وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي أمامه مرفوعا الماء لا ينجسه شىء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه
وفيها من حديث أبي سعيد: أن رسول الله ص سئل عن لحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور
وإن كان في إسناد هذين الحديثين مقال: فانا ذكرناهما للاستشهاد لا للاعتماد
وقال البخاري: قال الزهري: لا بأس بالماء ما لم يتغير منه طعم أو ريح او لون
وقال الزهري أيضا: إذا ولغ الكلب في الإناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به ثم يتيمم
قال سفيان: هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا [ المائده: 6 ] وهذا ماء وفي النفس منه شىء يتوضأ به ثم يتيمم ونص أحمد رحمه الله: في حب زيت ولغ فيه كلب فقال: يؤكل
فصل

ومن ذلك: أن النبي ص كان يجيب من دعاه فيأكل من طعامه وأضافه يهودي بخبز شعير وإهالة سنخة وكان المسلمون يأكلون من أطعمة أهل الكتاب
وشرط عمر رضي الله تعالى عنه عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين وقال: أطعموهم مما تأكلون وقد أحل الله تعالى ذلك في كتابه ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال: اين هو قالوا: في الكنيسة فكره دخولها وقال لعلي رضي الله عنه: اذهب بالناس فذهب علي بالمسلمين فدخلوا وأكلوا وجعل علي رضي الله عنه: ينظر إلى الصور وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل
وكان النبي عليه السلام يقبل ابني ابنته في أفواههما ويشرب من موضع فم عائشة وضي الله عنها ويتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيها وهي حائض
وحمل أبو بكر رضي الله عنه الحسن على عاتقه ولعابه يسيل عليه
وأتى رسول الله عليه السلام بصبي فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله
وكان يؤتي بالصبيان فيضعهم في حجره يبرك عليهم ويدعو لهم
وهذا الذي ذكرناه قليل من كثير من السنة ومن له اطلاع على ما كان عليه رسول الله ص وأصحابه لا يخفى عليه حقيقة الحال
وقد روى الإمام أحمد في مسنده عنه ص بعثت بالحنيفية السمحة فجمع بين كونها حنيفية وكونها سمحة فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل وضد الأمرين: الشرك وتحريم الحلال وهما اللذان ذكرهما النبي ص فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا
فالشرك وتحريم الحلال قرينان وهما اللذان عابهما الله تعالى في كتابه على المشركين في سورة الأنعام والأعراف
وقد ذم النبي ص المتنطعين في الدين وأخبر بهلكتهم حيث يقول ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامه عن مسعر قال: أخرج إلي معن بن عبد الرحمن كتابا وحلف بالله أنه خط أبيه فإذا فيه: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما رأيت أحدا كان أشد على المتنطعين من رسول الله ص ولا رأيت أحدا أشد خوفا عليهم من أبي بكر وإني لأظن عمر رضي الله عنه كان أشد أهل الأرض خوفا عليهم وكان ص يبغض المتعمقين حتى إنه لما واصل بهم ورأى الهلال قال: لو تأخر الهلال لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم كالمنكل بهم
وكان الصحابة أقل الأمة تكلفا اقتداء بنبيهم ص قال الله تعالى قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم
وقال أنس رضي الله عنه: كنا عند عمر رضي الله عنه فسمعته يقول نهينا عن التكلف
وقال مالك قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله وولاة الأمور بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها من اقتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يقول: سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالا وقال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين
فأخبر أن الغالين يحرفون ما جاء به والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه والجاهلون يتأولونه على غير تأويله وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاثة فلولا أن الله تعالى يقيم لدينه من ينفى عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء
فصل

ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم: قال أبو الفرج بن الجوزي: قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول: الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب قال: ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده والمراد تحقيق الحرف حسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس