ومن البديع: الترصيع. وذلك على ألوان.
منها قول امرئ القيس:
مِخَشٍّ مِجَشٍّ مقبل مدبر معا * كتيسِ ظباء الحلَّب العَدَوان
ومن ذلك كثير من مقدمات أبي نواس:
يا مِنَّةً أمتَنَّها السُّكرُ * ما ينقضي منى لها الشكرُ
وكقوله، وقد ذكرناه قبل هذا:
ديارُ نوارٍ ما ديار نوار * كسونك شجوًا هن منه عَوار





ومن ذلك: الترصيع مع التجنيس، كقول ابن المعتز:
ألم تجزع على الربع المحيل * وأطلال وآثار محول
ونظيره من القرآن كقوله: { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون }.
وقوله: { ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لاجرا غير ممنون }.
وكقوله: { وإنه على ذلك لشهيد، وإنه لحب الخير لشديد }.
وكقوله: { والطور. وكتاب مسطور }.
وقوله: { والسابحات سبحا. فالسابقات سبقا }.
وقد أولع الشعراء بنحو هذا، فأكثروا فيه. ومنهم من اقتنع بالترصيع في بعض أطراف الكلام. ومنهم من بنى كلامه [ كله ] عليه، كقول ابن الرومي:
أبدانهن وما لبسـ * ن من الحرير معا حرير
أرادنهن وما مسسـ * ن من العبير معا عبير
وكقوله:
فلراهب أن لا يريث مكانه * ولراغب أن لا يريث نجاحه
ومما يقارب الترصيع ضرب يسمى: المضارعة، وذلك كقول الخنساء:
حامي الحقيقة محمود الخليفة مهـ * دي الطريقة نفاع وضرار [74]
جوابُ قاصيةٍ جزّازُ ناصية * عقّادُ ألوية للخيل جرّارُ [75]





ومن البديع باب التكافؤ. وذلك قريب من المطابقة، كقول المنصور: لا تخرجوا من عز الطاعة إلى ذل المعصية. وقول عمر بن ذر: إنا لم نجد لك إذ عصيت الله فينا خيرا من أن نطيع الله فيك. [76]
ومنه قول بشار:
إذا أيقظتك حروب العِدا * فنبه لها عُمرا ثم نَمْ
[ ومنه قول أعرابي يذم قومه: ألسن عامرة من الوعد، وقلوب خربة من العزم. وقال آخر: وساع في الهوى، وطرب في الحاجة ].
ومن البديع باب التعطف، كقول امرئ القيس: * عَودٌ على عَودٍ على عودٍ خَلَقْ * [77] وقد تقدم مثاله.





ومن البديع: السلب والايجاب، كقول القائل:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم * ولا ينكرون القول حين نقول





ومن البديع الكناية والتعريض. كقول القائل:
وأحمر كالديباج أما سماؤه * فريّا، وأما أرضه فمحولُ [78]
ومن هذا الباب لحن القول.





ومن ذلك: العكس والتبديل، كقول الحسن: "إن من خوّفك لتأمن خير ممن أمنك لتخاف". وكقوله: "اللهم أغنني بالفقر إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك". وكقوله: "بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا".
وكقول القائل:
وإذا الدر زان حسن وجوه * كان للدر حسن وجهك زينا
وقد يدخل في هذا الباب قوله تعالى: { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل }.





ومن البديع: الالتفات، فمن ذلك ما كتب إليّ الحسن بن عبد الله العسكري، أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، [ قال ]: حدثني يحيى بن على المنجم، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم، قال: قال لي الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: لا، فما هي؟ قال:
أتنسى إذ تودعنا سُليمى * بفرع بَشامة؟ سُقِيَ البَشام [79]
ومثل ذلك لجرير:
متى كان الخيام بذى طُلُوح * - سُقيتِ الغيث - أيتها الخيامُ؟
ومعنى الالتفاتات أنه اعترض في الكلام [80] قوله: "سقيت الغيث"، ولو لم يعترض لم يكن ذلك التفاتا وكان الكلام منتظما، وكان يقول: "متى كان الخيام بذى طلوح أيتها الخيام". فمتى خرج عن الكلام الأول ثم رجع إليه على وجه يلطف كان ذلك التفاتا.
ومثله قول النابعة الجعدي:
ألا زعمت بنو سعد بأني * - ألا كذبوا - كبيرُ السن فاني
ومنه قول كُثَيِّر:
لو أن الباذلين، وأنتِ منهم، * رأوكِ، تعلموا منكِ المِطالا
ومثله قول أبي تمام:
وأنجدتم من بعد إتهام داركم * فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
وكقول جرير:
طرب الحمام بذي الأراك فشاقني * لا زلت في غلل وأيك ناضر
التفت إلى الحمام فدعا لها.
ومثله قول حسان:
إن التي ناولتني فرددتها * قُتِلَتْ قُتِلْتَ فهاتِها لم تُقتَلِ [81]
ومثله قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
وأجمِل إذا ما كنت لا بد مانعا * وقد يمنع الشئ الفتى وهو مجمل
وكقول ابن ميّادة: