









ذكر ما فيها من الأحداث
خبر هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
ففيها كان هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ذكر السبب الذي به هلك، وكيف كان: ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: لما انصرف ابن الأشعث من هراة راجعًا إلى رتبيل كان معه رجل من أود يقال له علقمة بن عمرو، فقال له: ما أريد أن أدخل معك؛ فقال له عبد الرحمن: لم؟ قال: لأني أتخوف عليك وعلى من معك، والله لكأني بكتاب الحجاج قد جاء، فوقع إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلمًا أو قتلكم. ولكن هنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة فنتحصن فيها، ونقاتل حتى نعطى أمانًا أو نموت كرامًا. فقال له عبد الرحمن: أما لو دخلت معي لآسيتك وأكرمتك، فأبى عليه علقمة، ودخل عبد الرحمن بن محمد إلى رتبيل. وخرج هؤلاء الخمسمائة فبعثوا عليهم مودودًا النضري، وأقاموا حتى قدم عليهم عمارة بن تميم اللخمي فحاصرهم، فقاتلوه وامتنعوا منه حتى آمنهم، فخرجوا إليه فوفى لهم. قال: وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في عبد الرحمن بن محمد أن ابعث به إلي، وإلا فوالذي لا إله إلا هو لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل. وكان عند رتبيل رجل من بني تميم ثم من بني يربوع يقال له عبيد بن أبي سبيع، فقال لرتبيل: أنا آخذ لك من الحجاج عهدًا ليكفن الخراج عن أرضك سبع سنين على أن تدفع إليه عبد الرحمن بن محمد، قال رتبيل لعبيد: فإن فعلت فإن لك عندي ما سألت. فكتب إلى الحجاج يخبره أن رتبيل لا يعصيه، وأنه لن يدع رتبيل حتى بعث إليه بعبد الرحمن بن محمد، فأعطاه الحجاج على ذلك مالًا وأخذ من رتبيل عليه مالًا، وبعث رتبيل برأس عبد الرحمن بن محمد إلى الحجاج، وترك له الصلح الذي كان يأخذه منه سبع سنين. وكان الحجاج يقول: بعث إلى رتبيل بعدو الله. فألقى نفسه من فوق إجار فمات. قال أبو مخنف: وحدثني سليمان بن أبي راشد. أنه سمع مليكة ابنة يزيد تقول: والله لما مات عبد الرحمن وإن رأسه لعلى فخذي، كان السل قد أصابه. فلما مات وأرادوا دفنه بعث إليه رتبيل فحز رأسه، فبعث به إلى الحجاج، وأخذ ثمانية رجلًا من آل الأشعث فحبسهم عنده، وترك جميع من كان معه من أصحابه. وكتب إليه الحجاج بأخذه الثمانية عشر رجلًا من أهل بيت عبد الرحمن، فكتب إليه: أن اضرب رقابهم، وابعث إلي برؤوسهم، وكره أن يؤتى بهم إليه أحياء فيطلب فيهم إلى عبد الملك، فيترك منهم أحدًا. وقد قيل في أمر بن أبي سبيع وابن الأشعث غير ما ذكرت عن أبي مخنف، وذلك ما ذكر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه كان يقول: زعم أن عمارة بن تميم خرج من كرمان فأتى سجستان وعليها رجل من بني العنبر يدعى مودودًا، فحصره ثم آمنه، ثم استولى على سجستان، وأرسل إلى رتبيل. وكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإني قد بعثت إليك عمارة بن تميم في ثلاثين ألفًا من أهل الشام لم يخلفوا طاعة، ولم يخلعوا خليفة، ولم يتبعوا إمام ضلالة، يجري على كل رجل منهم في كل شهر مائة درهم، يستطعمون الحرب استطعامًا، يطلبون ابن الأشعث. فأبى رتبيل أن يسلمه. وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع التميمي قد خص به، وكان رسوله إلى رتبيل، فخص بريتبيل أيضاُ، وخف عليه. فقال القاسم ابن محمد بن الأشعث لأخيه عبد الرحمن: إني لا آمن غدر التميمي، فأقتله، فهم به، وبلغ ابن أبي سبيع، فخافه فوشى به إلى رتبيل، وخوفه الحجاج، ودعاه إلى الغدر بابن الأشعث فأجابه، فخرج سرًا إلى عمارة بن تميم، فاستعجل في ابن الأشعث، فجعل له ألف ألف، فأقام عنده، وكتب بذلك عمارة إلى الحجاج، فكتب إليه أن أعط عبيدًا ورتبيل ما سألاك واشترط، فاشترط رتبيل ألا تغزي بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد العشر سنين قي كل سنة تسعمائة ألف، فأعطى رتبيل وعبيدًا ما سألا، وأرسل رتبيل إلى ابن الأشعث فأحضره وثلاثين من أهل بيته، وقد أعد لهم الجوامع والقيود، فألقى في عنقه جامعة، وفي عنق القاسم جامعة، وأرسل بهم إلى أدنى مسالح عمارة منه، وقل لجماعة من كان مع ابن الأشعث من الناس: تفرقوا إلى حيث شئتم، ولما قرب ابن الأشعث من عمارة ألقى نفسه من فوق قصر فمات، فاحتز رأسه، فأتى به وبالأسرى عمارة، فضرب أعناقهم، وأرسل برأس ابن الأشعث وبرؤوس أهله وبامرأته إلى الحجاج، فقال في ذلك بعض الشعراء:
هيهات موضع جثة من رأسها ** رأس بمصر وجثة بالرخج
وكان الحجاج أرسل به إلى عبد الملك، فأرسل به إلى عبد الملك إلى عبد العزيز وهو يومئذ على مصر. وذكر عمر بن شبة أن ابن عائشة حدثه قال: أخبرني سعد بن عبيد الله قال: لما أتاني عبد الملك برأس ابن الأشعث أرسل به مع خصي إلى امرأة منهم كانت تحت رجل من قريش، فلما وضع بين يديها قالت: مرحبًا بزائر لايتكلم؛ ملك من الملوك طلب ما هو أهله فأيت المقادير. فذهب الخصي يأخذ الرأس فاجتذبته من يده، قالت: لا والله حتى أبلغ حاجتي، ثم دعت بخطمي فغلته وغلفته ثم قالت: شأنك به الآن. فأخذه، ثم أخبر عبد الملك، فلما دخل عليه زوجها، قال: إن استطعت أن تصيب منها سخلة. وذكر أن ابن الأشعث نظر إلى رجل من أصحابه وهو هارب إلى بلاد رتبيل فتمثل:
يطرده الخوف فهم تائه ** كذاك من يكره حر الجلاد
منخرق الخفين يشكو الوجا ** تنكبه أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة ** والموت حتم في رقاب العباد
فالتفت إليه فقال: يالحية، هلا ثبت في موطن من المواطن فنموت بين يديك، فكان خيرًا مما صرت إليه! قال هشام: قال أبو مخنف: خرج الحجاج في أيامه تلك يسير ومعه حميد الأرقط وهو يقول:
مازال يبني خندقًا ويهدمه ** عن عسكر يقوده فيسلمه
حتى يصير في يديك مقسمه ** هيهات من مصفه منهزمه
إن أخ الكظاظ من لا يسأمه
فقال الحجاج: هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان:
نبئت أن بني يو ** سف خر من زلق فتبًا
قد تبين له من زلق وتب ودحض فانكب، وخاف وخاب، وشك وارتاب؛ ورفع صوته فما أبقى أحد إلا فزع لغضبه، وسكت الأرقط، فقال له الحجاج: عد فيما كنت فيه، مالك يا أرقط! قال: إني جعلت فداك أيها الأمير وسلطان الله عزيز، ما هو إلا أن رأيتك غضب فأرعدت خصائلي، واجزألت مفاصلي، واظلم بصري، ودالات بي الأرض. قال له الحجاج: أجل، إن سلطان الله عزيز، عد فيما كنت فيه، ففعل. وقال الحجاج وهو ذات يموم يسير معه زياد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو أعور، فقال الحجاج للأريقط: كيف قلت لابن سمرة؟ قال: قلت:
يا أعور العين فديت العورا ** كنت حبست الخندق المحفورا
يرد عنك القدر المقدورا ** ودائرات السوء أن تدورا
وقد قيل: أن مهلك عبد الرحمن بن محمد كان في سنة أربع وثمانين.
عزل يزيد بن المهلب عن خراسان
وفي هذه السنة عزل الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب عن خراسان وولاها المفضل بن المهلب أخا يزيد. ذكر السبب الذي من أجله عزله الحجاج عن خراسان واستعمل المفضل: ذكر علبي بن محمد، عن المفضل بن محمد، أن الحجاج وفد إلى عبد الملك، فمر في منصرفه بدير فنزله، فقيل له: إن في هذا الدير شيخًا من أهل الكتب عالمًا، فدعا به فقال: يا شيخ، هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه ونحن؟ قال: نعم، نجد ما مضى من أمركم وما أنتم فيه وما هو كائن؛ قال: أفمسمي كان أم موصوفًا؟ قال: كل ذلك؛ موصوف بغير اسم، واسم بغير صفة، قال: فما تجدون صفة أمير المؤمنين؟ قال: نجده في زماننا الذي نحن فيه؛ مللك أقرع، من يقم لسبيله يصرع، قال: ثم من؟ قال: اسم رجل يقال له الوليد، قال: ثم ماذا؟ قال: رجل اسمه اسم نبي يفتح على الناس، قال: أتعرفني؟ قال: قد أخبرت بك. قال: أفتعلم ما ألي؟ قال: نعم، قال: فمنيليه بعدي؟ قال: رجل يقال له يزيد، قال: في حياتي أم بعد موتي؟ قال: لا أدري، قال: أفتعرف صفته؟ قال: يغدر غدرة؛ لا أعرف غير هذا. قال: فوقع في نفسه يزيد بن المهلب، وارتحل فسار سبعًا وهو وجل من قول الشيخ؛ وقدم فكتب إلى عبد الملك يستعفيه من العراق، فكتب إليه: يا بن أم الحجاج، قد علمت الذي تغزو، وأنك تريد أن تعلم رأيي فيك، ولعمري إني لأرى مكان نافع بن علقمة، فاله عن هذا حتى يأتي الله بما هو آت؛ فقال الفرزدق تذكر مسيره:
لو أن طيرًا كلفت مثل سيره ** إلى واسط من إيلياء لملت
سرى بالمهاري من فلسطين بعدما ** دنا الليل من شمس النهار فولت
فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ** بميسان قد ملت سراها وكلت
كأن قطاميًا على الرحل طاويًا ** إذا غمرة الظلماء عنه تجلت
قال فبينا الحجاج يومًا خال إذ دعا عبيد بن موهب، فدخل وهو ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: ويحك يا عبيد! إن أهل الكتب يذكرون أن ما تحت يدي يليه رجل يقال له يزيد، وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة، ويزيد بن حصين بن نمير، ويزيد بن دينار، فليسوا هناك، وما هو إن كان إلا يزيد بن المهلب؛ فقال عبيد: لقد شرفتهم وأعظمت ولا يتهم، وإن لهم لعددًا وجلدًا، وطاعة وحظًا، فأخلق به، فأجمع على عزل يزيد فلم يجد له شيئًا حتى قدم الخيار بن أبي سبرة بن ذؤيب بن عرفجة بن محمد بن سفيان بن مجاشع - وكان من فرسان المهلب - وكان مع يزيد - فقال له الحجاج: أخبرني عن يزيد، قال: حسن الطاعة، لين السيرة، قال: كذبت، أصدقني عنه، قال: الله أجل وأعظم، قد أسرج ولم يلجم، قال: صدقت، واستعمل الخيار على عمان بعد ذلك قال: ثم كتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب بالزبيرية، فكتب إليه عبد الملك: إني لا أرى نقصًا بآل المهلب طاعتهم لآل الزبير، بل أراه وفاء منهم لهم، وإن وفاءهم يدعوهم إلى الوفاء لي، فكتب إليه الحجاج يخوفه غدرهم لما أخبره به الشيخ. فكتب إليه عبد الملك: قد أكثرت في يزيد وآل المهلب، فسم لي رجلًا يصلح لخراسان؛ فسمى له مجاعة بن سعر السعدي، فكتب إليه عبد الملك: إن رأيك الذي دعاك إلى استفساد آل المهلب هو الذي دعاك إلى مجاعة بن سعر، فانظر لي رجلًا صارمًا، ماضيًا لأمرك، فسمى قتيبة بن مسلم، فكتب إليه: وله وبلغ يزيد أن الحجاج عزله، فقال لأهل بيته: من ترون الحجاج يولى خراسان؟ قالوا: رجلا من ثقيف، قال: كلا، ولكنه يكتب إلى رجل منكم بعهده، فإذا قدمت عليه عزله وولى رجلًا من قيس، وأخلق بقتيبة! قال: فلما أذن عبد الملك للحجاج في عزل يزيد كره أن يكتب إليه بعزله، فكتب إليه أن استخلف المفضل وأقبل، فاستشار يزيد حضين بن المنذر، فقال له: أقمم واعتل، فإن أمير المؤمنين حسن الرأي فيك، وإنما أتيت من الحجاج، فإن أقمت ولم تعجل رجوت أن يكتب إليه أن يقر يزيد، قال: إنا أهل بيت بورك لنا في الطاعة، وأنا أكره المعصية والخلاف؛ فأخذ في الجهاز، وأبطأ ذلك على الحجاج، فكتب إلى المفضل: إني قد وليتك خراسان، فعجل المفضل يستحث يزيد، فقال له يزيد: إن الحجاج لا يقرك بعدي، وإنما دعاه إلى ما صنع مخافة أن أمتنع عليه، قال: بل حسدتني، قال يزيد: يا بن بهلة، أنا أحسدك! ستعلم. وخرج يزيد في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين. فعزل الحجاج المفضل، فقال الشاعر للمفضل وعبد الملك وهو أخوه لأمه:
يا بني بهلة إنما أخزاكما ** ربي غداة غدا الهمام الأزهر
أحفرتم لأخيكم فوقعتم ** في قعر مظلمة أخوها المعور
جودوا بتوبة مخلصين فإنما ** يأبى ويأنف أن يتوب الأخسر
وقال حضين ليزيد:
أمرتك أمرًا حازمًا فعصيتني ** فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فما أنا بالباكي عليك صبابة ** وما أنا بالداعي لترجع سالما
فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضين: كيف قلت ليزيد؟ قال: قلت:
أمرتك أمرًا حازمًا فعصيتني ** فنفسك أول اللوم إن كنت لائما
فإن يبلغ الحجاج أن قد عصيته ** فإنك تلقى أمره متفاقما
قال: فماذا أمرته به فعصاك؟ قال: أمرته ألا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير، فقال رجل لعياض بن حضين: أما أبوك فوجده قتيبة حين فره قارحًا بقوله: " أمرته ألا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير " قال علي: حدثنا كليب بن خلف، قال: كتب الحجاج إلى يزيد أن اغز خوارزم، فكتب إليه: أيها الأمير، إنها قليلة السلب، شديدة الكلب. فكتب إليه الحجاج: استخلف واقدم، فكتب إليه: إني أريد أن أغزو خوارزم فكتب إليه: لا تغزها فإنها كما وصفت؛ فغزا ولم يطعه، فصالحه أهل خوارزم، وأصاب سبيًا مما صالحوه، وقفل في الشتاء، فاشتد عليهم البرد، فأخذ الناس ثياب الأسرى فلبسوها، فمات ذلك السبي من البرد. قال: ونزل يزيد بلستانة، وأصاب أهل مرو الروذ طاعون ذلك العام، فكتب إليه الحجاج: أن اقدم، فقدم، فلم يمر ببلد إلا فرشوا له الرياحين. وكان يزيد ولي سنة اثنتين وثمانين، وعزل سنة خمس وثمانين، وخرج من خراسان في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين، وولى قتيبة وأما هشام بن محمد، فإنه ذكر عن أبي مخنف في عزل الحجاج يزيد عن خراسان سببًا غير الذي ذكره علي بن محمد، والذي ذكر من ذلك عن أبي مخنف أن أبا المخارق الراسبي وغيره حدثوه أن الحجاج لم يكن له حين فرغ من عبد الرحمن بن محمد هم إلا يزيد ين المهلب وأهل بيته - وقد كان الحجاج أذل أهل العراق كلهم إلا يزيد وأهل بيته ومن معهم من أهل المصرين بخراسان، ولم يكن يتخوف بعد عبد الرحمن بن محمد بالعراق غير يزيد بن المهلب - فأخذ الحجاج في مواربة يزيد ليسبخرجه من خراسان، فكان يبعث إليه يلأتيه، فيعتل عليه بالعدو وحرب خراسان، فمكث بذلك حتى كان آخر سلطان عبد الملك، ثم إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يشير عليه بعزل يزيد بن المهلب، ويخبره بطاعة آل المهلب لا بن الزبير، وأنه لا وفاء لهم؛ فكتب إليه عبد الملك: إني لا أرى تقصيرًا بولد المهلب طاعتهم لآل الزبير ووفاءهم لهم، فإن طاعتهم ووفاءهم لهم، هو دعاهم إلى طاعتي والوفاء لي. ثم ذكر بقية الخبر نحو الذي ذكره علي بن محمد،
غزو المفضل باذغيس وأخرون
وفي هذه السنة غزا المفضل باذغيس ففتحها.
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد، عن المفضل بن محمد، قال: عزل الحجاج يزيد، وكتب إلى المفضل بولايته على خراسان سنة خمس وثمانين، فوليها تسعة أشهر، فغزا باذغيس ففتحها وأصاب مغنمًا، فقسمه بين الناس، فأصاب كل رجل منهم ثمانمائة درهم، ثم غزا خرون وشومان، فظفر وغنم، وقسم ما أصاب بين الناس. ولم يكن للمفضل بيت مال، كان يعطي الناس كلما جاءه شيء. وإن غنم شيئًا قسمه بينهم، فقال كعب الأشقري يمدح المفضل:
ترى ذا الغنى والفقر من كل معشر ** عصائب شتى ينتوون المفضلا
فمن زائر يرجو فواضل سيبه ** وآخر يقضى حاجة قد ترحلا
إذا ما انتوينا غير أرضك لم نجد ** بها منتوى خيرًا ولا متعللا
إذا ما عددنا الأكرمين ذوي النهى ** وقد قدموا من صالح كنت أولا
لعمري لقد صال المفضل صولة ** أباحت بشومان المناهل والكلا
ويوم ابن عباس تناولت مثلها ** فكانت لنا بين الفريقين فيضلا
صفت لك أخلاق المهلب كلها ** وسربلت من مسعاته ما تسربلا
أبوك الذي لم يسع ساع كسعيه ** فأورث مجدًا لم يكن متنحلا
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)