عجبًا لتصريف الأمو ** ر مسرة وكراهيه
والدهر يلعب بالرجا ** ل له دوائر جاريه
رثت بيعقوب بن دا ** ود حبال معاويه
وعدت على ابن علاثة ال ** قاضي بوائق عافيه
قل للوزير أبي عبي ** د الله: هل لك باقيه!
يعقوب ينظر في الأمو ** رو أنت تنظر ناحيه
أدخلته فعلًا علي ** ك، كذاك شؤم الناصيه
وفي هذه السنة عزل المهدي إسماعيل بن أبي إسماعيل عن الكوفة وأحداثها. واختلف فيمن ولي مكانه إسحاق بن الصباح الكندي ثم الأشعثي بمشورة شريك بن عبد الله قاضي الكوفة. وقال عمر بن شبة: ولى على الكوفة المهدي عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، فولى على شرطه ابن أخيه عثمان بن سعيد بن لقمان. ويقال: إن شريك بن عبد الله كان على الصلاة والقضاء، وعيسى على الأحداث ثم أفرد شريك بالولاية، فجعل على شرطه إسحاق بن الصباح الكندي، فقال بعض الشعراء:
لست تعدو بأن تكون ولو نل ** ت سهيلًا صنيعةً لشريك
قال: ويزعمون أن إسحاق لم يشكر لشريك، وأن شريكًا قال له:
صلى وصام لدنيا كان يأملها ** فقد أصاب ولا صلى ولا صاما
وذكر أن جعفر بن محمد قاضي الكوفة، قال: ضم المهدي إلى شريك الصلاة مع القضاء، وولى شرطه إسحاق بن الصباح، ثم ولى إسحاق بن الصباح الصلاة والأحداث بعد، ثم ولى إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل ابن محمد بن الأشعث الكوفة، فولى شرطه النعمان بن جعفر الكندي، فمات النعمان، فولى على شرطه أخاه يزيد بن جعفر.
وفيها عزل المهدي عن أحداث البصرة سعيد بن دعلج، وعزل عن الصلاة والقضاء من أهلها عبيد الله بن الحسن، وولى مكانهما عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النمري، وكتب إلى عبد الملك يأمره بإنصاف من تظلم من أهل البصرة من سعيد بن دعلج، ثم صرفت الأحداث في هذه السنة عن عبد الملك بن أيوب إلى عمارة بن حمزة، فولاها عمارة رجلًا من أهل البصرة يقال له المسور بن عبد الله بن مسلم الباهلي، وأقر عبد الملك على الصلاة.
وفيها عزل قثم بن العباس عن اليمامة عن سخطة، فوصل كتاب عزله إلى اليمامة، وقد توفي فاستعمل مكانه بشر بن المنذر البجلي.
وفيها عزل يزيد بن منصور عن اليمن، واستعمل مكانه رجاء بن روح.
وفيها عزل الهيثم بن سعيد عن الجزيرة، واستعمل عليها الفضل بن صالح.
وفيها أعتق المهدي أم ولده الخيزران وتزوجها.
وفيها تزوج المهدي أيضًا أم عبد الله بنت صالح بن علي، أخت الفضل وعبد ابني صالح لأمهما.
وفيها وقع الحريق في ذي الحجة في السفن ببغداد عند قصر عيسى بن علي، فاحترق ناس كثير، واحترقت السفن بما فيها.
وفيها عزل مطر مولى المنصور عن مصر، واستعمل مكانه أبو ضمرة محمد بن سليمان.
وفيها كانت حركة من تحرك من بني هاشم وشيعتهم من أهل خراسان في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، وتصيير ذلك لموسى بن المهدي؛ فلما تبين ذلك المهدي كتب - فيما ذكر - إلى عيسى بن موسى في القدوم عليه وهو بالكوفة، فأحس بالذي يراد به، فامتنع من القدوم عليه.
وقال عمر: لما أفضى الآمر إلى المهدي سأل عيسى أن يخرج من الأمر فامتنع عليه، فأراد الإضرار به، فولى على الكوفة روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب، فولي على شرطه خالد بن يزيد بن حاتم؛ وكان المهدي يحب أن يحمل روح على عيسى بعض الحمل فيما لا يكون عليه به حجة، وكان لا يجد إلى ذلك سبيلًا، وكان عيسى قد خرج إلى ضيعة له بالرحبة؛ فكان لا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة في شهر رمضان، فيشهد الجمع والعيد، ثم يرجع إلى ضيعته. وفي أول ذي الحجة، فإذا شهد العيد رجع إلى ضيعته، وكان إذا شهد الجمعة أقبل من داره على دوابه حتى ينتهي إلى أبواب المسجد فينزل على عتبة الأبواب، ثم يصلي في موضعه، فكتب روح إلى المهدي أن عيسى بن موسى لا يشهد الجمع، ولا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة؛ فإذا حضر أقبل على دوابه حتى يدخل رحبة المسجد؛ وهو مصلى الناس، ثم يتجاوزها إلى أبواب المسجد، فتروث دوابه في مصلى الناس؛ وليس يفعل ذلك غيره؛ فكتب إليه المهدي أن اتخذ على أفواه السكك التي تلي المسجد خشبًا ينزل عنده الناس، فاتخذ روح ذلك الخشب في أفواه السكك - فذلك الموضع يسمى الخشبة - وبلغ ذلك عيسى بن موسى قبل يوم الجمعة، فأرسل إلى ورثة المختار بن أبى عبيدة - وكانت دار المختار لزيقة المسجد، فابتاعها وأثمن بها، ثم إنه عمرها واتخذ فيها حمامًا، فكان إذا كان يوم الخميس أتاها وأقام بها، فإذا أراد الجمعة ركب حمارًا فدب به إلى باب المسجد فصلى في ناحية، ثم رجع إلى داره. ثم أوطن الكوفة وأقام بها، وألح المهدي على عيسى فقال: إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع منها حتى أبايع لموسى وهارون استحللت منك بمعصيتك من العاصي، وإن أجبتني عوضتك منها ما هو أجدى عليك وأعجل نفعًا. فأجابه، فبايع لهما وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم - ويقال عشرين ألف ألف - وقطائع كثيرة.
وأما غير عمر فإنه فقال: كتب المهدي إلى عيسى بن موسى لما هم بخلعه يأمره بالقدوم عليه، فأحس بما يراد به، فامتنع من القدوم عليه، حتى خيف انتقاضه، فأنفذ إليه المهدي عمه العباس بن محمد، وكتب إليه كتابًا، وأوصاه بما أحب أن يبلغه، فقدم العباس على عيسى بكتاب المهدي ورسالته إليه، فانصرف إلى المهدي بجوابه في ذلك، فوجه إليه بعد قدوم العباس عليه محمد بن فروخ أبا هريرة القائد في ألف رجل من أصحابه من ذوي البصيرة في التشيع، وجعل مع كل رجل منهم طبلًا، وأمرهم أن يضربوا جميعًا بطبولهم عند قدومهم الكوفة، فدخلها ليلًا في وجه الصبح، فضرب أصحابه بطبولهم، فراع ذلك عيسى بن موسى روعًا شديدًا، ثم دخل عليه أبو هريرة، فأمره بالشخوص، فاعتل بالشكوى، فلم يقبل ذلك منه، وأشخصه من ساعته إلى مدينة السلام.
وحج بالناس في هذه السنة يزيد بن منصور - خال المهدي - عند قدومه من اليمن؛ فحدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى؛ عن أبي معشر. كذلك قال محمد بن عمر الواقدي وغيره. وكان انصراف يزيد بن منصور من اليمن بكتاب المهدي إليه يأمره بالانصراف إليه وتوليته إياه الموسم وإعلامه اشتياقه إليه وإلى قربه.
وكان أمير المدينة في هذه السنة عبيد الله بن صفوان الجمحي، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي، وعلى خراجها ثابت بن موسى، وعلى قضائها شريك بن عبد الله، وعلى صلاة البصرة عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النميري، وعلى أحداثها عمارة بن حمزة؛ وخليفته على ذلك المسور بن عبد الله بن مسلم الباهلي؛ وعلى قضائها عبيد الله بن حسن. وعلى كور دجلة وكور الأهواز وكور فارس عمارة بن حمزة. وعلى السند بسطام بن عمرو، وعلى اليمن رجاء بن روح. وعلى اليمامة بشر بن المنذر، وعلى خراسان أبو عون عبد الملك بن يزيد، وعلى الجزيرة الفضل بن صالح، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى مصر محمد بن سليمان أبو ضمرة.
ثم دخلت سنة ستين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ذكر خروج يوسف البرم

فمن ذلك ما كان من خروج يوسف بن إبراهيم، وهو الذي يقال له يوسف البرم بخراسان منكرًا هو ومن تبعه ممن كان على رأيه على المهدي - فيما زعم - الحال التي هو بها وسيرته التي يسير بها، واجتمع معه - فيما ذكر - بشر من الناس كثير، فتوجه إليه يزيد بن مزيد فلقيه، واقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد، وبعث به إلى المهدي، وبعث معه من وجوه أصحابه بعدة، فلما انتهى بهم إلى النهروان حمل يوسف البرمعلى بعير وقد حول وجهه إلى ذنب البعير وأصحابه على بعير، فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال، فأدخلوه على المهدي، فأمر هرثمة بن أعين فقطع يدي يوسف ورجليه، وضرب عنقه وعنق أصحابه، وصلبهم على جسر دجلة الأعلى، مما يلي عسكر المهدي، وإنما أمر هرثمة بقتله؛ لأنه قتل أخًا لهرثمة بخراسان.
ذكر خبر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي

وفيها قدم عيسى بن موسى مع أبي هريرة يوم الخميس لست خلون من المحرم - فيما ذكر - الفضل بن سليمان فنزل دارًا كانت لمحمد بن سليمان على شاطئ دجلة في عسكر المهدي، فأقام أيامًا يختلف إلى المهدي، ويدخل مدخله الذي كان يدخله؛ لا يكلم بشيء، ولا يرى جفوة ولا مكروهًا ولا تقصيرًا به؛ حتى أنس به بعض الأنس، ثم حضر الدار يومًا قبل جلوس المهدي، فدخل مجلسا كان يكون للربيع في مقصورة صغيرة، وعليها باب، وقد أجتمع رؤساء الشيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب عليه؛ ففعلوا ذلك وهو في المقصورة التي فيها مجلس الربيع، فأغلق دونهم المقصورة، فضربوا الباب بجرزهم، فهشموا الباب، وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبح الشتم، وحصروه هنالك، وأظهر المهدي إنكارًا لما فعلوا، فلم يردعهم ذلك عن فعلهم، بل شدوا في أمره، وكانوا بذلك هو وهم أيامًا، إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل بيته بحضرة المهدي، فأبوا إلا خلعه، وشتموه في وجهه؛ وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان.
فلما رأى المهدي ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته؛ دعاهم إلى العهد لموسى، فصار إلى رأيهم وموافقتهم، وألح على عيسى في إجابته إياهم إلى الخروج مما له من العهد في أعناق الناس وتحليلهم منه؛ فأبى؛ وذكر أن عليه أيمانًا محرجة في ماله وأهله؛ فأحضر له من الفقهاء والقضاة عدة، منهم محمد بن عبد الله بن علاثة والزنجي بن خالد المكي وغيرهما؛ فأتوه بما رأوا، وصار إلى المهدي ابتياع ماله من البيعة في أعناق الناس بما يكون له فيه رضًا وعوض؛ مما يخرج له من ماله لما يلزمه من الحنث في يمينه؛ وهو عشرة آلاف ألف درهم، وضياع بالزاب الأعلى وكسكر. فقبل عيسى، وبقي منذ فاوضه المهدي على الخلع إلى أن أجاب محتسبًا عنده في دار الديوان من الرصافة إلى أن صار إلى الرضى بالخلع والتسليم، وإلى أن خلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر، فبايع للمهدي ولموسى من بعده من الغد يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم لارتفاع النهار. ثم أذن المهدي لأهل بيته، وهو في قبة كان محمد بن سليمان أهداها له مضروبة في صحن الأبواب، ثم أخذ بيعتهم رجلًا رجلًا لنفسه ولموسى بن المهدي من بعده، حتى أتى إلى آخرهم. ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فقعد على المنبر، وصعد موسى حتى كأنه دونه. وقال عيسى على أول عتبة المنبر، فحمد الله المهدي وأثنى عليه، وصلى على النبي ، وأخبر بما بما أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره وغيرهم من أهل خراسان من خلع عيسى بن موسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق الناس لموسى بن أمير المؤمنين؛ لاختيارهم له ورضاهم به؛ وما رأى من إجاباتهم إلى ذلك؛ لما رجا مصلحتهم وألفتهم، وخاف مخالفتهم في نياتهم واختلاف كلمتهم، وأن عيسى قد خلع تقدمه، وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم، وأن ما كان له من ذلك فقد صار لموسى بن أمير المؤمنين، بعقد من أمير المؤمنين وأهل بيته وشيعته في ذلك؛ وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه بأحسن السيرة وأعدلها، فبايعوا معشر من حضر، وسارعوا إلى ما سارع إليه غيركم؛ فإن الخير كله في الجماعة، والشر كله في الفرقة. وأنا أسأل الله لنا ولكم التوفيق برحمته، والعمل بطاعته وما يرضيه، وأستغفر الله لي ولكم.
وجلس موسى دونه معتزلًا للمنبر؛ لئلا يحول بينه وبين من صعد إليه، يبايعه ويمسح على يده، ولا يستر وجهه، وثبت عيسى قائمًا في مكانه، وقرئ عليه كتاب ذكر الخلع له، وخروجه مما كان غليه من ولاية العهد وتحليله الجماعة من كان له في عنقه بيعة، مما عقدوا له في أعناقهم؛ وإن ذلك من فعله وهو طائع غير مكره، راض غير ساخط، محب غير مجبر. فأقر عيسى بذلك، ثم صعد فبايع المهدي، ومسح على يده، ثم انصرف، وبايع أهل بيت المهدي على أسنانهم؛ يبايعون المهدي ثم موسى، ويمسحون على أيديهما؛ حتى فرغ آخرهم؛ وفعل من أحضر من أصحابه ووجوه القواد والشيعة مثل ذلك، ثم نزل المهدي، فصار إلى منزله، ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة خاله يزيد بن منصور، فتولى ذلك حتى فرغ من جميع الناس، ووفى المهدي لعيسى بما أعطاه وأرضاه مما خلعه منه من ولاية العهد، وكتب عليه بخلعه إياه كتابًا أشهد عليه فيه جماعة أهل بيته وصحابته وجميع شيعته وكتابه وجنده في الدواوين؛ ليكون حجة على عيسى، وقطعًا لقوله ودعواه فيما خرج منه.
وهذه نسخة الشرط الذي كتبه عيسى على نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهد المؤمنين موسى بن المهدي، ولأهل بيته وجميع قواده وجنوده من أهل خراسان وعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ حيث كان كائن منهم، كتبته للمهدي محمد أمير المؤمنين، وولي عهد المسلمين موسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي؛ فيما جعل إليه من العهد إذ كان إلي، حتى اجتمعت كلمة المسلمين، واتسق أمرهم، وائتلفت أهواؤهم، على الرضى بولاية موسى بن المهدي محمد أمير المؤمنين، وعرفت الخط في ذلك علي والخط فيه لي، ودخلت فيما دخل المسلمون من الرضا بموسى بن أمير المؤمنين، والبيعة له، والخروج مما كان لي في رقابهم من البيعة، وجعلتكم في حل من ذلك وسعة، من غير حرج يدخل عليكم، أو على أحد من جماعتكم وعامة المسلمين، وليس في شيء من ذلك، قديم ولا حديث لي دعوى ولا طلبة ولا حجة ولا مقالة ولا طاعة على أحد منكم، ولا على عامة المسلمين ولا بيعة في حياة المهدي محمد أمير المؤمنين ولا بعده ولا بعد ولي عهد المسلمين موسى، ولا ما كنت حيًا حتى أموت. وقد بايعت محمد المهدي أمير المؤمنين ولموسى ابن أمير المؤمنين من بعده، وجعلت لهما ولعامة المسلمين من أهل خراسان وغيرهم الوفاء بما شرطت على نفسي في هذا الأمر الذي خرجت منه، والتمام عليه. علي بذلك عهد الله وما اعتقد أحد من خلقه من عهد أو ميثاق أو تغليظ أو تأكيد على السمع والطاعة والنصيحة للمهدي محمد أمير المؤمنين وولي عهده موسى بن أمير المؤمنين، في السر والعلانية، والقول والفعل، والنية والشدة والرجاء والسراء والضراء والموالاة لهمل ولمن والاهما، والمعاداة لمن عاداهما، كائنًا من كان في هذا الأمر الذي خرجت منه. فإن أنا نكبت أو غيرت أو بدلت أو دغلت أو نويت غير ما أعطيت عليه هذه الأيمان، أو دعوت إلى خلاف شيء مما حملت على نفسي في هذا الكتاب للمهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهده موسى بن أمير المؤمنين ولعامة المسلمين، أو لم أف بذلك؛ فكل زوجة عندي يوم كتبت هذا الكتاب - أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة - طالق ثلاثًا البتة طلاق الحرج وكل مملوك عندي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وكل مالٍ لي نقد أو عرض أو قرض أو أرض، أو قليل أو كثير، تالد أو طارف أو أستفيده فيما بعد اليوم إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين، يضع ذلك الوالي حيث يرى، وعلي من مدينة السلام المشي حافيًا إلى بيت الله العتيق الذي بمكة نذرًا واجبًا ثلاثين سنة، لا كفارة لي ولا مخرج منه؛ إلا الوفاء به. والله على الوفاء بذلك راع كفيل شهيد، وكفى بالله شهيدًا. وشهيد على عيسى بن موسى بما في هذا الشرط أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
وكتب في صفر سنة ستين ومائة. وختم عيسى بن موسى.
فقال بعض الشعراء:
كره الموت أبو موسى وقد ** كان في الموت نجاء وكرم
خلع الملك وأضحى ملبسًا ** ثوب لوم ما ترى منه القدم