يليها صينية بقجة الحمام و معها طاسة الحمام و اللكن لوضع البيلون فيه .

قماش بقجة الحمام و هي من الجوخ المطرز بخيوط الذهب فيما يسمى فن الصرمة


اللكن النحاسي المزخرف و هو مخصص لنقع البيلون في حمام السوق

يليها صينية عليها القبقاب الشبراوي المطعم بعرق اللولو الذي يرتفع او ينخفض تبعا لطول العروس .

القبقاب الشبراوي المطعم بالصدف

يليها القياس ( يلفظه الحلبيون بكسر الالف قييس ) و هو عبارة عن فرش رقيقة من الدمقس الاحمر معلق عليها لوحات من الفضة الخالصة ( اتفق عليها كجزء من المهر ) توضع على دكة خشبية عالية في غرفة العروس و لا تستعمل الا للعرض .

يليها قطع الاثاث كالمرايا الحجرية الكبيرة البلجيكية المزينة بالريبان و عليها لصقتها لاثبات انها جديدة غير مستعملة و تبقى اللصاقة عليها طوال العمر .

خلفهم اربعة حمالين يحملون خزانة الملابس الخشبية التي يسميها الحلبيون ( السكرتون و اصل الكلمة السكردان من الفارسية ).

تسير ورائهم الدواب مزينة بالخرز والودع والريش و الاجراس، ورؤسها معصّبة بالمناديل الملونة .

الدابة الاولى محملة بالصندوق المصدف المصنوع من خشب السرو ذو الرائحة ، و الدابة الثانية عليها السجاد و الثالثة عليها الفرش الصوف و المخدات و الحرامات و الشراشف .

الصندوق الخشبي المطعم بالصدف يوضع في غرفة العروس و يستعمل لحفظ الملابس


الموكب يسير والدنيا ( قايمة وقاعدة ) والمتفرجين على جانبي الطريق والنساء تتفرجن من شبابيك المنازل المواربة .

يصل الجهاز لغرفة العروس في بيت العريس لتستقبلها نساء الطرفين حيث تُستعرض امام نساء الطرفين مكونات الجهاز من الملابس و تزغرد النساء عند عرض كل قطعة منه اثباتا من اهل العروس انهم انفقوا المهر الذي قبضوه من والد العريس على تجهيز ابنتهم و لم يقصروا بذلك و تعتبر جميع هذه الممتلكات التي تسمى اشياء جهازية ، ملكاً خالصاً للزوجة طوال فترة الزواج .

و ينتهي مد الجهيز بوليمة غذاء تقيمها ام العريس .

يتوجب على العريس تقديم بدلة الزفاف وحذاء العروس و تقال كلمة تورية طريفة بهذه المناسبة ( القندرة على العريس ).

ليلة الحنة

تدعى النساء الى ليلة الحنة تغني فيها الخوجة و هو لقب مطربة ذلك الزمان ، ثم تدخل صواني الحنة على اطرافها بالشموع ، و حاملوا الصواني يرقصون بها لتتمايل معهم اضواء الشموع و تضع العروس الحنة على يديها و قدميها بنقوش خاصة تقوم بها " النقاشة " ثم تلف بقطعة قماش لليوم الثاني حتى تجف الحنة .

ليلة التعليلة

أما الرجال فيقيمون حفلة تجريبية لحفلة العرس تسمى التعليلة يغني فيها المطربون الحلبيون و يرقص فيها الحضور و يسهرون الى جانب نوافير أرض الحوش العربي و لكن لا يرتدي فيها العريس ملابس الزفاف الرسمية .

يوم وليلة العرس بالنسبة للعروس

تختلي ام العروس يوم العرس مع ابنتها لتحكي لها عن اسرار ليلة الدخلة ، ثم تذهب النساء الى حمام السوق لتغسل (قيمة الحمام ) العروس سبع مرات و تضع على شعر رأسها "بيلون الورد " و هو بيلون خاص ذو رائحة عطرية .

بيلون الورد ذو الرائحة العطرية المميزة

و ينظف جسد العروس بعدما يكسى بالكامل بالاعشاب و المستحضرات طيبة الرائحة .

تعود العروس لبيت أهلها لتقوم سيدة مختصة " الماشطة " بتصفيف شعرها و تضميخه بالعطور و تزين وجهها بالكحلة و الحمرة و البودرة و تلبسها مصاغها الذهبي و هي تقول لها عبارات مديح مثل :

(قربان هالوچ، يما يسلم لي هالجبين، يخزي العين عن عيونك، وما شا الله وميت ما شاء الله على حسنك وجمالك، وألله هوّه يحرسك ويحميكي والسعد يخدمك، إيه يا رب يا محبب القلوب ).

لوحة عالمية لسيدة حلبية في حمام السوق


إما ان تكون حفلة عرس النساء في صالة خاصة تسمى القهوة و اشهرها كانت قهوة البرتقال يلفظها (الحلبيون قهوة البرتقان ) لاصحابها من ال بليط او تكون الحفلة في بيت العريس .

تحضر قريبات العريس لمنزل العروس نهاراً بالحناتير ليصحبنها الى منزل العريس ( ان كانت حفلة العرس في منزله )، تصاحبهن الزغاريد، و يجب ان تتم العادة التي تسمى " النشلة " و هي ان تختطف احدى قريبات العريس شيء ثمين ( عادة تكون مزهرية او ما يسميه الحلبيون صمدية )من منزل العروس بدون ان يشعروا او بتغاض منهم لتوضع في بيت العريس بعد عرضها على مرافقاتهن و اعتقد ان هذه العادة لاظهار مدى قيمة الاشياء الموجودة في بيت اهل العروس.

عندما تصل العروس لمدخل بيت عريسها تلزق قطعة عجين على الجدار تسمى ( خميرة النعمة ) في اشارة لالتصاقها الابدي ببيت زوجها و لاحضار الخير و البركة معها .

تجلس العروس في غرفة علوية في منزل العريس على كرسي عال لابسة قبقابها العالي ( الشبراوي ) ، تحيط بها النساء من أهلها ( تسمى الغرفة مربع العروس ) و تسمى جلستها هذه " الصمدة " ، تبدل العروس عدة اثواب سهرة من جهازها لعدة مرات لاستعراض جهازها و في الآخر ترتدي ثوب الزفاف الحريري المطرز بخيوط الذهب ، و تضع العروس حجاباً من الشاش الزهري ، و لا يكون ثوبها ابيض عادة ،على خلاف العادات الحالية ( غالبا ما يكون زهريا )، و لا تشارك العروس في الرقص ، و تطرق رأسها بخجل.

ثوب زفاف زهري اثري مطرز بخيوط الذهب

يوم و ليلة العرس بالنسبة للعريس

يحضر الحلاق الى منزل يختاره اهل العريس و يكون عائدا لقريب لهم ليحلق شعر العريس و يبرم له شواربه و يضع له عرق تمر حنة في لفة رأسه و يلبسه ملابس العرس و يربط له الزنار حول ( الرد ) و هو اللباس الرسمي .

العريس الحلبي مرتديا " الرد" و حول خصره الزنار الحريري

خلال هذه الفترة تغنى أغاني التلبيسة و يطرب و يرقص الحضور ،و لا يجوز لاقرباء العروس حضور هذا الاحتفال .

مسيرة "باسم الله "

يقوم العريس بتقبيل يد أبيه و اعمامه و كبار الحضور و يصافح أصدقائه ثم يبدأ المسير باتجاه بيته الذي تتواجد فيه عروسه و تسمى هذه المسيرة مسيرة " باسم الله " .

و يقوم صديقه المقرب و غالبا ما يكون ابن عمه ( يسميه الحلبيون سخدوج و هو كالاشبين ) بالسير الى جانبه و خلفه شابين مشهرين سيوفهم كحرس له ، و خلفهم ابيه يقرأ اية الكرسي و ينفخ على ابنه طلبا لحمايته من العين ، و حوله اعمامه و اخواله و بقية أصدقائه و يقوم أصدقائه بوخزه بالدبابيس من الخلف .

امام العريس يصطف على صفين بشكل زوجي الشبان يمشون بهدوء على طرفي الطريق يتقدمهم حملة الفوانيس و المشاعل .

ذكر لي القاضي سعد زغلول الكواكبي انه شارك في مسيرة " باسم الله " عام 1938 في عرس المرحوم بكري عارف قباني و شهد الرجل مختص الذي يُطلق عليه لقب "البيشاروش " و يعتبر قائد الموكب يبدأ بالنداء على الشبان على الصفين :و لك يالله سوا جوز جوز وديه .. ، فيجيبه الجميع : صلوا على محمد الزين الزين مكحول العين و اللي يعادينا الله عليه .

و هذا التفسير جديد للاهزوجة التي حار البحاثة في تفسير معناها و ما زال الحلبيون يطلقونها في احتفالاتهم و التي تحرفت و صارت : يالله سوا و دوز دوز و جيه و التي فسرها البعض بأنها كلمات سريانية الاصل .

و عندما يتباطأ الموكب يصيح البشاروش قائلا : باسم الله يا شباب باسم الله .

خلفه يسير منشد ذو صوت شجي قائلا مواويل مختلفة منها :

يا اهل السخا تكرمون الضيف بارضكن وتعاملونا بطيب العيش برضاكن

و يجب ان يبقى العريس ساكتا لا يشارك في هذه الاناشيد .

عندما يصل موكب العريس لأمام قهوة الحارة يقوم القهواتي و بيده دلة القهوة المرة و الفناجين بصب القهوة لابو العريس ثم يكسر الفنجان في اشارة لكسر الشر ثم يقدم القهوة للبقية و يأخذ بخشيشا لقاء ذلك .

أما الحارس الليلي للحارة الذي كان الحلبيون يسمونه ( البكجي ) فيضرب الارض بعصاه و يصرخ : دوس إن الله حق.

عند الاقتراب من البيت تختلط اناشيد الشباب "بزلاغيط " النساء المستقبلات.

يصل العريس مع رفاقه الى مدخل بيته تعلوه مظلة من السيوف المتقاطعة ليمر تحتها داخلا داره ، لتستقبله قريباته " بالزلاغيط " و لا يجوز لقريبات العروس اطلاق" الزلاغيط" ، و تبدأ قريباته باطلاق الهنهونات التي تبدأها الخوجة قائلة مثلا :

يا نجمة الصبح فوق الدار علّيتي
شميتي ريحة الحبايب وجيتي وضوّيتي
ندراً عليّ إذا راحوا على بيتي
لاشعل لهم شحم قلبي إذا خلص زيتي


لتتعالى بعدها "الزلاغيط "

يعلن البيشاروش على الملأ ان صبحية العريس غدا في حمام السوق الفلاني .

ثم يدخل العريس المنزل الى جانبه السخدوج فقط مع والده ، و تقوم النساء المدعوات طلبا للحشمة بتغطية انفسهن بأردية خاصة .

تقود النساء العريس باتجاه الدرج المؤدي إلى غرفة العروس الجالسة في المربع ، و تظهر العروس أعلى الدرج مغطاة وجهها بالشاش الزهري و حتى هذه المرحلة لا تكون العروس قد رأت عريسها .

تتظاهر قريباتها - في تمثيلية طريفة - بإعاقة نزولها، و تسليمها لعريسها ، و تلح قريبات العريس على وجوب نزولها ، و رفضهن الصعود ،يبدو ان أهزوجة ( ما بنزل .. ما بنزل .. إلا بحلق الماس ) كانت تمثل هذه العادة .

أحيانا و في حال أبدت العروس رغبة كبيرة في تدليل عريسها ترتدي قفازين اثنين في يديها و تكون الشموع معلقة و مضاءة على أصابعها العشرة في اشارة الى انها ستوقد أصابيعها العشرة إكراما له .

يصل الطرفان لحل وسطي ، بأن يصعد العريس درجة و تنزل العروس درجة ، حتى يلتقيان في منتصف الدرج ،و تقترب ام العريس لتكسر قرص من السكر يسمى " قرص شراب " فوقهما ، و يقوم والد العريس بجمع و شبك ايديهما ،و يرفع العريس الغطاء عن وجه عروسه و هي المرة الاولى التي يراها بها ، ثم يأخذها العريس إلى مخدع الزوجية و يمشي امامه صبي وسيم تفاؤلا بأن يكون اولادهم مثله .

ليلة الدخلة

في مخدع الزوجية يجب ان تكون هناك طاولة طعام عليها اللحوم و الفواكه لعشاء العروسين و يجب تواجد المكسرات التي يسميها الحلبيون ( آلة الخزانة ) لتسليتهما .

من العبارات المتبادلة المعروفة فيما بينهما ان يقف العريس امام المرآة الحجرية التي جلبتها العروس و يسألها :

بكم اشتريت المرآة ؟ ..لتنظر هي الى صورته المنعكسة على المرآة و تجيبه : اشتريتها بروحي ..

او تسأله العروس عند تناول الطعام : عندك راحة ( تقصد حلوى الراحة بالفستق ) ، فيجيبها : راحة العمر .

تبقى النساء بانتظار خروج العريس ، ليعطي ام العروس الواقفة عند الباب منديلا مصبوغا بالدم لتفتحه امام الناس و ترقص ملوحة به ، و حينها تبدأ قريبات العروس باطلاق " الزلاغيط ".

الصباحية

في الصباح التالي يحضر اصدقاء العريس باكرا لاصطحابه في دعوة على نفقتهم الى حمام السوق و يبقون فيه من الصباح حتى المساء معدين وليمة غذاء فاخرة على نفقة اصدقائه و الهدف من الموضوع ابعاد العريس عن العروس لترتاح قليلا .

اما النساء من اهل العروس فيحضرن اليها و يفطرن في منزل العريس المامونية و الشعيبيات و ترتدي العروس ثوبا خاصا لهذه المناسبة اسمه " الصباحلك " و تبقى النساء يغنين و يرقصن الى ما بعد تناولهن طعام الغداء .

هذه هي الطقوس الحرفية للزواج الحلبي ، تحريت الدقة في جمعها و نقلها ممن عايشوا تلك الفترة، متمنيا من القراء الكرام اغناء الموضوع بتصويباتهم و ما لديهم من تفاصيل تراثية لم ترد في المقال.

المقال القادم سيكون حول طقوس الزواج التي كانت لدى الاخوة المسيحيين في حلب و التي تختلف قليلا عن هذه الطقوس .

الصور : من ارشيفي الخاص و مجموعتي و عدة مجموعات منزلية من الانتيكا الاثرية

المصادر :

- كتابي " تاريخ حلب المصور " يصدر الشهر القادم عن دار شعاع بحلب .
- معلومات مستقاة من مجموعة من الشهود العيان من شيوخ حلب اطال الله في اعمارهم .
- موسوعة حلب المقارنة للاسدي .
- تاريخ حلب الطبيعي للاخوين راسل .



المحامي علاء السيد - عكس السير