وقال الأصمعي‏:‏ ولي سليمان بن حبيب المحاربي قضاء دمشق لعبد الملك والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز رحمه الله ويزيد وهشام‏.‏ وأراد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مكحولاً على القضاء فأبى عليه‏.‏ قال له‏:‏ وما يمنعك قال مكحول‏:‏ قال رسول الله (ص)‏:‏ لا يقض بين الناس إلا ذو شرف في قومه وأنا مولى‏.‏ ولما قدم رجال من الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكون سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ من يعذرني من أهل الكوفة إن وليت عليهم التقي ضعفوه وإن وليت عليهم القوي فجروه‏.‏ فقال له المغيرة‏:‏ يا أمير المؤمنين إن التقي الضعيف له تقواه وعليك ضعفه‏.‏ والقوي الفاجر لك قوته وعليه فجوره‏.‏ قال‏:‏ صدقت فأنت القوي الفاجر فاخرج إليهم‏.‏ فخرج إليهم فلم يزل عليهم أيام عمر وصدرا من أيام عثمان وأيام معاوية حتى مات المغيرة‏.‏ حسن السياسة وإقامة المملكة كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف يأمره أن يكتب إليه بسيرته‏.‏ فكتب إليه‏:‏ إني أيقظت رأيي وأنمت هواي فأدنيت السيد المطاع في قومه ووليت الحرب الحازم في أمره وقلدت الخراج الموفر لأمانته‏.‏ وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً أعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري‏.‏ وصرفت السيف إلى النطف المسيء والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب وتمسك المحسن بحظه من الثواب‏.‏ وقال أردشير لابنه‏:‏ يا بني‏:‏ إن الملك والعدل أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر فالملك أس والعدل حارس‏.‏ والبناء ما لم يكن له أس فمهدوم والملك ما لم يكن له حارس فضائع‏.‏ يا بني اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرك لمن عناه ما عناك من ذوي العقول‏.‏ وقالت الحكماء‏:‏ مما يجب على السلطان أن يلتزمه العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه وفي ضميره لإقامة أمر دينه‏.‏ فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان ومدار السياسة كلها على العدل والإنصاف لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما ولا يدور إلا عليهما مع ترتيب الأمور مراتبها وإنزالها منازلها‏.‏ وينبغي لمن كان سلطاناً أن يقيم على نفسه حجة الرعية ومن كان رعية أن يقيم على نفسه حجة السلطان‏.‏ وليكن حكمه على غيره مثل حكمه على نفسه‏.‏ وإنما يعرف حقوق الأشياء من يعرف مبلغ حدودها ومواقع أقدارها‏.‏ ولا يكون أحد سلطان حتى يكون قبل ذلك رعية‏.‏ وقال عبد الملك بن مروان لبنيه‏:‏ كلكم يترشح لهذا الأمر ولا يصلح له منكم إلا من كان له سيف مسلول ومال مبذول وعدل تطمئن إليه القلوب‏.‏ ووصف بعض الملوك سياسته فقال‏:‏ لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ولا عاقبت للغضب واستكفيت وأثبت على الغناء لا للهوى وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت ووداً لم تشبه جرأة وعممت بالقوت ومنعت الفضول‏.‏ وذكر أعرابي أمير فقال‏:‏ كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه فهو غائب عنهم شاهد معهم فالمحسن راج والمسيء خائف‏.‏ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ لا يصلح لهذا الأمر إلا اللين من غير ضعف القوي من غير عنف‏.‏ وقال الوليد بن عبد الملك لأبيه‏:‏ يا أبت ما السياسة قال‏:‏ هيبة الخاصة مع صدق مودتها وكتب أرسطوطاليس إلى الإسكندر‏:‏ أن املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه باعتسافك‏.‏ وأعلم أن تقول قدرت على أن تفعل فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل‏.‏ وقال أردشير لأصحابه‏:‏ إني إنما أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر‏.‏ وكان عمرو بن العاص يقول في معاوية‏:‏ اتقوا أكرم قريش وابن كريمها من يضحك في الغضب ولا ينام إلا على الرضا ويتناول ما فوقه من تحته‏.‏ وقال معاوية‏:‏ إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً‏.‏ فقيل له‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ كنت إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها‏.‏ وقال عمرو بن العاص رأيت معاوية في بعض أيامنا بصفين خرج في عدة لم أره خرج في مثلها فوقف في قلب عسكره فجعل يلحظ ميمنته فيرى فيها الخلل فيبدر إليه من يسده ثم يفعل ذلك بميسرته فتغنيه اللحظة على الإشارة‏.‏ فدخله زهو مما رأى فقال‏:‏ يا ابن العاص كيف ترى هؤلاء وما هم عليه فقلت‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت من يسوس الناس بالدين والدنيا فما رأيت أحد تأتى له من طاعة رعيته ما تأتى لك من هؤلاء‏.‏ فقال‏:‏ أفتدري متى يفسد هذا وفي كم ينتقض جميعه قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ في يوم واحد‏.‏ قال‏:‏ فأكثرت التعجب‏.‏ قال‏:‏ إي والله وفي بعض يوم قلت‏:‏ وكيف ذلك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ إذا كذبوا في الوعد والوعيد وأعطوا على الهوى لا على الغناء فسد جميع ما ترى‏.‏ وكتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن علي إذ ولاه الناس أمرهم بعد علي رضي الله عنه‏:‏ أن شمر للحرب وجاهد عدوك واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم دينك وول أهل البيوتات تستصلح بهم