









بن وَهْب: الكاتبُ نفسٌ واحدة تجزّأت في أبدان مُتفرِّقة. فأما الكاتب المُستحقّ اسم الكِتابة والبليغُ المَحْكوم له بالبلاغة مَن إذا حاول صِيغَة كتاب سالت عن قلمه عُيونُ الكلام من ينابيعها وظَهرت من معادنها وبدرت من مواطنهَاَ من غير بلغني أنّ صَديقاً لكُلثوم العتّابي أتاه يوماً فقال له: اصنع ليِ رسالةً فاستعدّ مدّة ثم علّق القلم فقال له صاحبه: ما أرى بلاغَتك إلا شاردةً عنك. فقال له العتِّابيّ: إني لما تناولتُ القلم تداعتْ عليّ المعاني من كل جهة فأحببتُ أن أترك كل معنَى حتى يرجع إلى موضعه ثم أَجتني لك أحسنَها. قال أحمدُ بن محمد: كنتُ عند يزيد بن عبد الله أخي ذُبْيان وهو يُمْلي على كاتب له فأعجَل الكاتبَ ودَارَك في الإملاء عليه فتَلجلج لسانُ قَلَم الكاتب عن تَقْييد إملائه فقال له: اكتُب يا حمار. فقال له الكاتبُ: أَصْلَحَ اللهّ الأمير إنه لما هَطلت شآبيبُ الكلام وتَدافعت سُيولُه على حَرْف القَلَم كَلَّ القَلمُ عن إدراك ما وَجب عليه تقييدُه. فكان حُضور جواب الكاتب أبلغَ من بلاغة يزيد. وقال له يوماً وقد مَطَّ حرْفاً في غير مَوْضعه: ما هذا قال: طُغْيان في القَلَم. فإنْ كان لا بُدّ لك من طَلَب أدوات الكِتابَة فتَصفّح من رسائل المُتقدّمين ما يُعتمد عليه ومن رسائل المُتأخّرين ما يُرْجَع إليه ومن نوادر الكلام ما تَستعين به ومن الأشعار والأخبار والسِّير والأسمار ما يَتَّسع به مَنْطِقُك ويطولُ به قَلَمك وانظر في كتب المقامات والخُطب ومُجاوبة العَرَب ومعاني العجم وحُدود المَنْطق وأمْثال الفُرس ورسائلهم وعُهودهم وسَيرهم ووقائعهم ومَكايدهم في حُروبهم والوَثائق والصُّور وكُتب السجلاّت والأمانات وقَرْض الشِّعر الجَيِّد وعِلْم العروض بعد أن تكون مُتوسِّطاً في علم النَّحو والغَريب لتكون ماهراً تنتزعُ آيَ القًرآن في مواضعها والأمثالَ في أماكنها فإنّ تَضْمين المَثل السائر والبَيْت الغابر البارع مما يزين كتابك ما لم تُخاطب خليفةً أو مَلِكاً جليلَ القَدْر فإنّ اجتلاب الشِّعر في كتب الخلفاء عيبٌ إلا أن يكون الكاتب هو القارض للشِّعر والصانع له فإنّ ذلك يَزيد في أبّهته. خبر حائك الكلام أبو جعفر البغداديّ قال: حَدثنا عثمانُ بن سَعيد قال: لما رَجع المُعتصم من الثّغْر وصار بناحية الرَّقّة قال لعمرو بن مَسْعدة: ما زلْتَ تسألني في الرُّخجيّ حتى وَلَّيتُه الأهواز فَقَعَد في سرُة الدُّنيا يأكلها خَضما وقَضْما ولم يُوجِّه إلينا بدِرهم واحد. اخرُج إليه من ساعتك. فقلتُ في نفسي: أبعدَ الوزارة أصيرُ مُحستَحَثا على عامل خراج! ولكنْ لم أجدْ بدًّا من طاعة أمير المؤمنين فقلت: أَخرج إليه يا أمير المؤمنين. فقال: حلف لي أنك لا تقيم ببغداد إلا يوماً واحداً. فحلفتُ له ثم انحدرت إلى بغداد فأمرتُ ففُرِش لي زَوْرق بالطبريّ وغُشيِّ بالسِّلْخ وطُرح عليه الكُرّ. ثم خرجتُ فلما صرْتُ بين دَيْر هِزْقل ودَيْر العاقول إذا رجل يصيح: يا ملّاح رجلٌ منقطع. فقلتُ للملاّح: قَرَّب إلى الشّطّ. فقال: يا سيدي هذا شَحّاذ فإنْ قَعد معك آذاك. فلم ألتفتْ إلى قوله وأمرتُ الغِلمان فأدْخلوه فَقَعد في كَوْثل الزَّوْرق. فلما حَضر وقتُ الغِداء عزمتُ أن أدعُوه إلى طَعامي فدعوتُه فجعل يأكل أكلَ جائع بنَهَامة إلاّ أنه نظيف الأكل. فلما رُفع الطعامُ أردتُ أن يَستعمل معي ما يَتسعمل العوامُّ مع الخواص: أن يقومَ فيغسل يدَه في ناحية فلم يَفعل فغَمزه الغِلْمان فلم يَقُم فتشاغلتُ عنه ثم قلت يا هذا ما صناعتُك قال: حائك: فقلتُ في نفسي: هذه شر من الأولى. فقال لي: جُعِلت فِداك قد سألتَني عن صِناعتي فأخبرتُك فما صناعتُك أنت قال: فقلت في نفسي: هذه أعظمُ من الأولى وكرهتُ أن أذكر له الوزارة فقلتُ: اقتصر له على الكتابة فقلت: كاتب. قال: جُعلت فداك الكُتّاب على خمسة أصناف: فكاتبُ رسائل يحتاج إلى أن يعرف الفَصل من الوصل والصُّدور والتَّهاني والتَّعازي والتَرغيب والتَّرهيب والمقصور والمَمْدود وجُملًا من العربيّة وكاتب خرَاج يحتاج إلى أن يَعْرف الزَّرْع والمِساحة والأشْوال والطسُوق والتّقسيط والحساب
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)