وقيل إنه مات ولم يقتل، فلما مات احتز رأسه.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد المكنى أبا بكر.
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائتين

ذكر الخبر عن الكائن فيها من الأمور

فمن ذلك ما كان من انتشار القرامطة بسواد الكوفة، فوجه إليهم شبل غلام أحمد بن محمد الطائي، وتقدم إليه في طلبهم، وأخذ من ظفر به منهم وحملهم إلى باب السلطان.
وظفر برئيس لهم يعرف بابن أبي فوارس، فوجه به معهم، فدعا به المعتضد لثمان بقين من المحرم، فساءله، ثم أمر به فقلعت أضراسه، ثم خلع بمد إحدى يديه - فيما ذكر - ببكرة، وعلق في الأخرى صخرة، وترك على حالة تلك من نصف النهار إلى المغرب، ثم قطعت يداه ورجلاه من غد ذلك اليوم، وضربت عنقه، وصلب بالجانب الشرقي، ثم حملت جثته بعد أيام إلى الياسرية، فصلب مع من صلب هنالك من القرامطة.
ولليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، أخرج من كانت له دار وحانوت بباب الشماسية عن داره وحانوته، وقيل لهم: خذوا أقفاصكم واخرجوا؛ وذلك أن المعتضد كان قد قدر أن يبني لنفسه دارًا يسكنها، فخط موضع السور، وحفر بعضه، وابتدأ في بناء دكة على دجلة، كان المعتضد أمر ببنائها لينتقل فيقيم فيها إلى أن يفرغ من بناء الدار والقصر.
وفي ربيع الآخر منها ليلة الأمير توفي المعتضد، فلما كان في صبيحتها أحضر دار السلطان يوسف بن يعقوب وأبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز وأبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب، وحضر الصلاة عليه الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان، وأبو خازم وأبو عمر والحرم والخاصة، وكان أوصى أن يدفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، فحفر له فيها، فحمل من قصره المعروف بالحسنى ليلًا، فدفن في قبره هنالك.
ولسبع بقين من شهر ربيع الآخر من هذه السنة - وهي سنة تسع وثمانين ومائتين - جلس القاسم بن عبيد الله بن سليمان في دار السلطان في الحسنى، وأذن للناس، فعزوه بالمعتضد، وهنئوه بما جدد له من أمر المكتفي، وتقدم إلى الكتاب والقواد في تجديد البيعة للمكتفي بالله، فقبلوا.
خلافة المكتفي بالله

ولما توفي المعتضد القاسم بن عبيد الله بالخبر إلى المكتفي كتبًا، وأنفذها من ساعته؛ وكان المكتفي مقيمًا بالرقة، فلما وصل الخبر إليه أمر الحسين بن عمرو النصراني كاتبه يومئذ بأخذ البيعة على من في عسكره، ووضع العطاء لهم، ففعل ذلك الحسين، ثم خرج شاخصًا من الرقة إلى بغداد، ووجه إلى النواحي بديار ربيعة وديار مضر ونواحي المغرب من يضبطها.
وفي يوم الثلاثاء لثمان خلون من جمادى الأولى دخل المكتفى إلى داره بالحسني؛ فلما صار إلى منزله، أمر بهدم المطامير التي كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم.
وفي هذا اليوم كنى المكتفى بلسانه القاسم بن عبيد الله وخلع عليه.
وفي هذا اليوم مات عمرو بن الليث الصفار، ودفن في غد هذا اليوم بالقرب بالقرب من القصر الحسني، وقد كان المعتضد - فيما ذكر - عند موته بعد ما امتنع من الكلام أمر صافيًا الحرمي بقتل عمرو بالإيماء والإشارة، ووضع يده على رقبته وعلى عينه، أراد ذبح الأعور فلم يفعل ذلك صافي لعلمه بحال المعتضد وقرب وفاته، وكره قتل عمرو، فلما دخل المكتفى بغداد سأل - فيما قيل - القاسم بن عبيد الله عن عمرو: أحي هو؟ قال: نعم، فسر بحياته.
وذكر أنه يريد أن يحسن إليه، وكان عمرو يهدى إلى المكتفى ويبره برًا كثيرًا أيام مقامه بالرى فأراد مكافأته، فذكروا أن القاسم بن عبيد الله كره ذلك، ودس إلى عمرو من قتله.
وفي رجب منها ورد الخبر لأربع بقين منه أن جماعة من أهل الرى كاتبوا محمد بن هارون الذي كان إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان استعمله على طبرستان بعد قتله محمد بن زيد العلوي، فخلع محمد بن هارون وبيض، فسألوه المصير إلى الرى ليدخلوه إليها؛ وذلك أن أوكر تمش التركي المولي عليهم كان - فيما ذكر - قد أساء السيرة فيهم، فحاربه، فهزمه محمد بن هارون وقتله، وقتل ابنين له وقائدًا من قواد السلطان يقال له أبرون أخو كيغلغ، ودخل محمد بن هارون الرى واستولى عليها.
وفي رجب من هذه السنة زلزلت بغداد، ودامت الزلزلة فيها أيامًا وليالي كثيرة.
ذكر الخبر عن مقتل بدر غلام المعتضد

وفي هذه السنة كان مقتل بدر غلام المعتضد.
ذكر سبب قتله
ذكر أن سبب ذلك كان أن القاسم بن عبيد الله كان هم بتصيير الخلافة من بعد المعتضد في غير ولد المعتضد، وأنه كان ناظر بدرًا في ذلك، فامتنع بدر عليه وقال: ما كنت لأصرفها عن ولد مولاي الذي هو ولي نعمتي فلما رأى القاسم ذلك وعلم أنه لا سبيل إلى مخالفة بدر؛ إذ كان بدر صاحب جيش المعتضد، والمستولي على أمره، والمطاع في خدمه وغلمانه، اضطغنها على بدر.
وحدث بالمعتضد حدث الموت وبدر بفارس، فعقد القاسم للمكتفى عقد الخلافة، وبايع له وهو بالرقة، لما كان بين المكتفى وبين بدر من التباعد في حياة والده.
وكتب القاسم إلى المكتفى لما بايع غلمان أبيه له بالخلافة، وأخذ عليهم البيعة بما فعل من ذلك، فقدم بغداد المكتفى وبدر بعد بفارس، فلما قدمها القاسم في هلاك بدر؛ حذرًا على نفسه - فيما ذكر - من بدر أن يقدم على المكتفى، فيطلعه على ما كان القاسم هم به، وعزم عليه في حياة المعتضد من صرف الخلافة عن ولد المعتضد إذا مات.
فوجه المكتفى - فيما ذكر - محمد بن كمشجور وجماعة من القواد برسائل، وكتب إلى القواد الذين مع بدر يأمرهم بالمصير إلى ما قبله ومفارقة بدر وتركه، فأوصلت الكتب إلى القواد في شر، ووجه إليه يانس خادم الموفق، ومعه عشرة آلاف ألف درهم ليصرفها في عطاء أصحابه لبيعة المكتفى، فخرج بها يانس.
فذكر أنه لما صار بالأهواز، وجه إليه بدر من قبض المال منه فرجع يانس إلى مدينة السلام؛ فلما وصلت كتب المكتفى إلى القواد المضمومين إلى بدر، فارق بدرًا جماعة منهم، وانصرفوا عنه إلى مدينة السلام؛ منهم العباس بن عمرو الغنوي وخاقان المفلحي ومحمد بن إسحاق بن كنداج وخفيف الأذكوتكيني وجماعة غيرهم.
فلما صاروا إلى مدينة السلام دخلوا على المكتفى، فخلع - فيما ذكر - على نيف وثلاثين رجلًا منهم، وأجاز جماعة من رؤسائهم؛ كل رجل منهم بمائة ألف درهم، وأجاز آخرين بدون ذلك، وخلع على بعضهم، ولم يجزه بشيء.
وانصرف بدر في رجب؛ عامدًا المصير إلى واسط.
واتصل بالمكتفى إقبال بدر إلى واسط، فوكل بدار بدر، وقبض على جماعة من غلمانه وقواده؛ فحبسوا، منهم نحرير الكبير، وعريب الجبلي، ومنصور، ابن أخت عيسى النوشري.
وأدخل المكتفي على نفسه القواد، وقال لهم: لست أؤمر عليكم أحدًا، ومن كانت له منكم حاجة فليلق الوزير، فقد تقدمت إليه بقضاء حوائجكم.
وأمر بمحو اسم بدر من التراس والاعلام، وكان عليها مولى المعتضد بالله، وكتب بدر إلى المكتفى كتابًا دفعه إلى زيدان السعيدي، وحمله على الجمازات.
فلما وصل الكتاب إلى المكتفى أخذه، ووكل بزيدان هذا، وأشخص الحسن بن علي كوره في جيش إلى ناحية واسط.
وذكر أنه قدمه المكتفى على مقدمته.
ثم أحدر محمد بن يوسف مع المغرب لليلة بقيت من شعبان من هذه السنة برسالة إلى بدر، وكان المكتفى أرسل إلى بدر حين فصل من عمل فارس يعرض عليه ولاية أي النواحي شاء؛ إن شاء أصبهان وإن شاء الرى، وإن شاء الجبال، ويأمره بالمصير إلى حيث أحب من هذه النواحي مع من أحب من الفرسان والرجالة، يقيم بها واليًا عليها.
فأبى ذلك بدر، وقال: لا بد لي من المصير إلى باب مولاي.