المنهزمون من المسلمين

وصار المسلمون ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال، وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (آل عمران: 155).
وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي ص قد قُتل، فصارت غاية الواحد منهم أن يدافع عن نفسه أو يواصل القتال إلى أن يُقتل وهم أكثر الصحابة.
وفرقة ثبتت مع النبي ص ثم تراجعت إليه الفرقة الثانية شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حيّ، وكان في جملة من انهزم عثمان بن عفان، والوليد بن عقبة، وخارجة بن زيد، ورفاعة بن معلى، فأقاموا ثلاثة أيام ثم رجعوا إلى رسول الله.
قال موسى بن عقبة: لما غاب النبي ص عن أعين بعض القوم واختلط بعضهم ببعض وسمعوا الصارخ، قال رجال من المنافقين: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا، وقال بعض منهم: لو كان نبيا ما قُتل فارجعوا إلى دينكم الأول، وفي ذلك أنزل الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ} (آل عمران: 144)، وقال رجل منهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أُبي ليستأمن لنا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قُتل فارجعوا إلى قومكم ليؤمنوكم قبل أن يأتيكم الكفار فيقتلوكم فإنهم يدخلون البيوت، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنهما: يا قوم إن كان محمد قد قُتل فإن رب محمد لم يُقتل، فقاتلوا عليه، وشهد له بهذه المقالة عند النبي ص سعد بن معاذ رضي الله عنه ووافق أنس بن النضر جماعة كثيرون على هذه المقالة وهم المؤمنون أهل الصدق واليقين الذين تمكن الإيمان من قلوبهم.
وروى ابن إسحاق أن أنس بن النضر، عم أنس بن مالك رضي الله عنهما جاء إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فقال: إن كان قد قُتل - يعني محمدا - فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه.ثم استقبل العدو فقاتل حتى قُتل رضي الله عنه، قال أنس: ولقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته، عرفته ببنانه - أي بأصابعه -.
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحد وانكشف المسلمون، قال: «اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني - المشركين» ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: «يا سعد الجنة ورب النضر إني أجد ريحها دون أحد»، قال سعد: فما أستطيع أن أصف ما صنع.
وقد مثل به المشركون، وما أفظع التمثل بالقتلى لكن هؤلاء قد أعماهم حب الانتقام.
وممن قال مثل مقالة أنس بن النضر، ثابت بن الدحداح رضي الله عنه فإنه قال: يا معشر الأنصار، إن كان محمد قد قُتل فإن الله حيٌّ لا يموت قاتلوا عن دينكم فإن الله مظفركم وناصركم، فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار.
رسول الله ومن ثبت معه

ذكرنا أن رسول الله قد ثبت ولم يتزحزح عن موقفه عندما انهزم المسلمون واختلطوا وقتلوا وفرّ من فرّ منهم، قال ابن سعد: ما زال ص يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر، وكان أقرب الناس إلى القوم، وهذا ما يؤيد أنه ص كان أشجعهم وأثبتهم، وجاء عن عليّ رضي الله عنه وغيره: كنا إذا اشتد البأس - أي حمى القتال - اتقينا برسول الله ص أي فيجعلونه في وجه القوم ويكونون خلفه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما جال الناس عن رسول الله ص تلك الجولة يوم أُحد، قلت: أذود عن نفسي، فإما أن أستشهد وإما أن ألحق حتى ألقى رسول الله ص فبينا أنا كذلك إذا برجل محمّر وجهه ما أدري من هو، فأَقبل المشركون حتى قلت قد ركبوه فملأ يده من الحصى ثم رمى به في وجوههم فتنكبوا على أعقابهم القهقرى حتى أتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد: يا سعد هذا هو رسول الله ص يدعوك، فقلت: وأين هو؟ فأَشار إليه فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الأذى وأجلسني أمامه وأقول: اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله ص يقول: «اللهم استجب لسعد، اللهم سدد رميته وأجب دعوته» - فكان سعد مجاب الدعوة - حتى إذا فرغ النبل من كنانتي، نثر ص لي ما كان في كنانته وانكشف الناس عنه ص
وعن سعد رضي الله عنه قال: لقد رأيتني والنبي ص يناولني النبل ويقول: «إرم فداك أبي وأمي» حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول: «إرم به»، وجاء أن سعدا رمى يوم أُحُد ألف سهم ما فيها سهم إلا ورسول الله ص يقول: «إرم فداك أبي وأمي»، ففداه ذلك اليوم ألف مرة، وعن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله ص قال: «فداك أبي وأمي» إلا لسعد رضي الله عنه - يعني يوم أُحد فلا ينافي أن النبي ص قال مثل ذلك للزبير رضي الله عنه يوم الخندق.
وثبت معه أربعة عشر: سبعة من المهاجرين وهم:
1 - أبو بكر الصديق.
2 - عمر بن الخطاب.
3 - عبد الرحمن بن عوف.
4 - سعد بن أبي وقاص.
5 - طلحة بن عبيد الله.
6 - الزبير بن العوام.
7 - أبو عبيدة بن الجراح.
أما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقد صحت الأحاديث بأنه ممن ثبت، وبعض الرواة لم يذكر لأنه كان حامل اللواء بعد مصعب.
وسبعة من الأنصار وهم:
1 - أبو دجانة.
2 - الحباب بن المنذر.
3 - عاصم بن ثابت.
4 - الحارث بن الصمة.
5 - سهل بن حنيف.
6 - سعد بن معاذ.
7 - أسيد بن حضير.