قال ابن إسحاق: توفي أبو بكر رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشر (23 أغسطس سنة 634) وصلى عليه عمر بن الخطاب.
توفي بعد النبي بسنتين وأشهر بالمدينة وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وكان أبو بكر رجلا أبيض نحيفا خفيف العارضين أحنى، معروق الوجه، غائر العينين، ناتىء الجبهة، عاري الأشاجع، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال وأسلم أبواه، له ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة رضي الله عنهم، واختلف في سبب موته، فقيل: إنه مات مسموما، وقيل: إنه اغتسل في يوم بارد فَحُمَّ خمسة عشر يوما ثم مات بعدها، وقيل: إنه مات كمدا على رسول الله
هذه ترجمة حياة أبي بكر أثبتناها هنا بمناسبة إسلامه وما كان له من الشأن العظيم والقدر الرفيع، ولأنه قد بذل المجهود في نصرة الرسول فدل بذلك على غاية الوفاء ومنتهى الإخلاص، ولم يكن - رضي الله عنه - رجلا ضعيفا كما ظن بعض المستشرقين، بل كان شجاعا وكان مع شجاعته مخلصا لا يبالي بالأهوال ويحتمل المشقات كما يستفاد من سيرته، فبقي مع الرسول ولم يهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين عند اشتداد أذى الكفار على المسلمين، ولما دعاه النبي إلى الهجرة معه بكى من فرط السرور واشترك معه في غزواته، وهو ممن ثبت مع رسول الله في غزوة أُحُد، ولما توفي النبي فقد الناس صوابهم وقال عمر من قال: إن محمدا مات ضربته بسيفي هذا، أما أبو بكر فملك شعوره ولم يفقده وقع المصاب الجلل صوابه، فقال: إنك ميت وإنهم ميتون، وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر وفاة رسول الله فإذا كانت هذه مواقف ضعف وخلال وهن فأين مواطن القوة؟ ولم نذكر هنا أعماله الجليلة في خلافته.
يقول هؤلاء المستشرقون إنه كان يصدق الرسول تصديقا أعمى وإنه كان كالنساء سريع البكاء، وهو قول عجيب، فكيف لا يصدق الرسول وهو يعلم أنه صادق لا يكذب، بل هو أعلم خلق الله بصدقه عليه الصلاة والسلام لصحبته له تلك الصحبة الطويلة، إن تصديقه لرسول الله في كل ما قاله نتيجة الثقة به ولأجل هذه الثقة المتينة كان لا يتردد في التصديق به، ولأجلها تحمل معه الشدائد والاضطهادات، ولأجلها أنفق أمواله كلها وهذا شأن العاقل الذي إذا ثبت يقينه على أساس قوي لم يبال بما يصادفه من عقبات في سبيل نصرة الحق، أما بكاؤه عند سماع القرآن فهذا أظهر دليل على إخلاصه وتوقد ذكاؤه وقوة فهمه لكلام الله عز وجل إذ بقدر الفهم يكون التأثر، وقد أجمعوا على كثرة علمه ووفور عقله وفهمه وزهده وتواضعه.



كان رضي الله عنه يقول:
«أكيس الكياسة التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة، إن العبد إذا داخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة، ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل، وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد».
وقال: «لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا في مال لا ينفق منه في سبيل الله، ولا فيمن يغلب جهلُه حلمَه، ولا فيمن لا يخاف في الله لومة لائم».
«وجدنا الكرم في التقوى والغَناء في اليقين والشرف في التواضع».
«من مقت نفسه في ذات الله، أمنه الله من مقته».
«فاز بالمروءة من امتطى التغافل، وهان على القربى من عرف باللجاج».
«إياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب ثم إليه يعود، ثم يأكله الدود».
«لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة».