مكان، وإما كم، وإما كيف، وإما جوهر. وهذه كثرة، والساكن ساكن في مكان. وأيضاً بعض أجزائه في بعض، والمكان والأجزاء كل واحد منهما كثرة، لأن الأجزاء أكثر من جزء، والمكان علو، وسفل، وأمام، ووراء، ويمين، وشمال. والمكان بطباعه يوجب كثرة، لأن المكان غير المتمكن ومكان المتمكن. والربو يوجب رابياً، والنقص يوجب ناقصاً، والاستحالة توجب مستحيلاً، والكون يوجب كائناً، والفساد يوجب فاسداً. وهذه جميعاً توجب كثرة؛ لأنه لا كائن لا فاسد، ولا رابي لا مضمحل، ولا مستحيل موضوع ومحمول، موضوع محمول عليه النفي لأشياء محدودة، فإن كان السكون كان كثرة فإن لم يكن كثرة لم يكن سكون ولا حركة، والسكون والحركة موجودان، فالكثرة موجودة، وقد كنا فرضنا أنها لا موجودة، فهي أيس ليس، وهذا خلف لا يمكن. فليس يمكن ألا تكون كثرة. وهنالك تبين أنه لا يمكن أن يكون، ولا واحد من الأشياء ليس فيه كثرة، لأنه إن لم تكن فيه كثرة لم يكن متحركاً ولا ساكناً، وليس يخلو شيء من نوع حركة وسكون من المحسوسة وما يلحق المحسوسة. فليس يمكن أن يكون شيء واحد لا كثرة فيه. وأيضاً إن كانت وحدة فقط بلا كثرة لم تكن جزءاً ولا كلاً، لأن الكل جامع الأجزاء، وأقل ما يكون المجتمع اثنان، والاثنان كثرة، فإن لم يكن كثرة بم يكن كل، وإن لم يكن كل لم يكن جزء، لأن الكل والجزء من المضاف الذي يجب كل واحد من طرفيه بوجوب الأجزاء. وأيهما بطل بطل ببطلانه الآخر، فلا كل ولا جزء في الأشياء، والأشياء كل وجزء، فالكل والجزء أيس ليسن وهذا خلف لا يمكن. والجزء أيضاً جزء واحد، فإن كان جزء كانت الوحدة، وإن كان جزء كان كل، فإن لم ين جزء لم يكن كل، وإن لم يكن جزء ولا كل فلا شيء وإن لم يكن شيء فلا محسوس ولا معقول بتة، ولا وحدة في محسوس ولا معقول بتة، فإن لم يكن جزء ولا وحدة، فإذن لا جزء ولا كل، فلا وحدة. وقد كنا فرضنا أن هناك وحدة، فالوحدة أيس ليس، وهذا خلف لا يمكن أيضاً، فليس يمكن ألا يكون كثرة. وهنالك تبين أنه لا يمكن أن يكون شيء من التي ذكرنا وحدة بلا كثرة لأنه يكون لا جزءاً ولا كلاً - كما قدمنا - فقد تبين من جميع هذه الأبحاث أنه لا يمكن أن تكون كثرة بلا وحدة في شيء مما ذكرنا، ومن بعضها أنه لا يمكن أن يكون منها وحدة بلا كثرة. فقد اتضح أنه لا يمكن أن يكون وحدة فقط بلا كثرة، ولا كثرة فقط بلا وحدة، ولا يعرى شيء مما ذكرنا من كثرة ولا من وحدة. فواجب إذن أن تكون الأشياء التي ذكرنا كثيرة وواحدة. وأيضاً فإذا قد تبين أن طباع الأشياء وحدة وكثرة، فلا تخلو الوحدة من أن تكون مباينة للكثرة، أو مشاركة لها؛ فإن كانت الوحدة مباينة للكثرة وجب أن يلزم ما كان وحدة فقط ما لزم الوحدة التي قدمنا ذكرها من الخلف، وما كان كثرة فقط ما لزم الكثرة التي قدمنا ذكرها. فيبقى إذن أيضاً أن تكون الوحدة مشاركة للكثرة، أي مشاركة لها في جميع المحسوسات، وما يلحق المحسوسات، أي أن ما فيه الكثرة منها ففيه الوحدة وما فيه الوحدة ففيه الكثرة. فإذا قد تبين أن