السنة الميلادية. كما يمكن إدراج عادة «الكرنفال» في هذا الإطار، حيث يتم التنكر في ملابس ووضع أصباغ على الوجه. فهل هي مجرد وسيلة للترفيه، أم هي وسيلة لملأ الفراغ عن طريق التهريج؟ في تصوري هذه العادة لها خلفيات أبعد من الأهداف المذكورة فهي نوع من كسر للقيم وللحواجز، والخروج عما هو عادي والنمط السليم والمستقيم وفرصة للتنفيس وإطلاق المكبوتات. فباسم الحرية تفعل ما تريد ويمكنك أن تتمرد في اللباس وفي الحركات. والأدهى أن المعلمين والمدير ـ وهم القدوة ـ يكونون هم أيضًا متنكرين ويشجعون الأطفال على ذلك. فإذا كان هذا الأمر يتماشى مع تصوراتهم وتفكيرهم وقيمهم المسيحية، فإنه في رأيي لا يتماشى مع قيمنا الإسلامية. المدرسة هي إحدى مؤسسات المجتمع وصورة له، والمجتمع الأوروبي لا يقبل الآخر بسهولة، خصوصًا إذا كان مسلمًا مطبقًا لدينه، في ظل أجواء التخويف من الإسلام الذي تعمل جهات عديدة إعلامية وأكاديمية وسياسية على تشويه صورته وصورة المنتسبين إليه، وتكفي الإشارة إلى موضوع الحجاب، الذي تحصل باستمرار ضجات حوله. وبالتالي، كثيرًا ما تكون عادات المسلمين وشعائرهم التعبدية محل استهزاء داخل المدرسة الرسمية نفسها، سواء من أقران الدراسة أو من المدرسين، خصوصًا إذا كان هؤلاء متأثرين بطروحات أقصى اليمين. فمثلاً لا يجد التلميذ المسلم تفهمًا كاملاً من محيطه الدراسي بل يتم إشعاره بالنقص وبالإقصاء إذا رفض تناول اللحم غير المذبوح في المطاعم المدرسية في الحالات التي تصعب فيها العودة لتناول الغداء في البيت. قد يتفهمون عدم أكل لحم الخنزير لأن اليهود لا يأكلونه، ولكن يحاولون إقناعه بأكل ما تبقى من أنواع اللحوم بدل تعويض ذلك بأشياء أخرى يتفق فيها مع أولياء الأمور كما يحصل في كندا مثلاً.من ناحية أخرى، فإن الأطفال يميلون إلى التحدث عن أعيادهم ومناسباتهم السعيدة، وهو أمر طبيعي، فعندما يتحدث الطفل المسلم عن عيد الأضحى على سبيل المثال، يسخرون منه لأن ذبح الأضحية ممقوت وفيه تعذيب للحيوانات في نظرهم، حتى وإن حاول التلميذ المسلم إقناع أقرانه وربما مدرسيه أيضًا بأن الإسلام يحترم الحيوان، وأن الذبح يشترط فيه إراحة الذبيحة. وكذلك إذا وضعت البنت المسلمة الحناء وذهبت بها إلى المدرسة يسخرون منها، فتتولد بمثل هذه المواقف عقدة الشعور بالنقص لدى الطفل المسلم. هذه السلبيات في التعليم في المدارس الأوروبية الحكومية لا تعني أنه ليس هناك إيجابيات مثل احترام شخصية الطفل، والتركيز على الفكر الديكارتي القائم على المنطق وربط الأشياء بمسبباتها، وتعود التعددية الثقافية، وغيرها من الإيجابيات التي ما زالت تنقص المدارس الإسلامية.ولكن المقلق أننا كأولياء أمور لا نستطيع أن نتحكم في تربية أبنائنا في الواقع الأوروبي الغربي، ليس لضعف فينا وعدم قدرة، وإنما بسبب ضغوط الواقع المسلطة علينا، وما دام أبناؤنا يحتكون بهذا الواقع ويتأثرون به، فيحصل لهم دخن في هويتهم ولغتهم وعقليتهم وتفكيرهم وقيمهم، ويصبحون مذبذبين من حيث تاريخهم الإسلامي وحضارتهم ودينهم. وفي الحقيقة، هذا الأمر مصدر معاناة للأبناء الذين يعانون انفصام الهوية والشعور بأنهم ينتمون إلى أقلية غير مقبولة، ومصدر قلق لأولياء الأمور حيث نشعر بالمرارة في قرارة أنفسنا، لأننا نغرس فيهم معاني العزة بالإسلام، دين نظافة الظاهر والباطن ودين العلم، وفي الوقت نفسه نحرص على نجاحهم وتفوقهم وذلك بمساعدتهم على فهم دروسهم التي تلقن أبناءنا التاريخ واللغة والحضارة الأوروبية المسيحية، ونحن مضطرون إلى أن نشرح لهم ذلك ونؤكد لهم تعلم كل هذه المواد لضمان نجاحهم، فيتشبع الأطفال بالثقافة الأوروبية بحذافيرها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بالمستوى نفسه باللغة العربية والدين الإسلامي بحضارته وتاريخه، وهي أشياء عزيزة على كل مسلم، وإن كان لا يصلي ولا يطبق دينه، فهو يرغب في أن يتحدث أبناؤه العربية ولا يأكلون لحم الخنزير ويعرفون دينهم، ولكن بحكم العوامل المذكورة تبقى معرفة الأطفال والأجيال الصاعدة من أبناء المسلمين في أوروبا محدودة على مستوى اللغة العربية والدين الإسلامي، ولا تتحول هذه المعرفة إلى زخم فكري وثقافي عميق، لأنهم لم يتشربوها منذ صغرهم ولم ترافقهم في نشأتهم، وهنا مكمن الداء ومنبع الخطر.ورغم التحديات، يظل الإنسان المؤمن واثقًا بالله سبحانه، وبإيمانه يجعل من هذه التحديات مصدر قوة وثبات على المنهج الرباني في تربية أبنائه وتعليمهم. والسؤال المطروح: هل سيأتي اليوم الذي يتحقق فيه ذلك الحلم الذي طال انتظاره، والمتمثل في إنشاء مدارس إسلامية منتظمة كامل الأسبوع تستوعب كل أبناء المسلمين وتقوم عليها كفاءات إسلامية، ومعترف بها رسميًا، حتى نضع حدًا أو على الأقل نقلل من ثقل التحديات؟
المصدر : مجلة المعرفة