ولما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له قال: واجعلنا هداة مهتدين
ولما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لاقبله فإن ذلك عزم على الرضى فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده فإن المقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند وغيره عنه إن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله تعالى
ولما كانت خشية الله تعالى رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة
ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل وقد يدخله أيضا رضاه في الباطل سأل الله تعالى أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضى ولهذا قال بعض السلف: لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق
ولما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله تعالى القصد في الحالتين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير
ولما كان النعيم نوعين: نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله: أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين: زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمهما قدرا وأجلهما خطرا وإذا حصلت زينة البدن على أكمل الوجوه في العقبى سأل ربه الزينة الباطنة فقال زينا بزينة الإيمان
ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت
والمقصود: أنه جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وأطيب ما في الآخرة فإن حاجة العباد إلى ربهم في عبادتهم إياه وتأليههم له كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم ومعافاة أبدانهم وستر عوراتهم وتأمين روعاتهم بل حاجتهم إلى تأليهه ومحبته وعبوديته أعظم فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال ولهذا كانت لا اله إلا الله أحسن الحسنات وكان توحيد الإلهية رأس الأمر وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي قال: أتدري ما حق الله على عباده قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار ولذلك يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم كما أن في ذلك أعظم لذة فليس في الكائنات شيء غير الله تعالى يسكن القلب إليه ويطمئن به ويأنس به ويتنعم بالتوجه إليه ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء: 22 ] فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود منه ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه الوجه الثالث: أن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه وحده لا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء والشراب والنفس فيقاس بها لكن بينهما فروق كثيرة فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بالهه الحق الذي لا إله إلا هو فلا يطمئن إلا بذكره ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه وهو كادح إليه كدحا فملاقيه ولا بد له من لقائه ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته وعبادته وخوفه ورجائه ولو حصل له من اللذات والسرور بغيره ما حصل فلا يدوم له ذلك بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في حال وبهذا في حال وكثيرا ما يكون ذلك الذي يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته وأما إلهه الحق فلا بد له منه في كل وقت وفي كل حال وأينما كان فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان ودلت عليه السنة والقرآن وشهدت به الفطرة والجنان لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان وبخس حظه من الإحسان: إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان وأفضل لذة للروح والقلب والجنان وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان والله المستعان وعليه التكلان
وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها لأسباب اقتضته لابد منها هي من لوازم هذه النشأة
فأوامره سبحانه وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب ونعيم الأرواح وسرورها وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها وكمالها في معاشها ومعادها بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك كما قال تعالى: يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [ يونس: 57 ] قال أبو سعيد الخدري: فضل الله: القرآن ورحمته: أن جعلكم من أهله وقال هلال بن يساف: بالإسلام الذي هداكم إليه وبالقرآن الذي علمكم إياه هو خير مما تجمعون: من الذهب والفضة وكذلك قال: ابن عباس والحسن وقتادة: فضله: الإسلام ورحمته: القرآن وقالت طائفة من السلف: فضله القرآن ورحمته الإسلام
والتحقيق: أن كلا منهما فيه الوصفان الفضل والرحمة وهما الأمران اللذان امتن الله بهما على رسوله فقال: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ الشورى: 52 ] والله سبحانه إنما رفع من رفع بالكتاب والإيمان ووضع من وضع بعدمها
فإن قيل: فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة: 286 ] وقوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها [ الأنعام: 152 ]
قيل: نعم إنما جاء ذلك في جانب النفي ولم يسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط بل سماها روحا ونورا وشفاء وهدى ورحمة وحياة وعهدا ووصية ونحو ذلك
الوجه الرابع: أن أفضل نعيم الآخرة وأجله وأعلاه على الإطلاق هو النظر إلى وجه الرب تعالى وسماع خطابه كما في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وفي حديث آخر: فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه فبين أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين: 15 ] فجمع عليهم نوعي العذاب: عذاب النار وعذاب الحجاب عنه سبحانه كما جمع لأوليائه نوعي النعيم: نعيم التمتع بما في الجنة ونعيم التمتع برؤيته وذكر سبحانه هذه الأنواع الأربعة في هذه السورة فقال في حق الأبرار: إن الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون [ المطففين: 23 ] ولقد هضم معنى الآية من قال: ينظرون إلى أعدائهم يعذبون أو ينظرون إلى قصورهم وبساتينهم أو ينظر بعضهم إلى بعض وكل هذا عدول عن المقصود إلى غيره وإنما المعنى ينظرون إلى وجه ربهم ضد حال الكفار الذين هم عن ربهم لمحجوبون: ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين: 32 ] وتأمل كيف قابل سبحانه ما قاله الكفار في أعدائهم في الدنيا وسخروا به منهم بضده في القيامة فإن الكفار كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويضحكون منهم وإذا رأوهم قالوا إن هؤلآء لضالون [ المطففين: 32 ] فقال تعالى:
فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [ المطففين: 34 ] مقابلة لتغامزهم وضحكهم منهم ثم قال: على الأرائك ينظرون [ المطففين: 23 ] فأطلق النظر ولم يقيده بمنظور دون منظور وأعلى ما نظروا إليه وأجله وأعظمه هو الله سبحانه والنظر إليه أجل أنواع النظر وأفضلها وهو أعلى مراتب الهداية فقابل بذلك قولهم إن هؤلاء لضالون فالنظر إلى الرب سبحانه مراد من هذين الموضعين ولا بد إما بخصوصه وإما بالعموم والإطلاق ومن تأمل السياق لم يجد الآيتين تحتملان غير إرادة ذلك خصوصا أو عموما
فصل في أن لذة النظر إلى وجه الله يوم القيامة تابعة للتلذذ بمعرفته ومحبته في الدنيا

وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه أعظم
الوجه الخامس أن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضر ولا عطاء ولا منع ولا هدى ولا ضلال ولا نصر ولا خذلان ولا خفض ولا رفع ولا عز ولا ذل بل الله وحده هو الذي يملك له ذلك كله قال الله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم وقال تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم وقال تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده الآية وقال تعالى عن صاحب يس أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون وقال تعالى يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون وقال تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور فجمع سبحانه بين النصر والرزق فإن العبد مضطر إلى من يدفع عنه عدوه بنصره ويجلب له منافعه برزقه فلا بد له من ناصر ورازق والله وحده هو الذي ينصر ويرزق فهو الرزاق ذو القوة المتين ومن كمال فطنة العبد ومعرفته أن يعلم أنه إذا مسه الله بسوء لم يرفعه عنه غيره وإذا ناله بنعمة لم يرزقه إياها سواه ويذكر أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه أدرك لي لطيف الفطنة وخفي اللطف فإني أحب ذلك قال: يا رب وما لطيف الفطنة قال: إن وقعت عليك ذبابة فاعلم أني أنا أوقعتها فاسألني أرفعها قال: وما خفي اللطف قال: إذا أتتك حبة فاعلم أني أنا ذكرتك بها وقد قال تعالى عن السحرة: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله [ البقرة: 102 ] فهو سبحانه وحده الذي يكفي عبده وينصره ويرزقه ويكلؤه
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: سمعت وهبا يقول: قال الله تعالى في بعض كتبه: بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإني أجعل له من ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه كفى لعبدي ملآي إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبل أن يسألني وأستجيب له قبل أن يدعوني فأنا أعلم بحاجته التي ترفق به منه قال أحمد: وحدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو سعيد المؤدب حدثنا من سمع عطاء الخراساني قال: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت فقلت له: حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز قال: نعم أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: يا داود أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبيدي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجا أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الأرض من تحت قدميه ثم لا أبالي بأي واد هلك وهذا الوجه أظهر للعامة من الذي قبله ولهذا خوطبوا به في القرآن أكثر من الأول ومنه دعت الرسل إلى الوجه الأول وإذا تدبر اللبيب القرآن وجد الله سبحانه يدعو عباده بهذا الوجه إلى الوجه الأول وهذا الوجه يقتضي التوكل على الله تعالى والاستعانة به ودعاءه ومسألته دون ما سواه ويقتضي أيضا: محبته وعبادته لإحسانه إلى عبده وإسباغ نعمه عليه فإذا أحبوه وعبدوه وتوكلوا عليه من هذا الوجه دخلوا منه إلى الوجه الأول
ونظير ذلك: من ينزل به بلاء عظيم أو فاقة شديدة أو خوف مقلق فجعل يدعو الله سبحانه ويتضرع إليه حتى فتح له من لذيذ مناجاته وعظيم الإيمان به والإنابة إليه ما هو أحب إليه من تلك الحاجة التي قصدها أولا ولكنه لم يكن يعرف ذلك أولا حتى يطلبه ويشتاق إليه وفي نحو ذلك قال القائل:
جزى الله يوم الروع خيرا... فإنه أرانا على علاته أم ثابت
أرانا مصونات الحجال ولم نكن... نراهن إلا عند نعت النواعت
الوجه السادس: أن تعلق العبد بما سوى الله تعالى مضرة عليه إذا أخذ منه فوق القدر الزائد على حاجته غير مستعين به على طاعته فإذا نال من الطعام والشراب والنكاح واللباس فوق حاجته ضره ذلك ولو أحب سوى الله ما أحب فلا بد أن يسلبه ويفارقه فإن أحبه لغير الله فلابد أن تضره محبته ويعذب بمحبوبه إما في الدنيا وإما في الآخرة والغالب أنه يعذب به في الدارين قال تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون [ التوبة: 34 ] وقال تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون [ التوبة: 55 ] ولم يصب من قال: إن الآية على التقديم والتأخير كالجرجاني حيث قال: ينتظم قوله في الحياة الدنيا بعد فصل آخر ليس بموضعه على تأويل فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وهذا القول يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو منقطع واختاره قتادة وجماعة وكأنهم لما أشكل عليهم وجه تعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا وأن سرورهم ولذتهم ونعيمهم بذلك فروا إلى التقديم والتأخير
وأما الذين رأوا أن الآية على وجهها ونظمها فاختلفوا في هذا التعذيب فقال الحسن البصري: يعذبهم بأخذ الزكاة منها والإنفاق في الجهاد واختاره ابن جرير وأوضحه فقال: العذاب بها إلزامهم بما أوجب الله عليهم فيها من حقوقه وفرائضه إذ كان يؤخذ منه ذلك
وهو غير طيب النفس ولا راج من الله جزاء ولا من الآخذ منه حمدا ولا شكرا بل على صغار منه وكره
وهذا أيضا عدول عن المراد بتعذيبهم في الدنيا بها وذهاب عن مقصود الآية