عنه فقام فيهم خَطيباً فقال‏:‏ الحَمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد خاتَم النبيين وآخرً المُرسلين‏.‏ أما بعد فإنَّ الله بعث محمداً عليه الصلاةً والسلام إلى الثّقَلين كافَّة والناسُ في اختلاف والعرب بشرَّ المَنازل مُستضعفون لما بهم بعضهم على بعض فرَأب الله به الثَّأي ولأمَ به الصَّدْع ورَتَق به الفَتق وأمن به السبُل وحَقَن به الدِّماء وقَطع به العداوةَ الواغرة للقُلوب والضَغائن المُخَشِّنة للصُّدور ثم قَبضه الله عز وجلّ مَشكوراً سَعْيُه مَرْضيّاً عملُه مَغْفوراً ذَنْبه كريماً عند ربه‏.‏ فيا لها مصيبةً عَفت المسلمين وخَضَت الأقرَبين‏!‏ ووَليَ أبو بكر فسار بسِيرة رَضِيها المسلمون ثم وَلِيَ عمر فسار بِسيرة أبي بكر رضير اللَه عنهما ثمَّ وَليَ عثمان فَنال منكم وَنلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان اتيتموه فقَتَلتموه ثَم أتيتموني فقلتم لي‏:‏ بايِعْنا فقلتُ لكم‏:‏ لا أفعل وقَبضت يدي فَبسطتموها ونازعتم كَفِّي فَجَذبتموها وقلتم‏:‏ لا نَرْضى إلاّ بك ولا نَجتمع إلاٌ عليك وتَدَاكَكْتم علي تَدَاكُك الإبل الهِيم على حِياضها يوم وِرْدها حتى ظننتُ أنكم قاتلِي وأنَ بعضَكم قاتلُ بعض فبايعتُموني وبايعني طلحَة والزُّبَير ثم ما لَبِثَا أن استأذناني للعمرة فسارا إلى البَصرة فقَتَلا بها المسلمين وفَعلا الأفاعيل وهما يَعْلمان والله أني لستَ بدون واحد ممن مَضى ولو أشاء أن أقول لقُلت‏:‏ اللهم إنهما قَطَعا قَرَابتي ونَكثا بَيْعتي وألَّبا عليَّ عدوِّي‏.‏ اللهم فلا تُحْكِم لهما ما مما حفظ عنه بالكوفة على المنبر قال نافع بن كُليب‏:‏ دخلتُ الكوفة للتّسليم على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه فإنّي لجالس تحت منبره وعليه عِمامةٌ سوداء وهو يقول‏:‏ انظروا هذه الحكومة فمن دَعا إليها فاقتلوه وإن كان تحت عِمامتي هذه‏.‏ فقال له عديُّ بن حاتم‏:‏ قلتَ لنا أمس‏:‏ من أبى عنها فاقتلوه وتقول لنا اليوم‏:‏ مَن دعا إليها فاقتلوِه والله ما نَدْري ما نَصْنع بك‏!‏ وقام إليه رجل أحْدب من أهْل العراق فقال‏:‏ أمرت بها أمسي وتنهى عنها اليومَ‏!‏ فأنت كما قال الأول‏:‏ أكلكَ وأنا اعلم ما أنت‏.‏ فقال عليّ‏:‏ إلِي يُقال هذا أصبَحتُ أذْكُر أرحاماً واصِرةً بُدِّلت منها هُوِيَّ الريح بالقَصَب أمَا والله لو إني حين أمرتكم بما أمرتكم به ونَهيتكم عمَّا نهيتكم عنه حَملَتُكم على المَكروه الذي جعل الله عاقبتَه خيراً إذا كان فيه لكانت الوُثَقى التي لا تُفْصم وِلكن مَتى وإلى مَتى أداويكم إني والله بكم كناقِش الشوكة بالشوكة‏!‏ يا لَيت لي بعض قومي وليت لي من بَعْدُ خيرَ قومي‏.‏ اللهم إنَّ دِجلة والفرات نهران أعجمان أصمِّان أبكمان اللهم سَلِّط عليهما بَحْرَك وانزع منهما بَصرك وَيْ للنَزعة بأشْطان الرِّكي دُعوا إلى الإسلام فقَبلوه وقرءوا القرآن فاحْسنوه ونَطقوا بالشَعرِ فأحْكموه وهُيِّجوا إلى الجهاد فَوَلَوْا اللَقاح أولادَها وسَلَبوا الضيوف أغمادَها ضَرْباً ضَرْبَاً وزَحْفاً زَحْفاً لا يَتباشرون بالحياة ولا يُعَزَّون على القتلى‏:‏ أولئك إخوانيَ الذّاهبون فَحَق البكاءُ لهم أن يَطِيبَا رُزِئتُ حَبِيباً على فاقةٍ وفارقتُ بعد حَبيبٍ حَبيبَا ثم نزل تَدْمع عيناه‏.‏ فقلت‏:‏ إنَّا لله وإنَا إليه راجعون على ما صِرْتَ إليه‏!‏ فقال‏:‏ نعم إنا لله وإنا إليه راجعون‏!‏ أقوِّمهم والله غُدْوَة ويَرْجعون إليَ عشيةً مثل ظَهْر الحيَّة حتَّى متى وإلى متى حَسْبي الله ونعم الوكيل‏!‏ خطبة الغراء رضي الله عنه‏:‏ الحمد للهّ الأحد الصَّمد الوِاحد المُنفرد الذي لا مِن شيء كان ولا مِن شيء خُلق إلا وهو خاضع له قُدْرة بان بها من الأشياء وبَانت الأشياء منه فلست له صفة تّنال ولا حَدّ يُضرب له فيه الأمثال كلِّ دون صِفته تَحْبير اللّغات وضَلَّت هناك تَصاريف الصِّفات وحارت دونَ مَلكوته مذاهبُ التَّفْكير وانقطعت دون عِلْمه جوامعُ التَّفْسير وحالت دونَ غَيْبه حُجبٌ تاهت في أَدْنىَ دُنوّها طامحات العُقول‏.‏ فتَبَارك الله الذي لا يَبْلغه بُعْدُ الهِمَم ولا يَناله غَوْصُ الفِطن وتَعالى الذي ليس له نَعْت مَوْجود ولا وَقْتٌ مَحدود‏.‏ وسُبحان الذي ليس له أوَلُ مُبتدأ ولا غايةُ مُنْتهى ولا آخِرٌ يَفْنى وهو سُبحانه كما وَصف نفسه والواصفون لا يَبْلغونَ نعْته أحاط بالأشياء كُلِّها عِلْمُه وأتْقنها صُنْعه وذلّلها أمرُه وأحصاها حِفْظُه فلا يَغْرُب عنه غُيوب الهَوى ولا مَكنون ظُلَم الدُّجى ولا ما في السموات العُلى إلى