








أجبت مبتسماً:
- طبعاً لم أخطئ.. وإن كنت أحب العودة معك إلى جادةالخطأ!
راحت تتأملني لبرهة, كما لتحاول فك إشارة كنت أبعثها إليها بين الكلمات, ثم قالت بعصبية أنثوية:
- ما زلت تتعمد أن تقول لي أشياء لا تفهم!
قلتضاحكاً:
- أبداً.. كنت أعني أنني عشت عمراً على خطأ.. صوابي الوحيد أنني تعثرتبك.
اكتفيت بأن أوصل إليها نصف ما أقصد. النصف الآخر ستكتشفه لاحقاً.
قالتمتوسلة:
- أرجوك.. لا ترهقني بجهد إضافي.. لا قوة لي على البحث بين الكلمات. يكفيني ما قمت به من جهد حتى لا تغير أمّا أو ناصر رأيهما ويصطحباني معهما إلى ذلكالعشاء.
عندما حضر النادل ليسألها ماذا تريد, اعتذرت وقالت إنها تفضّل أن تغادرالمقهى.
أكانت على عجل كي نختلي؟ أم كانت على قلق متوجّسة شيئاً قد أفاجئهابه؟
دفعت ثمن قهوتي وغادرنا المقهى.
بدت لي مندهشة, متباطئة الخطى وهيتراني أسلك طريقاً كنها تعرفه.
سألتها إن كان ثمة ما يزعجها:
- نسيت كيف أسيربأمان في شارع ليس إلاّ. اعتدت على مدن شكاكة, تنتظرك خارج بيتك بعيون فضولية, وأخرى متربصة, وأخرى عدائية. توقعك في قبضة الخوف.
كنا نسلك منعطف الشارع المؤديإلى البيت عندما فاجأنا المطر. سألتها إن كانت تحمل مظلة:
- لا.. نسيتها لفرطعجلتي.
- وأنا نسيتها لفرط فرحتي.. لكن لا يهم نحن لسنا بعيدين عنالبيت.
واصلت التحرش بها وأنا أراها تسبقني بخطوات:
- هل أنت على عجل؟
ردتبشيء من العصبية وهي تغطي شعرها بحقيبة يدها:
- أنا على بلل..
اكتفيت بإسراعالخطى نحو تلك البناية وأنا أفكر في فصاحتها المواربة.
وقفت جواري باندهاش صامتوهي تراني أضغط على الأرقام السرية التي تفتح باب البناية. وهذه المرة أيضاً لمأسألها ما الذي يدهشها, تغابيت وهي تسألني:
- أتسكن هنا؟
أجبت مازحاً:
- دوماً كنت أقيم في شوارع جانبية لجادة حبك.
أحسست أن المفاجأة سمرتها عند الباب. سحبتها من يدها قائلاً:
- تعالي.. لا تبقي هكذا على ناصية الأسئلة.
لكنهاسألتني بنبرة من كان يمشي نائماً.. ثم استفاق:
- إلى أين نحن ذاهبان؟
- تدرينما يقول مقطع من " بحيرة البجع", " تعال على رؤوس الأصابع, واضعاً يداً على فمك كيلا تبوح بسر المكان الذي أقودك إليه, كي تستأثر وحدك بالجواهر المرصعة علىاسمك".
ردت متذمرة:
- أهو وقت بحيرة البجع؟ أطرح عليك سؤالاً فتجيبنيشعراً!
أجبتها ونحن ندخل المصعد:
- حضورك يورطني دائماً في الأشياءالجميلة.
عندما انغلق المصعد علينا, لم تكن مشغولة بلحظة خلوتنا الأولى. كاننظرها يتسمر على لوحة الأزرار التي تحمل أرقام الطوابق.
ربما بدأت تتأكد لحظتهانحو أي طابق كنت آخذها. ولكنها واصلت النظر إلى اللوحة, كأنها تراهن على احتمالوجود خطإٍ في اللحظة الأخيرة.
قلت كما دون قصد, متمادياً في التغابي المزعج وأناأضغط على زر المفاجأة:
- الحب له دائماً حضور متعالٍ, إنه يقيم في الدورالسابع.
لم تعلق بكلمة, ولا أنا نظرت في عينيها بحثاً عن آثار صدمة ارتطامهابالحقيقة.
عندما فتحت الباب, شعرت وأنا أنير البيت أن نظرتها تتفقد المكانكما لتطمئن على سلامة الأشياء.
كانت اللعبة مشابهة للوحة يتنكر رسامها لملهمه, وعندما تكون انتبهت إلى تصديقه, تقودك خطى القدر يوماً إلى مكمن سره, ولا يمكنكآنذاك مقاومة الرغبة في وضعه أمام كذبته. وهذا البيت الخارج من كتابها, والمطابقلكل تفاصيل وصفها له, يليق بمواجهة كهذه. كنت أحب تلك اللحظة التي أفحم فيها امرأةبحجة لا تتوقعها, ثم أتفرج على عريها أمام الحقيقة.
قررت أن أمضي في لعبةالتغابي إلى أقصاها. ما دام لم يبد عليها أي رد فعل صارخ.
- هل أعجبكالبيت؟
ردت وهي تختار كلماتها بعناية:
- فيه دفء جميل.
أضفت وأنا أتنبهلثيابها المبللة:
- كان عليك أن تحملي مظلة.. أو أن ترتدي معطف فرو ليومكهذا.
- تعمدت ارتداء هذا الجاكيت خوف أن يتسبب لي معطف فاخر بمشاكل في الميترو. يقال إن الاعتداءات وعمليات النشل كثرت هذه الأيام.
قلت وأنا أضع أول قبلة علىشفتيها:
- ومن قال إنك هنا في مأمن؟ لا أكثر سطواً من عاشق انتظرسنتين!
بقبلة ابتلعت زينة شفتيها, تاركا؟ً لها ابتلاع أكاذيبها, وهي تقول:
- اشتقتك.. كم انتظرت هذا اليوم.
في الوقع, كانت لا تزال تحت وقع إرباك المكان, ولا تجرؤ على سؤالي كيف وصلت إلى هذا البيت, ولا ماذا أفعل هنا.
فرحت أتأململامحها بعد مباغتة القبلة الأولى التي يتغير بعدها وجه الآخر, لأنه لا يعود كماكان من قبل.
قلت متحاشياً إرباك الموقف:
- أنت تصغرين مع كل قبلة.. بعضقُبَلٍ أخرى وتصبحين على مشارف العشرين.
ردت وهي تتجه نحو الصالون:
- ومنأدراك أنني أحب ذلك العمر.. اليوم لي عمر شفتيك.
قلت بسخرية لا تخلو من تهكممر:
- وغداً؟
أجابت وقد باغتها السؤال:
- غداً؟ لا أدري.. ليست الآخرة منهواجسي.
قلت مازحاً:
- سأعطيك إذن من القبل ما يجعلك تبلغين سن الجحيمبسرعة.
كنت أتعمد ممازحتها تخفيفاً لحرج اللحظات الأولى. في الواقع ما كانتلي رغبة سوى تأملها.
جلست على الأريكة قبالة الموقد, أنظر إليها, وهي تتنقل فيالصالون متأملة تمثال فينوس واللوحات المعلقة على الجدران, دون أن تعلِّقبشيء.
لم أقاطع خلوتها الأولى بالذاكرة. كنت سعيدا بتأملها.
كانت مبللة كقطة. شيء منها كان يذكرني بـ " أولغا" جارتي البولونية, وهي تنشف شعرها في روب حمامهاالأبيض. خشيت عليها أن تمرض.
- بإمكانك أن تجففي شعرك في الحمام.
ابتسمتابتسامة غائبة:
وقبل أن تتوجه نحو الحمام تذكرت شيئاً فأردفت قائلاً:
- إنشئت أن تغيري ثيابك.. لدي فستان لك, بإمكانك ارتداؤه.
ردت بلؤم نسائي:
- أهوفستان لصاحبة البيت؟
قد تكون رأت صوراً لفرانسواز وأخرى لأمها على طاولة ركن فيالصالون.
أجبت متجاهلاً استفزازها:
- لا .. بل اشتريته لك.
تركتها واقفةوسط الصالون, وعدت بعد حين حاملاً ذلك الفستان الأسود في كيسه الفاخر. قلت وأناأناولها إياه:
- أتمنى أن يعجبك.. وأن يكون مقاسك.
قالت وهي تأخذهمندهشة:
- متى اشتريته؟
أجبت مازحاً:
- لن تصدقي لو قلت لك إنني اشتريتهمنذ أكثر من شهرين, حتى قبل أن أتوقع لقاءك.
راحت تفرده بإعجاب واضح:
- جميل .. جميل حقاً.. كيف فكرت أن تشتريه لي, لقد خربت حتماً ميزانيتك.
- لا تهتمي, إنه استثمار عاطفي جيد.
- لو لم أحضر إلى باريس ولا التقينا ماذا كنت ستفعل بهيا مهبول.. أكنت ستهديه لزوجتك؟
- قطعاً لا, اشتريته لأرشو به القدر إنه ثوبالحب.. وسعيد أن تكوني أنت من ترتديه لا أخرى.
ردت بغيرة نسائية واضحة:
- وهلثمة أخرى؟
- لا.. إنما أنت من علمتني أننا نفصِّل كل حب من قماش حب آخر.
لمتعلّق. ذهبت صوب المرآة ووضعته على جسدها لترى إن كان يناسبها.
طمأنتهاقائلاً:
█║S│█│Y║▌║R│║█
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)