









وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم لأن حاخاميمهم أوهموهم أن المأكولات إنما تحل للناس إن استعملوا فيها هذا العلم الذي نسبوه إلى موسى عليه السلام وإلى الله تعالى وأن سائر الأمم لا يعرفون هذا وأنهم إنما شرفهم الله تعالى بهذا وأمثال ذلك من الترهات فصار أحدهم ينظر إلى من ليس على مذهبه وملته كما ينظر إلى الحيوان الهيم وينظر مآكل الأمم وذبائحهم كما ينظر إلى العذرة
وهذا من كيد الشيطان لهم ولعبه بهم فإن الحاخاميم قصدوا بذلك المبالغة في مخالفتهم الأمم والإزراء عليهم ونسبتهم إلى قلة العلم وأنهم اختصوا دون الأمم بهذه الآصار والأغلال والتشديدات
وكلما كان الحاخاميم فيهم أكثر تكلفا وأشد إصرا وأكثر تحريما قالوا: هذا هو العالم الرباني
ومما دعاهم إلى التضييق والتشديد: أنهم مبددون في شرق الأرض وغربها فما من جماعة منهم في بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة يظهر لهم الخشونة في دينهم والمبالغة في الاحتياط فإن كان من المتفقهة فهو يسرع في إنكار أشياء عليهم ويوهمهم التنزه عما هم عليهم وينسبهم إلى قلة الدين وينسب ما ينكره عليهم إلى مشايخه وإلى أهل بلده ويكون في أكثر تلك الأشياء كاذبا وقصده بذلك إما الرياسة عليهم وإما تحصيل بعض مآربه منهم ولا سيما إن أراد المقام عندهم
فتراه أول ما ينزل بهم لا يأكل من أطعمتهم ولا من ذبائحهم ويتأمل سكين ذابحهم وينكر عليهم بعض أمره ويقول: أنا لا آكل إلا من ذبيحة يدي فتراهم معه في عذاب لا يزال ينكر عليهم المباح ويوهمهم تحريمه بأشياء يخترعها حتى لا يشكون في ذلك
فإن قدم عليهم قادم آخر فخاف المقيم أن ينقض عليه القادم تلقاه وأكرمه وسعى في موافقته وتصديقه فيستحسن مافعله الأول ويقول لهم: لقد عظم الله تعالى ثواب فلان إذ قوى ناموس الدين في قلوب هذه الجماعة وشد سياج الشرع عندهم وإذا لقيه يظهر من مدحه وشكره والدعاء له ما يؤكد أمره
وإن كان القادم الثاني منكرا لما جاء به الأول من التشديد والتضييق لم يقع عندهم بموقع وينسبونه إما إلى الجهل وإما إلى رقة الدين لأنهم يعتقدون أن تضييق المعيشة وتحريم الحلال هو المبالغة في الدين
وهم أبدا يعتقدون الصواب والحق مع من يشدد ويضيق عليهم هذا إن كان القادم من فقهائهم
فأما إن كانوا من عبادهم وأحبارهم فهناك ترى العجب العجاب من الناموس الذي يعتمد والسنن التي يحدثها ويلحقها بالفرائض فتراهم مسلمين له منقادين وهو يحتلب درهم ويجتلب درهمهم حتى إذا بلغه أن يهوديا جلس على قارعة الطريق يوم السبت أو اشترى لبنا من مسلم ثلبه وسبه في مجمع اليهود وأباح عرضه ونسبه إلى قلة الدين
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية أنهم إذا رأوا الأمر أو النهي مما أمروا به أو نهوا عنه شاقا عليهم طلبوا التخلص منه بوجوه الحيل فإن أعيتهم الحيل قالوا: هذا كان علينا لما كان لنا الملك والرياسة
فمن ذلك: أنهم إذا أقام أخوان في موضع واحد ومات أحدهما ولم يعقب ولدا فلا تخرج امرأة الميت إلى رجل أجنبي بل ولد حميها ينكحها وأول ولد ممن ينكحها ينسب إلى أخيه الدارج فإن أبى أن ينكحها خرجت مشتكية منه إلى مشيخة قومه تقول: قد أبى ابن حمي أن يستبقى اسما لأخيه في إسرائيل ولم يرد نكاحي فيحضره الحاكم هناك ويكلفه أن يقف ويقول: ما أردت نكاحها فتتناول المرأة نعله فتخرجها من رجله وتمسكها بيدها وتبصق في وجهه وتنادي عليه: كذا فليصنع بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه ويدعى فيما بعد: بالمخلوع النعل وينبز بنوه ببني مخلوع النعل
هذا كله مفترض عليهم فيما يزعمون في التوراة وفيه حكمة ملجئة للرجل إلى نكاح زوجة أخيه الدارج فإنه إذا علم أن ذلك يناله إن لم ينكحها آثر نكاحها عليه فإن كان مبغضا لها زهدا في نكاحها أو كانت هي زاهدة في نكاحه مبغضة له استخرج له الفقهاء حيلة يتخلص بها منها وتتخلص منه فيلزمونها الحضور عند الحاكم بمحضر من مشايخهم ويلقنونها أن تقول: أبى ابن حمى أن يقيم لأخيه اسما في إسرائيل لم يرد نكاحي فيلزمونها بالكذب عليه لأنه أراد نكاحها وكرهته وإذا لقنوها هذه الألفاظ قالتها فيأمرونه بالكذب وأن يقوم ويقول: ما أرت نكاحها ولعل ذلك سؤله وأمنيته فيأمرونه بأن يكذب ولم يكفهم أن كذبوا عليه وألزموه أن يكذب حتى سلطوها على الإخراق به والبصاق في وجهه ويسمون هذه المسألة البياما والجالوس
وقد تقدم من التنبيه على حيلهم في استباحتهم محارم الله تعالى بعض ما فيه كفاية
فالقوم بيت الحيل والمكر والخبث
وقد كانوا يتنوعون في عهد رسول اللهبأنواع الحيل والكيد والمكر عليه وعلى أصحابه ويرد الله سبحانه وتعالى ذلك كله عليهم
فتحيلوا عليه وأرادوا قتله مرارا والله تعالى ينجيه من كيدهم
فتحيلوا عليه وصعدوا فوق سطح وأخذوا رحا أرادوا طرحها عليه وهو جالس في ظلحائط فأتاه الوحي فقام منصرفا وأخذ في حربهم وإجلائهم
ومكروا به وظاهروا عليه أعدائه من المشركين فظفره الله تعالى بهم
ومكروا به وأخذوا في جمع العدو له فظفره الله تعالى برئيسهم فقتله
ومكروا به وأرادوا قتله بالسم فأعلمه الله تعالى به ونجاه منه
ومكروا به فسحروه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله فشفاه الله تعالى وخلصه
ومكروا به في قولهم: آمنوا به وجه النهار واكفروا آخره يريدون بذلك تشكيك المسلمين في نبوته فإنهم إذا اسلموا اول النهار إطمأن المسلمون إليهم وقالوا: قد اتبعوا الحق وظهرت لهم أدلته فيكفرون آخر النهار ويجحدون نبوته ويقولون: لم نقصد إلا الحق واتباعه فلما تبين لنا أنه ليس به رجعنا عن الإيمان به
وهذا من أعظم خبثهم ومكرهم
ولم يزالوا موضعين مجتهدين في المكر والخبث إلى أن أخزاهم الله بيد رسوله وأتباعهورضي عنهم أعظم الخزي ومزقهم كل ممزق وشتت شملهم كل مشتت
وكانوا يعاهدونهويصالحونه فإذا خرج لحرب عدوه نقضوا عهده
ولما سلب الله تعالى هذه الأمة ملكها وعزها وأذلها وقطعهم في الأرض انتقلوا من التدبير بالقدرة والسلطان إلى التدبير بالمكر والدهاء والخيانة والخداع وكذلك كل عاجز جبان سلطانه في مكره وخداعه وبهته وكذبه ولذلك كان النساء بيت المكر والخداع والكذب والخيانة كما قال الله تعالى عن شاهد يوسف عليه السلام أنه قال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة أنهم يمثلون أنفسهم بعناقيد الكرم وسائر الأمم بالشوك المحيط بأعالي حيطان الكرم
وهذا من غاية جهلهم وسفههم فإن المعتنين بمصالح الكرم إنما يجعلون على أعالي حيطانه الشوك حفظا له وحياطة وصيانة ولسنا نرى لليهود من سائر الأمم إلا الضرر والذل والصغار كما يفعل الناس بالشوك ومن تلاعبه بهم أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم وأن هذا المنتظر يزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به
وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال فهم أكثر أتباعه وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام يقتلهم ولا يبقي منهم أحدا
والأمم الثلاث تنتظر منتظرا يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل اعدائه من اليهود وعباده من النصارى وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية أنهم في العشر الأول من الشهر الأول من كل سنة يقولون في صلاتهم: لم تقول الأمم: أين إلههم انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك
وهؤلاء إنما أقدموا على هذه الكفريات من شدة ضجرهم من الذل والعبودية وانتظار فرج لا يزداد منهم إلا بعدا فأوقعهم ذلك في الكفر والتزندق الذي لا يستحسنه إلا أمثالهم وتجرؤا على الله سبحانه وتعالى بهذه المناجاة القبيحة كأنهم ينخونه بذلك لينتخي لهم ويحمي لنفسه فكأنهم يخبرونه سبحانه وتعالى بأنه قد اختار الخمول لنفسه ولأحبابه ولأبناء أنبيائه فينخونه للنباهة واشتهار الصيت
فترى أحدهم إذا تلا هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ولا يشك أن هذه المناجاة تقع عند الله تعالى بموقع عظيم وأنها تؤثر فيه وتحركه وتهره وتنخيه ومن ذلك: أنهم ينسبون إلى الله سبحانه وتعالى الندم على الفعل فمن ذلك: قولهم في التوراة التي بأيديهم: وندم الله سبحانه وتعالى على خلق البشر الذين في الأرض وشق عليه وعاد في رأيه
وذلك عندهم في قصة قوم نوح
وزعموا أن الله سبحانه وتعالى وتقدس لما رأى فساد قوم نوح وأن شركهم وكفرهم قد عظم ندم على خلق البشر
وكثير منهم يقول: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة وأنه عض على أنامله حتى جرى الدم منها
وقالوا أيضا: إن الله تعالى ندم على تمليكه شاؤول على بني إسرائيل وأنه قال ذلك لشمويل
وعندهم أيضا: أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة بدأ ببناء مذبح لله تعالى وقرب عليه قرابين وأن الله تعالى استنشق رائحة القتار فقال الله تعالى في ذاته: لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس لأن خاطر البشر مطبوع على الرداءة ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)