








شحادين يا بلدنا
الحلقة الثالثة كانت، اسمها 'شحادين يا بلدنا' قلنا له: 'اجعلها لله واعطنا حقوقا دستورية حتى لا نقع في المحظور. قد نسامح على كل شيء، لكن لن نسامح على ما هو قادم'. فاجأني أن الناس سمعت كل هذا الكلام، كل هذا الصراخ. المفاجأة الكبرى كانت أن يخرج عشرون شابا وصبية في سوق الحميدية في دمشق وفي المرجة ويطالبون بالحرية، وقفت كما الصنم!. سورية بعد 25 عاما لم تظهر فيها أي مظاهرة، 48 عاما من الضغط والتحكم الأمني تخرج عشر شباب والله لو خرج رجل واحد لكان حدثا على مستوى العالم. هذا الحدث كيف لقناة سورية إلا أن تقوله، فقررت أن أنقله فورا، وأن أفتح الهواء لمدة ساعتين لأرى آراء الناس لما حدث في سوق الحميدية. إن عشرين شابا ووجهوا بـ500 رجل أمن يهتفون بالروح بالدم نفديك يا بشار، المشكلة أعتقد ان الخطأ الأكبر أن السلطة لم تستوعب الصوت الآخر، حتى وإن كان صغيرا، حتى حدث بعدها هذا الصوت الكبير. عندما فتحت الهواء خرج ناس يهتفون بالروح والدم نفديك يا بشار، وخرج ناس يقولون بدنا حرية بدنا كرامة، لم يقولوا بدنا وظيفة، كذب من يقول انهم يريدون وظيفة، أو إصلاحا مأجورا، يريدون الكرامة والحرية، كان هتافهم: الله وسورية حرية'وبس. كان واضحا أن هناك من شعر بوطأة الاستبداد. بعد ذلك دخلت الأجهزة الأمنية على أعلى المستويات، وأنا أعرف أن من تدخل بذلك هو اللواء محمد ناصيف، قرر أن يتصلوا بكادر تلفزيون وموظفي أورينت ويهددوهم ويتوعدوهم بالعقوبات والخيانة العظمى، وبالضغط على أهلهم. طبعا الناس، وهذا حقهم، ما زال لديهم الخوف من وطأة الإرهاب، خاصة في هذا الوقت. بدأ الناس يتسربون، في الأسبوع الأول فقدنا ثلاثة موظفين، الأسبوع الثاني وخلال عشرة أيام فقدنا مجموعة من الموظفين. وكما تعرفين، هذا يولد إشكالية في قناة كل موظفيها بحدود 150 شخصا.
الشعب السوري صار كله مراسلين
ومع بداية اندلاع الثورة في درعا بسبب الغباء الذي تم التعامل به مع 15 طفلا كتبوا: 'الشعب يريد إسقاط النظام'، طبعا أطفال يسمعون هذه الشعارات على مدار ثلاثة أشهر، تم التعامل معهم بقوة وعنف، وتم تهديد النساء وتهديد كبار أهل'درعا والجور عليهم. من هنا انطلقت بشائر الثورة، ومن بداية نقلي للأحداث بدأت عملية التشويش والضغط والإساءات والتخوين، لم تبق وسيلة لم يستغلوها، جعلوا مني قائد ثورة وأنا لست إلا إعلاميا أنقل الواقع كما حدث. إلى اليوم لم يستطيعوا أن ينقلوا عني خبرا كاذبا، لم ينقلوا عني صورة كاذبة، عندما كانوا يقولون ان ما قدم خبر كاذب، كنت أفاجئهم بعدها وأعطيهم الدليل عليه. وكما تعرفين لا يسمحون'بوجود مراسلين، لكن الشعب السوري أصبح كله مراسلين. في الأسبوع الماضي أرسلوا مجموعة من الشبيحة خربوا بيوتي وإحدى مزارعي، كسروا الأبواب والنوافذ، كما كنت استثمرت جزءا من أموالي في سورية واشتريت أرضا كبيرة مساحتها 600 دونم استصلحتها وزرعت فيها 9000 شجرة زيتون فعلا رعيتها بكل الحب. المخابرات كانت تسأل أول البارحة ما هي أحب الأملاك لغسان عبود، فقالوا لهم أراضي الزيتون. يوم أمس أرسلوا أربعين من 'الشبيحة' وأطلقوا النار على المزارعين وهجروهم من الأراضي واستولوا على الأراضي وقسموها بين هؤلاء الأربعين. علما أن لها ملكية، والملكية ليست فقط يحميها الدستور السوري، وإنما تحميها شرائع الأمم المتحدة، كل ذلك ليسكت هذا الصوت، وكل ما عندي ساعتا أخبار، وهم لديهم ماكينة إعلام، لكن للأسف إعلامهم لا يصل حتى إلى المناطق الإعلامية'.
الوقوف مع المقتول ضد القاتل
* منذ الانتفاضة التي تحركت في سورية كان موقفكم متطرفا مع الشباب هذا ما ظهر في إعلامكم، لماذا هذا التطرف؟
* 'تبنيت حالة الوعي، في نشرة الأخبار وفي قضايا المشرق كنت وحيدا. الآن عندما خرج الشباب كان مطلوبا مني أن أتخلى عنهم، لقد أتى إلى هنا موفد منهم وقال لي بالحرف الواحد: بين يدي كل فرنك خسرته سنعطيك إياه، قلت له أنا لا أبحث عن فرنكات يا رجل، اذهب وتفاوض مع الناس الذين أصبحوا في الشارع. وبقي يومين في دبي ورفضت أن أقابله. وقوفي مع ثورة الشباب، لا ينبع فقط من ضمير وإنما هنالك موقف. لو كان النظام السوري يخوض حربا مع إسرائيل كان من واجبي أن أقف معه، لو كان يخوض حربا إقليمية كان من واجبي أن أقف مع النظام السوري لكنني لم أستطع أن أقف مع القاتل ضد المقتول، القاتل مسلح والمقتول أعزل، والمقتول هو الشعب نفسه لا يمكن، هذا هو موقفي'.
* ألا تحسب لمحاذير مستقبلية، في حالة إخماد حركة الشباب في المطالبة بحقوقهم وحريتهم؟
* 'أولا أنا متفائل جدا لأن الشعب السوري عانى كثيرا، ولا أعتقد أن هذا الشعب سيعود قبل أن ينجز الهدف، ولا يمكن مهما كان حجم الضغوط عليه، فهو لم يخرج بقرار حتى يعود بقرار. الاختلاف بين ثورة اليوم وثورة الأخوان المسلمين على النظام السوري، ان السابقة كانت ثورة منظمة لها قيادات تستطيع أن تخمدها وتستطيع أن تتآمر عليها، أما الآن من هم قواد هذه الثورة؟ الثورة بكل بساطة لا يمكن الإمساك بها، فهي ثورة هوائية ليست لها قيادات، هي ثورة الجائع إلى الحرية وإلى الكرامة، هي تشبه كرة الثلج، الواضح أن هذه الثورة تعامل بغباء شديد وعنجهية من النظام السوري. ولو ـ لا سمح الله - حدث شيء لي فمصيري ومصير هؤلاء الأحرار واحد'.
شاهد العيان اصدق من المراسلين
* أستاذ غسان، إن مصادر المعلومات لديكم تأتي من شهود عيان، هل يشكل ذلك ثقة من حيث المصداقية الإعلامية لقناتكم أو لأي قناة أخبارية؟
* 'عندنا مثل يقول: 'شو اللي جابك عل المر، قله الأمر منه'. لو كان النظام السوري قد سمح للكاميرات التلفزيونية ان تدخل وتصور ما جرى، لما كان أحد لجأ لشاهد العيان، ولا حتى لجأ لمراسلين هم عموم الناس، علما بأنه لو سمح ودخل الإعلام، ونحن نعرف أن معظم المراسلين لن يتجرأوا على تصوير الحقيقة كاملة، وإنما ستتبلور الحقيقة في استديوهات القنوات. لكن والله أقول لكم إننا كنا نحاول أن ندقق في الخبر ان كان صادقا. وقد حاول النظام السوري أن يبث لنا شهود عيان كثرا وأخبارا مزيفة كثيرة، لكننا نحن جميعا هنا سوريون، وقد استطعنا فعلا أن نعرف أن شاهد العيان من المنطقة وفعلا موجود في المكان، وقد أثبت شاهد العيان أنه صادق أكثر منهم جميعا. ما يقوله اليوم ينشر غدا، تؤكده الوثائق والأفلام والناشطون، وفي ما بعد أصبح التلفزيون السوري الآن يؤكده. كنا فقط نحتاج إلى هذه المسافة، وقد أثبت شاهد العيان أنه أصدق بكثير منهم'.
* هل كانت مصادر الأخبار لديكم تلم فعلا بتفصيل ما حصل، أو كانت هناك فوضى في النقل وتوصيل المعلومة؟
* 'أقول لك بكل وضوح، نحن لا نحرر الأخبار الآن، نحن ننقب عن الأخبار وعن الخبر الصحيح، نحاول أن نتصل بأكثر من عشرة بالمنطقة حتى نتأكد منه. لم يستطع النظام السوري أن يكذب خبرا أذعناه، عندما كان يكذّب نقول له في اليوم الثاني: هذا هو الدليل، والآن أصبح الدم واضحا، هناك أكثر من 200 قتيل، هنالك 300 شخص مفقودون من المشافي، والجرحى لا أحد يعلم عنهم ومعظم الناس تظن أنهم قتلى، وهم بالأسماء والأرقام. فأثبتنا في الـ 15 يوما الماضية أننا أصدق من كل ما قالوه. وهم يلجأون فقط إلى التخوين مع أورينت'.
سؤال للاعلام العالمي
* لماذا لم يدخل الإعلام ويصور الأحداث حيث تقال الحقيقة؟
* "هنالك فارس اليوم يظهر على شاشات التلفزيون السورية والعربية، هو مكلف من السلطة، اسمه خالد العبود عضو مجلس الشعب، قالها بأعلى صوته: "وهذه بلدنا ونحن أحرار لن نسمح" يعني هذه مزرعته وهو حر. لكن نحن نقول له شكرا، فإن الشعب السوري أصبح كله مراسلين، دع كاميراتك مغلقة، لكن سنسأل سؤالا معكوسا: لماذا لم يقم الإعلام العالمي بالتغطية لهذه الثورة وقد فقدت 250 قتيلا حتى اليوم، في حين أن الثورة المصرية لم تفقد من أولها إلى آخرها 350 قتيلا لأنه كان يغطيها بالكامل، لماذا في سورية يتوارون عنها؟ لن أقول ان هناك مؤامرة، لكن هناك سؤالا كبيرا يجب الإجابة عنه، وربما الأيام القادمة كفيلة بأن تجيب عليه".
* هناك ما يقال حولك من البعض: انك تقول ان ضغوطا معينة عليك من أعلى سلطة في سورية، وربما من دبي، هل'هذه الأخبار صحيحة وخاصة ما يتعلق بالتشويش على القناة في الأسبوع الماضي؟
* التشويش على القناة كان مصدره سورية، أما ضغوطات من دبي والله لم تحدث، لكن هناك ضغوطات من المنطقة الإعلامية في الفجيرة، أين مصدرها لا نعرف".
* هناك من يقول أيضا: بأن غسان عبود لديه أجندة، هي أن يركب موجة الثورة للوصول إلى أهداف سياسية، يخص بها في حالة نجاح الثورة، أو العكس يسترضونك إن بقوا في السلطة؟.
* "هو أن لدي أجندة نعم لدي أجندة، أساسا هذه الثورة أجمل ما فيها أن كل من لديه أجندة ضد الظلم قد توحد مع الثوار أوتوماتيكيا بدون أي لقاء أو أي تنسيق، نعم لدي أجندة ضد الظلم، أما عن السياسة وغير السياسة فأنا الآن ومن هذا الموقع وهذا المكان لم أكن سياسيا يوما، ولن أكون بأي شكل كان، أنا رجل أعمال وإعلام".
الناطق الوحيد
* استضفت على المحطة شخصيات مرموقة من سورية ثقافية وسياسية، البعض كان يطالب بالتغيير، والبعض كان موضوعيا تحدث عن الإصلاح، لماذا لم تستضف شخصيات مع النظام وتكون بذلك حققت فكرة الإعلام المستقل؟.
* "أولا أنا كنت دائما أحاول أن أستضيف شخصيات مع النظام ولا أزال، لكن المشكلة بأن قرار رئيس مجلس الوزراء السابق ناجي العطري، عندما قال بمنع التعامل مع "الأورينت" هو الذي جعل جميع الناس لا يظهرون، أنا أحاول الاتصال مع الجميع من المقربين من السلطة، الشخص الوحيد الذي يظهر معنا، هو أحمد حاج علي وهو يعتبر ناطقا إصلاحيا، لكن الآخرين لا يقبلون".
* سؤالي لك كسوري: هل ما حصل انتهى أم أنها البداية؟
* "أعتقد أننا لم نبدأ بعد، وأن الشعب السوري لم يبدأ بعد، الشعب السوري سيبدأ عندما يقول الجميع كلمته الواحدة، بكل طوائفه وبكل قومياته، الآن الثورة مشتعلة في الجنوب وفي الخط الساحلي وفي المنطقة الشرقية، المنطقة الشمالية لم تقل كلمتها كاملة".
* هل صمت تركيا له تأثير على صمت حلب الشهباء؟
* "هذا أكيد ومؤكد تماما، أنا ما زلت لم أنشر هذه الأخبار، لأنه من الصعوبة تأكيدها لكن هناك تدخلا قويا جدا سواء كان من السلطة أو من فعاليات تركية بمنع الشعب الحلبي من التظاهر. هنالك مظاهرات حصلت في السويداء، هناك بيان لنقابة المحامين، هناك مظاهرات خرجت في مدينة السلمية، أيضا في حمص وضمت افرادا من الطائفة المسيحية، أيضا هناك مشاركون من الطائفة العلوية أيضا تظاهروا وشاهدناهم في الفيديوهات التي وصلتنا، لكنها الثورة لم تبدأ بعد، كل ما يحدث الآن هو الاستعداد للثورة، النظام أضعف من أن يستطيع أن يصمد لأنه قائم على التوازنات، هو يظن أنه سيصمد كما صمد في عام 2005 هكذا قال الرئيس في خطابه، لكني أقول للرئيس السوري "إن عام 2005 يختلف عن عام 2011. في ذلك الوقت كانت لديك مشاكل مع جهات متحزبة في لبنان، مع جهات إقليمية في الوطن العربي، مع جهات دولية، أما الآن مشكلتك مع شعبك، وبالتالي ليس هناك انضباط يضبطه، ليس هنالك قيادات تستطيع أن تتحاور معها أو كما يظهر لنا أنك تتحاور مع الأخوان المسلمين، حتى تقول إنها ثورة سنية برؤية سلفية، كما يقول البوطي بأنه سيعطينا قناة فضائية إسلامية. الثورة لن تخرج بهذه المطالب يا سيادة الرئيس". الثورة لها مطالب واحدة عندما رأت أن البنية التحتية منهارة تماما، والآن تؤكدونها على تلفزيوناتكم. وأيضا طالب بالكرامة ومنع الاستعباد، وليس قناة تلفزيونية إسلامية. المشكلة أنك لن تستطيع، لا أنت ولا أي طرف دولي أن يقبض على هذه الثورة، هذا الذي حدث في مصر يحدث في سورية ثورة شعب يريد حرية، توازنات عالمية جديدة لن تستطيع أن تفعل شيئا. وكما وقفت السلطة عاجزة في تونس ومصر الآن في سورية، أنصح نصيحة واحدة أن تكون المحاورة مع الناس ولا تضيع الوقت. الناس لها مطالب واحدة: "إنهاء الاستعباد، إنهاء قانون الطوارئ عودة الحياة الدستورية فورا، لا أحد يأتمنك اليوم على يوم واحد إضافي. هذا الذي يجب أن يفهم عند ذلك نظن أنك سوف تستطيع التحاور". أما أن يقول بدنا نصلح، وعودة المنقبات، ومحطة إسلامية، هذه لم تكن أساسا من مطالب الثورة. الشعب يقول: "واحد واحد الله واحد سورية واحد". الشعب يقول: حرية.. كرامة، ومطالبه واضحة. لا أحد يستطيع أن يتجرأ على التلاعب بها، والوقت ليس في صالح النظام أبدا، وإنما هو لصالح الثورة لأنها كرة ثلج، وهذه ليست نظريتي بل هي اعتماد على التجارب التي شاهدناها. كل الدم الذي يسفكه القذافي لم يوقف الثورة ومطالب الشعب في ليبيا، كل الدول الإقليمية والدولية وقفت إلى جانب النظام في اليمن وما الذي يحدث؟ قريبا سترون هذا الرجل عبد الله صالح في خبر كان، وفي ذمة التاريخ. وكذلك كل نظام وقف أمام طموحات شعبه، مشاكلنا نحن الجمهوريات العربية واحدة، جمهوريات مستنسخة".
من يصنع الفتنة؟
* هل السوريون برأيك سينتزعون حريتهم، شاء من شاء أو أبى من أبى؟
* "صيرورة التاريخ تقول ذلك، لكن دائما السؤال الكبير: لماذا الشعب السوري، وهو شعب حر وهو شعب مدني منذ 8000 عام، لماذا قبل أن يحكم بهذه الطريقة 48 عاما؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحتاج كثيرا من الباحثين ليعرفوا السبب. ليس فقط هو الخوف، لكن أعتقد أن الطوق كان كبيرا، ولا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال. المستقبل كفيل بأن يجيب عن هذا السؤال: كيف قمعت تطلعات الشعب السوري المدني؟ وهو مدني وأبو المدنية في العالم. نحن لسنا شعوبا من الهمج. وأريد أن أقول كلمة أخرى إن الرئيس استخدم كلمة فتنة، عندما استلمتم السلطة في عام 63 لم يكن هناك فتنة، على الأقل اتركوها كما أخذتموها. لا أحد يهددنا بالفتنة، لا يمكن أن تحدث في سورية، لا أحد يراهن عليها. نحن مدنيون ولسنا وحوشا، لسنا شعبا متوحشا نحن مدنيون، نحن إلهنا واحد، إلهنا هو إله الحرية".
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)