









ذكر الآثار عن التابعين
قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال إذا نوى الناكح أو المنكح أو المرأة أو أحد منهم التحليل فلا يصلح
أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء المحلل عامدا هل عليه عقوبة قال ما علمت وإني لأرى أن يعاقب قال وكلهم إن تمالؤا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق
أخبرنا معمر عن قتادة قال إن طلقها المحلل فلا يحل لزوجها الأول أن يقر بها إذا كان نكاحه على وجه التحليل
أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء فطلق المحلل فراجعها زوجها قال يفرق بينهما
أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في رجل تزوج امرأة يحللها ولا يعلمها فقال الحسن اتق الله ولا تكن مسمار نار في حدود الله
قال ابن المنذر وقال إبراهيم النخعي إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول
قال وقال الحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد أفسد
قال وقال بكر بن عبد الله المزني في الحال والمحلل له أولئك كانوا يسمون في الجاهلية التيس المستعار
قال وقال عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى إن ظنا أن يقيما حدود الله قال إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة ورواه ابن أبي حاتم في التفسير عنه
وقال هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي أنه سئل عن رجل تزوج امرأة كان زوجها طلقها ثلاثا قبل ذلك أيطلقها لترجع إلى زوجها الأول فقال لا حتى يحدث نفسه أنه يعمر معها وتعمر معه أي تقيم معه رواه الجوزجاني
ورورى النفيلي حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية حدثنا عبد الملك عن عطاء في الرجل يطلق المرأة فينطلق الرجل الذي يتحزن له فيتزوجها من غير مؤامرة منه فقال إن كان تزوجها ليحلها له لم تحل له وإن كان تزوجها يريد إمساكها فقد حلت له
وقال سعيد بن المسيب في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول ولم يشعر بذلك زوجها الأول ولا المرأة قال إن كان إنما نكحها ليحلها فلا يصلح ذلك لهما ولا تحل له رواه حرب في مسائله
وعنه أيضا قال إن الناس يقولون حتى يجامعها وأنا أقول إذا تزوجها تزوجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوجها الأول رواه سعيد بن منصور عنه
فهؤلاء الأئمة الأربعة أركان التابعين وهم الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي
وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول وهو لا يعلم قال لا يصلح ذلك إذا كان تزوجها ليحلها
ذكر الآثار عن تابعي التابعين ومن بعدهم
قال ابن المنذر: وممن قال: إن ذلك لا يصلح إلا نكاح رغبة: مالك ابن أنس والليث ابن سعد وقال مالك رحمه الله: يفرق بينهما على كل حال وتكون الفرقة فسخا بغير طلاق
وقال سفيان الثوري: إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارق ويستقبل نكاحا جديدا
قال أحمد بن حنبل: جيد
وقال إسحاق: لا يحل له أن يمسكها لأن المحلل لم تتم له عقدة النكاح
وكان أبو عبيد يقول بقول الحسن والنخعي
وقال الجوزجاني: حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك فقال: هو محلل وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون
وقال الجوزجاني: وبه قال أيوب وقال ابن أبي شيبة: لست أرى أن ترجع بهذا النكاح إلى زوجها الأول
قال الجوزجاني: وأقول: إن الإسلام دين الله الذي اختاره واصطفاه وطهره حقيق بالتوقير والصيانة مما لعله يشينه وينزه مما أصبح أبناء الملل من أهل الذمة يعيرون به المسلمين على ما تقدم فيه من النهي عن النبيولعنه عليه ثم ساق الأحاديث المرفوعة في ذلك والآثار
فصل
ومن العجائب معارضة هذه الأحاديث والآثار عن الصحابة بقوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة: 230 ] والذي أنزلت عليه هذه الآية هو الذي لعن المحلل والمحلل له وأصحابه أعلم الناس بكتاب الله تعالى فلم يجعلوه زوجا وأبطلوا نكاحه ولعنوه
وأعجب من هذا قول بعضهم: نحن نحتج بكونه سماه محللا فلولا أنه أثبت الحل لم يكن محللا
فيقال: هذه من العظائم فإن هذا يتضمن أن رسول اللهلعن من فعل السنة التي جاء بها وفعل ما هو جائز صحيح في شريعته وإنما سموه محللا لأنه أحل ما حرم الله فاستحق اللعنة فإن الله سبحانه حرمها على المطلق حتى تنكح زوجا غيره والنكاح اسم في كتاب الله وسنة رسوله للنكاح الذي يتعارفه الناس بينهم نكاحا وهو الذي شرع إعلانه والضرب عليه بالدفوف والوليمة فيه وجعل للإيواء والسكن وجعله الله مودة ورحمة وجرت العادة فيه بضد ما جرت به في نكاح المحلل فان المحلل لم يدخل على نفقه ولا كسوة ولا سكنى ولا إعطاء مهر ولا يحصل به نسب ولا صهر ولا قصد المقام مع الزوجة وإنما دخل عارية كالتيس المستعار للضراب ولهذا شبههبه النبي
ثم لعنه فعلم قطعا لا شك فيه أنه ليس هو الزوج المذكور في القرآن ولا نكاحه هو النكاح المذكور في القرآن وقد فطر الله سبحانه قلوب الناس على أن هذا ليس بنكاح ولا المحلل بزوج وأن هذا منكر قبيح وتعير به المرأة والزوج والمحلل والولي فكيف يدخل هذا في النكاح الذي شرعه الله ورسوله وأحبه وأخبر أنه سنته ومن رغب عنه فليس منه
وتأمل قوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا [ البقرة: 230 ] أي فإن طلقها هذا الثاني فلا جناح عليها وعلى الأول أن يتراجعا أي ترجع إليه بعقد جديد فأتى بحرف إن الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يقيم والتحليل الذي يفعله هؤلاء لا يتمكن الزوج فيه من الأمرين بل يشرطون عليه أنه متى وطئها فهي طالق ثم لما علموا أنه قد لا يخبر بوطئها ولا يقبل قولها في وقوع الطلاق انتقلوا إلى أن جعلوا الشرط إخبار المرأة بأنه دخل بها فبمجرد إخبارها بذلك تطلق عليه والله سبحانه وتعالى شرع النكاح للوصلة الدائمة وللاستمتاع وهذا النكاح جعله أصحابه سببا لانقطاعه ولوقوع الطلاق فيه فإنه متى وطىء كان وطؤه سببا لانقطاع النكاح وهذا ضد شرع الله وأيضا فإن الله سبحانه جعل نكاح الثاني وطلاقه واسمه كنكاح الأول وطلاقه واسمه فهذا زوج وهذا زوج وهذا نكاح وهذا نكاح وكذلك الطلاق ومعلوم أن نكاح المحلل وطلاقه واسمه لا يشبه نكاح الأول ولا طلاقه ولا اسمه كاسمه ذاك زوج راغب قاصد للنكاح باذل للمهر ملتزم للنفقة والسكنى والكسوة وغير ذلك من خصائص النكاح والمحلل برىء من ذلك كله غير ملتزم لشىء منه
وإذا كان الله تعالى ورسوله قد حرم نكاح المتعة مع أن قصد الزوج الاستمتاع بالمرأة وأن يقيم معها زمانا وهو ملتزم لحقوق النكاح فالمحلل الذي ليس له غرض أن يقيم مع المرأة إلا قدر ما ينزو عليها كالتيس المستعار لذلك ثم يفارقها أولى بالتحريم
وسمعت شيخ الإسلام يقول: نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من عشرة أوجه:
أحدها: أن نكاح المتعة كان مشروعا في أول الإسلام ونكاح التحليل لم يشرع في زمن من الأزمان
الثاني أن الصحابة تمتعوا على عهد النبيولم يكن في الصحابة محلل قط
الثالث: أن نكاح المتعة مختلف فيه بين الصحابة فأباحه ابن عباس وإن قيل: إنه رجع عنه وأباحه عبد الله بن مسعود ففي الصحيحين عنه قال: كنا نغزو مع رسول اللهوليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. وفتوى ابن عباس بها مشهورة
قال عروة: قام عبد الله بن الزبير بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة: يعرض بعبد الله بن عباس فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله
فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك
فهذا قول ابن مسعود وابن عباس في المتعة وذاك قولهما وروايتهما في نكاح التحليل
الرابع: أن رسول اللهلم يجىء عنه في لعن المستمتع والمستمتع بها حرف واحد وجاء عنه في لعن المحلل والمحلل له وعن الصحابة: ما تقدم
الخامس: أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة ولها غرض أن تقيم معه مدة النكاح فغرضه المقصود بالنكاح مدة والمحلل لا غرض له سوى أنه مستعار للضراب كالتيس فنكاحه غير مقصود له ولا للمرأة ولا للولي وإنما هو كما قال الحسن: مسمار نار في حدود الله وهذه التسمية مطابقة للمعنى
قال شيخ الإسلام: يريد الحسن: إن المسمار هو الذي يثبت الشىء المسمور فكذلك هذا يثبت تلك المرأة لزوجها وقد حرمها الله عليه
السادس: أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله فليس من المخادعين الذين يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان بل هو ناكح ظاهرا وباطنا والمحلل ماكر مخادع متخذ آيات الله هزوا ولذلك جاء في وعيده مالم يجىء في وعيد المستمتع مثله ولا قريب منه
السابع: أن المستمتع يريد المرأة لنفسه وهذا سر النكاح ومقصوده فيريد بنكاحه حلها له ولا يطؤها حراما والمحلل لا يريد حلها لنفسه وإنما يريد حلها لغيره ولهذا سمي محللا فأين من يريد أن يحل له وطىء امرأة يخاف أن يطأها حراما إلى من لا يريد ذلك وإنما يريد بنكاحها أن يحل وطأها لغيره فهذا ضد شرع الله ودينه وضد ما وضع له النكاح
الثامن: أن الفطر السليمة والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل والتقليد تنفر من التحليل أشد نفار وتعير به أعظم تعيير حتى إن كثيرا من النساء تعير المرأة به أكثر مما تعيرها بالزنا ونكاح المتعة لا تنفر منه الفطر والعقول ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام
التاسع: أن نكاح المتعة يشبه إجارة الدابة مدة للركوب وإجارة الدار مدة للانتفاع والسكنى وإجارة العبد للخدمة مدة ونحو ذلك مما للباذل فيه غرض صحيح ولكن لما دخله التوقيت أخرجه عن مقصود النكاح الذي شرع بوصف الدوام والاستمرار وهذا بخلاف نكاح المحلل فإنه لا يشبه شيئا من ذلك ولهذا شبهه الصحابة رضي الله عنهم بالسفاح وشبهوه باستعارة التيس للضراب
العاشر: أن الله سبحانه نصب هذه الأسباب كالبيع والإجارة والهبة والنكاح مفضية إلى أحكام جعلها مسببات لها ومقتضيات فجعل البيع سببا لملك الرقبة والإجارة سببا لملك المنفعة أو الانتفاع والنكاح سببا لملك البضع وحل الوطء والمحلل مناقض معاكس لشرع الله تعالى ودينه فإنه جعل نكاحه سببا لتمليك المطلق البضع وإحلاله له ولم يقصد بالنكاح ما شرعه الله له من ملكه هو للبضع وحله له ولا له غرض في ذلك ولا دخل عليه وإنما قصد به أمرا آخر لم يشرع له ذلك السبب ولم يجعل طريقا له
الحادي عشر: أن المحلل من جنس المنافق فإن المنافق يظهر أنه مسلم ملتزم لعقد الإسلام ظاهرا وباطنا وهو في الباطن غير ملتزم له وكذلك المحلل يظهر أنه زوج وأنه يريد النكاح ويسمى المهر ويشهد على رضى المرأة وفي الباطن بخلاف ذلك ولا القيام بحقوق النكاح وقد أظهر خلاف ما أبطن وأنه مريد لذلك والله يعلم والحاضرون والمرأة وهو والمطلق: أن الأمر كذلك وأنه غير زوج على الحقيقة ولا هي امرأته على الحقيقة
الثاني عشر: أن نكاح المحلل لا يشبه نكاح أهل الجاهلية ولا نكاح أهل الإسلام فكان أهل الجاهلية يتعاطون في أنكحتهم أمورا منكرة ولم يكونوا يرضون نكاح التحليل ولا يفعلونه ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه فيعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله تعالى محمدا ص بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم
ومعلوم أن نكاح المحلل ليس من نكاح الناس الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ص أقره ولم يهدمه ولا كان أهل الجاهلية يرضون به فلم يكن من أنكحتهم فإن الفطر والأمم تنكره وتعير به
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)