









ويعدون من البديع المبالغة، والغلو.
والمبالغة: تأكيد معاني القول، وذلك كقول الشاعر:
ونكرم جارنا ما كان فينا * ونتبعه الكرامة حيث مالا
ومن ذلك قول الآخر:
وهم تركوك أسلحَ من حُبارى * رأت صقرا وأشردَ من نعامِ
فقوله: "رأت صقرا " مبالغة.
ومن الغلو قول أبي نواس:
توهمتها في كأسها فكأنما * توهمت شيئا ليس يدركه العقل
فما يرتقى التكييف فيها إلى مدى * يحد به إلا ومن قبله قبل
وقول زهير:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
وكقول النابغة:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا [70]
وكقول الخنساء:
وما بلغت كف امرئ متناول * بها المجد إلا حيثما نلت أطول
وما بلغ المهدون في القول مدحة * وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل
وقول الآخر:
له همم لا منتهى لكبارها * وهمته الصغرى أجل من الدهر
له راحة لو أن معشار جودها * على البَرِّ صار البر أندى من البحر
ويرون من البديع الإيغال في الشعر خاصة، فلا يطلب مثله في القرآن إلا في الفواصل، كقول امرئ القيس:
كأن عيون الوحش حول خبائنا * وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب [71]
فقد أوغل بالقافية في الوصف وأكد التشبيه بها، والمعنى قد يستقل دونها.
ومن البديع عندهم التوشيح. وهو أن يشهد أول البيت بقافيته وأول الكلام بآخره، كقول البحتري:
فليس الذي حللته بمحلل * وليس الذي حرمته بحرام [72]
ومثله في القرآن: { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم }.
ومن ذلك رد عجز الكلام على صدره.
كقول الله عز وجل: { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }
وكقوله: { لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى }. [73]
ومن هذا الباب قول القائل:
وإن لم يكن إلا تعلل ساعة * قليلا فإني نافع لي قليلها
وكقول جرير:
سقى الرمل جون مستهل غمامه * وما ذاك إلا حب من حل بالرمل
وكقول الآخر:
يود الفتى طول السلامة والغنى * فكيف يرى طول السلامة يفعل
وكقول أبي صخر الهذلي:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
وكقول الآخر:
أصد بأيدي العِيس عن قصد أرضها * وقلبي إليها بالمودة قاصد
وكقول عمرو بن معدي كرب:
إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع
ومن البديع صحة التقسيم، ومن ذلك قول نُصَيب:
فقال فريق القوم: لا وفريقهم: * نعم، وفريق قال: ويحك ما ندري
وليس في أقسام الجواب أكثر من هذا.
وكقول الآخر:
فكأنها فيه نهار ساطع * وكأنه ليل عليها مظلم
وقول المقنع الكندي:
وإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم * وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم * وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي * زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا
وكقول عروة بن حزام:
بمن لو أراه عانيا لفديته * ومن لو رآني عانيا لفداني
ونحوه قول الله عز وجل: { الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات }.
ونحوه: صحة التفسير، [ وهو أن توضع معان تحتاج إلى شرح أحولها، فإذا شرحت أثبتت تلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة ولا نقصان ]. كقول القائل:
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم * ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
ومن البديع: التكميل والتتميم. [ وهو أن يأتي بالمعنى الذي بدأ به بجميع المعاني المصححة المتممة لصحته المكملة لجودته، من غير أن يخل ببعضها، ولا أن يغادر شيئا منها. كقول القائل: وما عسيت أن أشكرك عليه من مواعيد لم تشن بمطل، ومرافد لم تشب بمن، وبشر لم يمازجه ملق، ولم يخالطه مذق ].
وكقول نافع بن خليفة:
رجال إذا لم يقبلوا الحق منهم * ويُعطَوه عادوا بالسيوف القواطع
وإنما تم جودة المعنى بقوله: "ويعطوه".
وذلك كقول الله عز وجل: { إن الله عنده علم الساعة } إلى آخر الآية. ثم قال: { إن الله عليم خبير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)